إن الانفجارات واسعة النطاق التي شهدتها أجهزة الاتصال مثل أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكي في لبنان تؤدي إلى تفاقم مخاوف المجتمع الدولي بشأن زيادة تدهور الحالة في الشرق الأوسط. وحول هذا الأمر، لم تعلق إسرائيل حتى الآن، في حين يعتقد حزب الله اللبناني أن ذلك خلفه إسرائيل، واتهم إسرائيل بشن "حرب تقنية". لبعض الوقت، كانت الحدود اللبنانية الإسرائيلية متوترة، وبدا خطر نشوب حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله اللبناني "أقرب من أي وقت مضى."
إن المواجهة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني مستمرة منذ أكثر من 40 عاماً، والتناقضات بين الجانبين عميقة الجذور. ومنذ اندلاع جولة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في 7 أكتوبر من العام الماضي، شهدت منطقة الحدود اللبنانية الاسرائلية صراعات مستمرة صغيرة النطاق، ومنذ يونيو من هذا العام، واجهت خطر نشوب صراع واسع النطاق عدة مرات . وكتب زو تشي تشيانغ، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان، مقالاً في صحيفة غلوبال تايمز مفاده أن انفجار معدات الاتصالات قد يزيد من حدة الصراع اللبناني الإسرائيلي ويجلب حالة من عدم اليقين الجديد إلى الوضع الأمني في الشرق الأوسط.
أولاً، لقد ألقى هذا بظلال أكبر على محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية الصعبة بالفعل، مما جعل آفاق محادثات السلام أكثر قتامة وغير واضحة. واستمرت الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لمدة عام تقريبا، وتسببت في خسائر فادحة وكوارث إنسانية. وظلت محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية دائما عالقة في معضلة ويصعب تحقيق تقدم كبير، بالرغم من الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لدفعها والتوسط فيها بشكل نشط. وقد أدى انفجار معدات الاتصالات إلى زيادة احتمالات نشوب حرب واسعة النطاق بين لبنان وإسرائيل. ومن عواقب هذه الحرب المحتملة تهميش الصراع في غزة إلى حد ما أو على الأقل لفترة من الوقت، مما يزيد من إضعاف رغبة الأطراف المعنية في دفع محادثات السلام إلى الأمام، ما سيزيد من صعوبة حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية.
ثانياً، يدل هذا على أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يزال يظهر اتجاها الانتشار إلى الخارج، وأن الصراع اللبناني الإسرائيلي قد يصبح "عين العاصفة" أخرى في الشرق الأوسط إلى جانب الصراع في غزة. ولاحظت بعض وسائل الإعلام الغربية أنه بعد حدث انفجار واسع النطاق في معدات الاتصالات في لبنان، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآن غالانت أن الحرب دخلت مرحلة جديدة وأن التركيز العسكري سيتحول إلى الجبهة الشمالية. وقد تم تفسير هذا التصريح على أنه استعداد إسرائيلي لحرب واسعة النطاق مع حزب الله في لبنان. كما إن رد فعل حزب الله اللبناني والانتقام اللاحق سوف يؤثر على اتجاه الصراع. ومن المرجح بشكل خاص أن تؤدي المواقف شديدة التوتر إلى سوء تقدير وتصعيد غير متوقع للصراع. وبمجرد اندلاع حرب واسعة النطاق بين لبنان وإسرائيل، فإن ذلك يعني تصعيداً كبيراً جديداً للصراع في الشرق الأوسط. ولن تتكبد الأطراف المتحاربة خسائر فادحة وتخلق أزمة إنسانية جديدة فحسب، بل إنها ستؤدي أيضًأ الى تصاعد الصراع بين معسكرات "محور المقاومة" في الشرق الأوسط واسرائيل،مما يؤدي الى أزمة جيوسياسية أكثر خطورة.
ثالثًا، يعكس هذا الحادث ايضًا على المستوى الفني أن الاتجاه نحو تسليح المعدات المدنية و"الحرب غير المقيدة" له آثار سلبية خطيرة على المستويين الإقليمي والعالمي. وتستخدم طريقة الهجوم هذه العناصر المدنية اليومية كسلاح، مثل أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكي، والتي يمكن أن تسبب القلق وحتى الذعر على نطاق أوسع. وفي الوضع الحالي للصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، فقد تجاوز هذا أيضًا إلى حد كبير تصورات بعض الناس لسيناريوهات الصراع، مما تسبب في صدمة. وإذا تم استخدام أساليب هجوم مماثلة بشكل أكبر في المستقبل، فلن يكون لها تأثير قوي على تصورات الناس الأمنية والأوضاع الإقليمية فحسب، بل قد تؤثر أيضًا بشكل عميق على أمن وإعادة بناء سلاسل الصناعة والتوريد العالمية، مما يتسبب في عواقب وتداعيات أمنية واقتصادية وسياسية لا يمكن التنبؤ بها.
سيكون من الصعب التخلص حقا من خطر التدهور في الوضع في الشرق الأوسط، مادام الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لم ينته. وفي مواجهة المخاوف بشأن تصاعد الوضع في الشرق الأوسط، عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتماع طارئ يوم 20 سبتمبر بالتوقيت المحلي بشأن انفجار معدات الاتصالات في لبنان لمناقشة الإجراءات المضادة. وفي كل الأحوال فإن الأولوية القصوى حالياً هي عدم السماح للصراع اللبناني الإسرائيلي بالاستمرار في التصعيد أو حتى التطور إلى حرب واسعة النطاق. ويتعين على المجتمع الدولي أن يبذل المزيد من الجهود لحث الأطراف المعنية على ضبط النفس وتجنب الحسابات الخاطئة. وينبغي لجميع الأطراف داخل المنطقة وخارجها أن تمارس نفوذها بشكل مشترك لتهدئة الوضع، وتجنب خلق عقبات جديدة أمام محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية أو خلق "عين عاصفة" جديدة للتوترات الإقليمية، وتعزيز التقدم في محادثات السلام في وقت مبكر لتحقيق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.