بقلم/عبد القادر خليل – مدير تحرير شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية، عضو مجلس الإدارة للرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل
في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم اليوم، والتطور المتسارع للأحداث المتناثرة هنا وهناك في مختلف بقاع المعمورة، والتحديات الكبرى التي تواجه الدول وخاصة النامية منها، وفي ظل الوضع الاقتصادي العالمي، والأمني والغذائي والمناخي وغيرها من المجالات، بات من الضروري إعادة النظر فيها، باعتبارها تُمثل أهم التحديات العالمية نحو التحديث العالمي الشامل والعادل والمتنوع، ومن الضروري الدفع بالعلاقات الصينية الإفريقية نحو مرحلة جديدة من التحديث والارتقاء بها إلى أعلى المستويات.
يقول المثل الشعبي "يداً واحدةً لا تصفق، وفي الاتحاد قوة"، ومن هذا المنطلق تولي جمهورية الصين الشعبية أهمية بالغة للاتحاد والتحديث والعمل المشترك من أجل مستقبل ذي مصير مشترك للبشرية. وبقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ تسير الصين في الاتجاه الصحيح، بكل فطنة وحكمة ورؤية ثاقبة للمستقبل الأفضل للصين والعالم. ومن بين الآليات التي من شأنها تحقيق تلك الأهداف قمة منتدى التعاون الصيني-الأفريقي (فوكاك) لعام 2024 التي عٌقدت في قاعة الشعب الكبرى ببكين، هذا الأسبوع، إذ تعد أكبر حدث دبلوماسي في هذا العام، حيث ألقى الرئيس شي جين بينغ في افتتاحية هذه القمة خطاباً بالغ الأهمية أمام المشاركين الأفارقة.
وقد حُظيت كلمة الرئيس شي باهتمام واسع الناطق ليس فقط على مستوى المجتمعين في قاعة الشعب الكُبري ببكين، بل على مستوى العالم، حيث كانت الأضواء الإعلامية العالمية كلها موجهة صوب هذا المنتدى الذي يجمع الصين بإفريقيا، والذي من شأنه توحيد دول الجنوب العالمي.
شخصيا تابعت كلمة الرئيس شي، وأُثمن عاليا ما ورد في مضمون خطابه، وما قدمه من خُطط واقتراحات تعكس حنكته السياسية والدبلوماسية العالية ونظرته الحكيمة للمستقبل الأفضل للبشرية، وتعكس الأهمية الكبيرة التي توليها الصين للقارة الافريقية.
لقد استهل الرئيس شي جين بينغ خطابه بمثل شعبي، وقد عودنا على ذلك في العديد من المناسبات، وهذا يعني انتماءه للشعب، فهو ابن الشعب، وعاش وسط الشعب مُستلهما العبر والحكم من تجربة حياته الشعبية ويَعي جيدا ما يحتاجه الشعب من أجل الرخاء والنماء.
إن العلاقات التاريخية التي تربط الصين بإفريقيا تعزز الصداقة بين الشعب الصيني والشعوب الأفريقية جيلا بعد جيل، في السراء والضراء، ستدفع الجانبين إلى المُضي قُدُما نحو شراكة استراتيجية شاملة، من شأنها تحقيق التنمية المستدامة بالتغلب على الصعوبات ومواجهة التحديات الحالية في ظل التغيرات التي يشهدها العالم اليوم.
أكد الرئيس شي استعداد الصين للعمل جنباً إلى جنب مع الدول الافريقية نحو التحديث، المقرون بالعدل والانفتاح والتسامح والاحترام المتبادل والتعايش السلمي والحوار بين الحضارات والكسب المشترك للجميع، مشيراً أن بناء الحزام والطريق وتنفيذ مبادرة التنمية العالمية من خلال المشاريع المشتركة في جميع المجالات على غرار الاستثمار في الصناعة والتجارة والزراعة والبنية التحتية، الحد من الفقر، تأهيل الكفاءات، التوظيف لتحسين القدرة الشرائية لأبناء الشعب.
