أحمد ردمان الشميري، صحفي يمني، رئيس الشبكة العربية للصحافة العلمية
تعتبر مشكلة التصحر واحدة من أكبر التحديات البيئية التي تواجه البشرية، حيث يُعد عملية تحول مستدام للأراضي الخصبة إلى صحاري جافة، مبتلعةً بقايا الغطاء النباتي، مع تأثيرات كارثية على البيئة والاقتصاد والمجتمعات.
وتتعدد الأسباب وراء تصحر الأراضي، في مقدمتها الأنشطة البشرية كالرعي الجائر، قطع الأشجار، وزراعة المحاصيل بطرق غير مستدامة وآثار بعض الصناعات، كما تساهم التغيرات المناخية في تفاقم الوضع، من خلال زيادة درجات الحرارة وتغير أنماط الأمطار، مما يُعد في حد ذاته قنبلة موقوتة تهدد الكثير من الدول مما يزيد من خطر الفقر والجوع. فالأراضي القاحلة تؤدي إلى تآكل الإنتاج الزراعي، مما يتسبب في انعدام الأمن الغذائي وزيادة حدة النزاعات على الموارد المائية والغذائية. كما أن التصحر يُسهم في تدهور البيئة، من خلال التأثير السلبي على التنوع البيولوجي والحيوي وتدهور الأنظمة الإيكولوجية.
عانت الصين من ظاهرة التصحر منذ عقود، ومؤخرا اعتمدت الحكومة الصينية سياسات صارمة لمواجهة خطر التصحر واستخدمت استراتيجيات متعددة لمكافحته وتحويل الأراضي الصحراوية إلى أراضي غابات خصبة.
استثمرت الصين وبشكل كبير في الابتكارات التكنولوجية لوضع خططًا استراتيجية كـ "برامج عودة الغابات وحماية الأراضي الرطبة وغيرها " والذي كان لها الأثر الأكبر في استعادة ملايين الهكتارات التي أوشكت أن تصبح صحاري "وحسب التقارير" تمكنت الصين من استعادة نحو 6.1 مليون هكتار من الأراضي المتصحرة بين عامي 2011 و2019 ما يجعلنا نلمس جهود حقيقية لمواجهة هذا الخطر.
وتؤكد الإحصائيات أن مساحة الأراضي الصحراوية في الصين كانت تمثل حوالي 27% من إجمالي مساحة البلاد في العام 2000، لكنها تراجعت إلى حوالي 23% في عام 2021 ، حيث استخدمت الصين عدد من التقنيات كالاستشعار عن بعد كاستخدام الأقمار الصناعية لمراقبة تغيرات الغطاء النباتي وقياس نسبة الرطوبة في التربة، بالإضافة إلى الزراعة الدقيقة التي تساعد على تقليل هدر المياه وزيادة فعالية استخدام الموارد المتاحة ، ومن الابتكارات الملحوظة أيضًا الاعتماد على الطائرات بدون طيار التي تُستخدم في عمليات نشر البذور وإجراء عمليات المسح البيئي لتحليل التربة وغيرها من التقنيات التي تساهم في إيجاد حلول علمية مستدامة لمواجهة هذا الخطر.
كنت أحد شهود العيان على هذه الجهود المبذولة خلال زيارتي العام الماضي لعدد من المقاطعات الصينية ضمن برنامج CIPCC، أطلعت على تجارب عملية علمية صينية كثيرة، وجدت توظيف واستثمار حقيقي للتكنولوجيا في مواجهة التصحر ومواجهة التغير المناخي والحفاظ على البيئة، "أذكر واحدة منها " خلال زياتي لمقاطعة نينغيشيا استثمرت الصين النهر الأصفر وحولت أجزاء كبيرة من صحاري تينغر وأوردوس إلى غابات مليئة بالأشجار واستحدثت عدد من الأنهار والسدود ضمن برنامج حماية الأراضي الرطبة.
توجهنا شمالاً من ينشوان مروراً بغابات على مسافة حوالي 100 كيلو متر وأخبرونا الوفد المرافق بأن هذه المسافة كانت صحراوية بالكامل ، ونراها في ذلك الحين قد تحولت إلى غابات تتخللها المياه وانشئت فيها محمية تحوي عدد من حيوانات الأرض والحشرات التي تعيش في الغابات ، ولا تزال أعمال التشجير وبناء قنوات المياه جارية أثناء الزيارة، حينها أدركت بأن هناك جهود حقيقية وسياسة صارمة لمواجهة خطر التصحر ، وما هذا إلا مثال ضمن أمثلة وشواهد كثيرة تترجم الجهود الكبيرة في مقاطعات أخرى وبرامج مختلفة تتبناها الحكومة الصينية للحفاظ على البيئة ومواجهة كل ما يهددها.
إن تجربة الصين تعد نموذجًا يُحتذى به، ويمكن للدول العربية الاستفادة منه، إذ يمكن تطبيق مفهوم الزراعة الذكية، مما يساهم في تحسين كفاءة استخدام الموارد المائية في المناطق الصحراوية، كما أن الاستثمار في البحث والتطوير وتعزيز الابتكارات المحلية يمثلان جوهر المواجهة الحقيقية للتصحر في المنطقة، يُضاف إلى ذلك أهمية تبني استراتيجيات قادرة على مواجهة التحديات البيئية، من خلال الاستثمار في التكنولوجيا وتطوير حلول مبتكرة تراعي الخصوصيات المناخية والثقافية لكل بلد.
ونأمل من خلال قمة COP16 المزمع انعقادها بالعاصمة السعودية الرياض في ديسمبر المقبل أن يتم تبادل هذه التجارب والخبرات، حيث يمكن أن تساعد نماذج الصين في تقديم حلول جديدة للمشكلات البيئية التي تواجه دول المنطقة والعالم.