بكين 21 سبتمبر 2024 (شينخوا) قبل ثلاث سنوات، اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة التنمية العالمية خلال المناقشة العامة للدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، داعيا إلى بناء توافق حول السعي لتحقيق التنمية ودفع النمو المشترك والمساعدة في تسريع تنفيذ أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.
ومنذ ذلك الحين، تم العمل على تعزيز المبادرة بشكل مستمر، وتم صقل آليات تنفيذها بشكل متزايد، كما بدأت ملامح التعاون العملي في إطارها تتشكل تدريجيا، وهو ما يقدم حلا صينيا لتجسير الفجوة التنموية ببلدان الجنوب العالمي، فضلا عن بناء عالم أفضل معا.
-- التنمية كأولوية
قال شي في حوار بريكس بلس وبريكس- أفريقيا الذي عُقد في جوهانسبرع بجنوب أفريقيا في أغسطس 2023 إنه "يتعين على المجتمع الدولي السعي لتحقيق المصالح الأكبر لجميع الدول، والاستجابة لشواغل الناس، وإعادة التنمية إلى مركز الأجندة الدولية"، داعيا الدول مرة أخرى إلى السعي لتحقيق التنمية معا.
تضع مبادرة التنمية العالمية مسألة "إعطاء الأولوية للتنمية" في صدارة مفاهيمها ومبادئها الجوهرية الستة التي تتماشى مع احتياجات العصر، وقد حظيت باعتراف واسع ودعم نشط من جانب المجتمع الدولي.
فقد أعربت أكثر من 100 دولة والعديد من المنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة عن دعمها لمبادرة التنمية العالمية وشاركت فيها. وبالإضافة إلى ذلك، انضمت أكثر من 80 دولة إلى مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية.
وإن الصين، باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم، تنظر دائما إلى نموها في سياق التنمية المشتركة للبشرية جمعاء. وقد قدمت البلاد مساعدات تنموية لأكثر من 160 دولة.
وخلال مراسم افتتاح المؤتمر رفيع المستوى الثاني لمنتدى العمل العالمي من أجل التنمية التشاركية الذي عُقد في يوليو في بكين، أشاد رئيس وزراء فانواتو، شارلوت سالواي، بانضمام بلاده إلى مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية في أوائل هذا العام واصفا ذلك بأنه معلما آخر في العلاقات بين الصين وفانواتو، كما أشار إلى فانواتو بوصفها بلدا مستفيدا من هذه المبادرة.
وتم إنشاء مركز عرض للتعاون بين الصين وأفريقيا (إثيوبيا) والأمم المتحدة (يونيدو) خلال هذا المؤتمر. وأكد المدير العام لليونيدو، جيرد مولر، أن مركز العرض هذا، الذي يركز على التصنيع والتحديث الزراعي وتنمية المواهب، يلعب دورا هاما في تبادل الخبرات التنموية الصينية وترويج التكنولوجيات الصينية المتقدمة وجذب الاستثمارات.
وبدوره قال أبو بكر الديب، مستشار المركز العربي للبحوث والدراسات ومقره القاهرة، إن مبادرة التنمية العالمية "تسعى إلى تعزيز الشراكات العالمية لتكون أكثر عدلا وتوازنا" وتحمي المزيد من الناس من آثار الجوع والفقر والصراع، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل التحديات والتوترات التي يواجهها العالم.
-- التنمية عالية الجودة
أنشأت مبادرة التنمية العالمية منصة عالمية مفتوحة تركز على الحد من الفقر، والأمن الغذائي، وتمويل التنمية، وتغير المناخ، والتنمية الخضراء، والاقتصاد الرقمي، وذلك من بين مجالات رئيسية أخرى.
وفي هذا الصدد أشار كافينس أديري، الباحث الكيني المتخصص في العلاقات الدولية، إلى أن هذه المجالات الرئيسية "تتحدث جميعها عن تطلعات التنمية لدى الاقتصادات الناشئة، التي يقع معظمها في أفريقيا".
فمن تقديم المساعدات الغذائية والوجبات المغذية للنساء والأطفال الفقراء إلى تعزيز تكنولوجيا جيونتساو في مجال الزراعة في أكثر من 100 دولة، تجسد هذه المبادرة المثل الصيني القائل "لا تعطهم السمك بل علمهم كيف يصطادون".