كما أوضح الرئيس شي جين بينغ التزام الصين بتقديم الدعم المتواصل لإفريقيا من أجل تحقيق الاستقرار والأمن والتنمية، والمساهمة في تطوير منطقة التجارة الحرة القرية الافريقية وتعميق التعاون اللوجستي والمالي لصالح التنمية العابرة للمنطقة في أفريقيا، وبناء شبكة صينية-إفريقية تشمل الخطوط البرية والبحرية مُشيرا أن الصين وأفريقيا يشكلان ثلث سكان العالم، مما يعني أنها قوة لا يُستهان بها، وأن التحديث العالمي لن يتحقق دون نجاح التحديث في كل من الصين وإفريقيا.
وفي هذا السياق طرح الرئيس شي 10 خطط عمل للشراكة الهادفة إلى دفع التحديث الصيني الأفريقي بشكل مشترك، وتعميق التعاون الصيني الأفريقي وقيادة عملية التحديث للجنوب العالمي. ستسعى الصين إلى تجسيدها خلال السنوات الثلاث المُقبلة مع إفريقيا. وتغطي هذه الخطط مجالات التعلم المتبادل بين الحضارات، نمو التجارة، التعاون في السلاسل الصناعية، الترابط والتواصل، التعاون الإنمائي، الصحة، الزراعة ومعيشة الشعب، التبادلات الثقافية والشعبية، الطاقة والطاقات النظيفة، العلوم والتكنولوجيا، التنمية الخضراء والأمن المشترك، مما يُعزز التعاون بين الصين وأفريقيا في جميع المجالات.
لقد طرح الرئيس شي في كلمته أمام القادة الأفارقة، العديد من الاقتراحات والحلول والامتيازات التي ستقدمها الصين للدول الأفريقية شملت جميع المجالات، جميعها محفزة ومشجعة، ستعود بالمنفعة للشعوب الإفريقية والشعب الصين. ومنها منح الصين لدول إفريقيا امتيازات الإعفاء الضريبي، والمنح الدراسية، ودورات التأهيل والتكوين المهني، تقديم الدعم المالي، المساعدة في التخلص من الفقر والتخلص من مخاطر الألغام، تعزيز التعاون في مجالات الزراعة والطاقة والأمن وتبادل الخبرات في مجال الحوكمة والإدارة وفي غيرها من المجالات.
إن الصين وبالرغم من أنها ثاني اقتصاد في العالم، إلا أنها لا تستعرض أبدا عضلات القوة أمام الدول الأخرى وخاصة النامية والفقيرة منها، بل تلتزم بسياسة الحياد الإيجابي والابتعاد عن التحالفات والعمل على رأب الصدع والعمل على نشر السلام إقليميا وعالميا، ولا تسعى وراء الهيمنة مثلما تقوم به الدول الغربية التي تحسب نفسها الأسد المُهيمن وسط الغابة، أو أنها الشرطي الرقيب على العالم، بل تسعى الصينُ دائما للتعامل مع الجميع بندية وتشاركية ومساواة، وتقدم الدعم والمساعدة والفرص بسخاء للتعاون المربح ضمن معادلة رابح-رابح. فالصين هي الشريك الموثوق والصديق الوفي لدول الجنوب، تمد يدها إلى أفريقيا، وتُقدم فرصاً ذهبية للدول النامية والفقيرة يجب اغتنامها لتحقيق التنمية المستدامة والطاقة النظيفة والتكنولوجيا الحديثة التي تدفع الشعوب نحو الرُقي والاستقرار والرفاهية على عكس الإمدادات العسكرية التي تقدمها بعض الدول الأخرى والتي تزرع الخراب والدمار والفقر والبؤس للشعوب.
وختاما، إن بعض الدول الكبرى على غرار الولايات المتحدة، وروسيا واليابان تسعى لربط علاقات شراكة مع إفريقيا، لكن الفرص والثقة التي تٌقدمها الصين لإفريقيا خلال هذه القمة المُعلنة على لسان قائدها الرئيس شي جين بينغ، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، لن تقدمها أي جهة أخرى من تلك الدول، لذا يجب اغتنامها من أجل نماء وازدهار القارة الافريقية وتحقيق الرفاهية لشعوبها وفق التحديث الصيني الإفريقي للمستقبل المشترك في العصر الجديد، وبناء مجتمع صيني إفريقي رغيد الحياة على نحو شامل.