وصرح بنيامين مغانا، رئيس تحرير قسم الأخبار الخارجية في صحيفة ((الغارديان)) بتنزانيا لوكالة أنباء ((شينخوا))، قائلا إن "هذه المبادرة لم تعزز فقط الوعي العالمي بقضايا التنمية، بل قدمت أيضا حلولا مبتكرة لمعالجة تحديات معقدة مثل الفقر وتطوير البنية التحتية وتغير المناخ".
كما شجعت الصين على إقامة عدد كبير من المشاريع "الصغيرة ولكن المؤثرة" في إطار مبادرة التنمية العالمية لخلق فرص تعليم وعمل في جميع أنحاء العالم، مثل تعليم شباب طاجيكستان مهارات تقنية من خلال ورشة عمل لوبان ومساعدة النساء الإثيوبيات على بدء مشاريع تجارية من خلال مبادرة "إحلال الخيزران محل البلاستيك".
وقال سلجوق كولاك أوغلو، مدير المركز التركي لدراسات آسيا-الباسيفيك ومقره أنقرة، إن مبادرة التنمية العالمية تقدم نموذجا للنمو عالي الجودة يمكن أن تحتذي به لدول النامية.
وفي كوبا، تسطع محطات الطاقة الشمسية الفولطاضوئية الثلاث، التي تم إنشاؤها بمساعدة صينية بقدرة تبلغ 4 ميغاواطات لكل محطة، تحت أشعة الشمس الكاريبية. ولفتت ديبورا ريفاس، نائبة وزير التجارة الخارجية والاستثمار في كوبا، إلى أن هذا المشروع يحمل أهمية كبيرة للاقتصاد الوطني لكوبا وشعبها.
وسلط برنار دويت، رئيس غرفة التجارة البلجيكية-الصينية، الضوء على أن مبادرة التنمية العالمية توفر أيضا فرصا للعديد من الشركات في مجالات مثل الطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي، حيث تلعب الصين دورا متزايد الأهمية.
-- التعاون بين بلدان الجنوب
خلال قمة منتدى التعاون الصيني-الأفريقي (فوكاك) لعام 2024 التي عقدت في وقت سابق من هذا الشهر في بكين، كانت التنمية كلمة رئيسية ترددت أصداؤها طيلة الحدث الذي استمر ثلاثة أيام، حيث أعربت الدول المشاركة عن دعمها الموحد لمبادرة التنمية العالمية.
تتوافق مبادرة التنمية العالمية بشكل كبير مع أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، وأجندة الاتحاد الأفريقي لعام 2063 وإستراتيجيات التنمية للدول الأفريقية، و"تضخ زخماً كبيراً في التنمية المشتركة بجميع أنحاء العالم"، حسبما ذكر بيان مشترك حول تعميق التعاون بين الصين وأفريقيا في إطار مبادرة التنمية العالمية صدر خلال القمة.
وفي إطار هذه المبادرة، قامت الصين بالارتقاء بصندوق التنمية العالمية والتعاون بين بلدان الجنوب، وزيادة رأس ماله ليصل إلى أربعة مليارات دولار أمريكي. وتجاوز العدد الإجمالي لمشاريع التنمية العالمية التي تم إنشاؤها 1000 مشروع، هناك أكثر من 500 منها قد أكتمل أو قيد التنفيذ حاليا.
وفي التعاون بين بلدان الجنوب، لا تفرض الصين على الإطلاق أية شروط سياسية، وتقدم باستمرار دعما مخلصا للبلدان النامية لتعزيز قدراتها على التنمية الذاتية، بينما تواصل استكشاف مجالات وأساليب جديدة للتعاون.
فقد كانت الصين أول من دعم بشكل صريح انضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين، داعية إلى تمثيل أكبر للدول النامية في هيئات صنع القرار العالمية.
كما تظل ملتزمة بتطوير وتحسين أطر التعاون متعدد الأطراف مثل مجموعة بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون من أجل تعزيز صوت البلدان النامية في الشؤون الدولية.
وقد صرح رئيس مدغشقر أندريه راجولينا لـ((شينخوا))، في مقابلة أُجريت معه مؤخرا، بأن الصين أظهرت "التزاما ثابتا" تجاه تنمية أفريقيا وفتحت آفاقا جديدة أمام دول من بينها مدغشقر في مجالات رئيسية مثل البنية التحتية والتصنيع.
وأضاف قائلا إنه من خلال الجهود المشتركة التي يبذلها الجنوب العالمي، "لا يمكننا تسريع تنميتنا فحسب، بل يمكننا أيضا تقديم مساهمة كبيرة في بناء عالم أكثر عدلا وأكثر تعددية".