بقلم/ أحمد سلام، الخبير في الشأن الصيني والمستشار الإعلامي المصري السابق ببكين
تشهد العاصمة الصينية بكين خلال الفترة من 4-6 سبتمبر الجاري، انعقاد القمة الرابعة للتعاون الصيني الإفريقي (فوكاك)، بحضور الرئيس الصيني شي جين بينج ورؤساء دول وحكومات 54 دولة أفريقية، فضلا عن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، والأمين العام للأمم المتحدة، والذى يحل ضيفاً على القمة، كما ستشارك المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة كمراقبين.
وفي ضوء ما آلت إليه العلاقات الصينية – الأفريقية في إطار منتدى التعاون الصيني – الأفريقي (فوكاك)، فإنه من المتوقع أن تسفر قمة هذا العام، والتي تقام تحت شعار "التكاتف من أجل تعزيز التحديث وبناء مجتمع مصير مشترك رفيع المستوى بين الصين وإفريقيا"، عن ضخ مزيد من الزخم والطاقة الإيجابية في العلاقات الصينية الأفريقية في الفترة القادمة.
محطات بارزة في العلاقات الصينية – الأفريقية:
وفي حقيقة الأمر، فإن الاهتمام الصينى بالقارة السمراء لم يكن حديثاً، وإنما بدأ منذ مؤتمر باندونج عام 1955، والذي مثّل فرصة سانحة للصين للتعرف على أفريقيا، وكان الرئيس الراحل ”جمال عبدالناصر“ أكثر قادة أفريقيا تجاوباً مع ”شوان لاى“ رئيس الوزراء الصيني – آنذاك - وفي الوقت نفسه وجد عبد الناصر فى مؤتمر باندونج ولقاءاته مع ”شوان لاى، نهرو، وسوكارنو“ وغيرهم، مخرجا مهما للخروج من الحصار المفروض على مصر، وفرصةً للانطلاق والانفتاح على العالم الآفروآسيوى. ومن هنا تم الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية، وأقامت مصر معها علاقات دبلوماسية، وأصبحت مصر النافذة وحلقة الاتصال بين جمهورية الصين الشعبية وقارة أفريقيا والدول العربية.
فقد كانت مصر أول دولة عربية وأفريقية تعترف بالصين الشعبية، وتُقيم علاقات دبلوماسية معها. فكان لمصر الدور الريادي في علاقات الصين بأفريقيا، من خلال إقامة العلاقات بين البلدين عام 1956، وهو التاريخ الذي تتخذه الصين للتأريخ للعلاقات بينها وبين القارة السمراء.
كما مثل عام 1978 مرحلة جديدة في العلاقات بين الصين وأفريقيا بعد تطبيق سياسة "الإصلاح والانفتاح" التي وضعها "دينغ شياو بينغ"، حيث أصبحت الدبلوماسية الصينية في أفريقيا في خدمة الاقتصاد منذ ذلك التاريخ. وقد مثل منتدى التعاون الصيني الأفريقي عهدا جديدا منذ عام 2000 وحتى الآن. ومن الجدير بالذكر أن فكرة هذا المنتدى نشأت وأطلقت عام 1999 أثناء اجتماع وزير خارجية الصين في لقاء خاص مع السفراء الأفارقة بمنزل السفير المصرى ببكين، وبعد ذلك تطورت الفكرة إلى إطار مؤسسى بعد عمل دائم بين السفراء الأفارقة وبين نائب وزير الخارجية الصينى والفريق المختص بالخارجية الصينية.. وهو ما أكده السفير الدكتور نعمان جلال سفير مصر الأسبق ببكين.
دور مصري رائد في القارة السمراء:
أما عن علاقات مصر بأفريقيا، فتمتلك مصر دوراً هاماً منذ تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، وكان لها دورًا رئيسًا في دفع مسيرة التعاون الإفريقي على مختلف الأصعدة، وشرفت مصر بتحمل مسئولية رئاسة المنظمة بمسماها القديم والحديث، (منظمة الوحدة الإفريقية – الاتحاد الإفريقي) أربع مرات خلال أعوام 1964 و1989 و1993، و2019، ما يشير إلى عزم مصر وإصرارها على استمرار دورها الريادي في إفريقيا.
ومصر سباقة دائماً فى طرح المبادرات التى تهم القارة الأفريقية، مثل المبادرة الخاصة بشطب ديون القارة الأفريقية والتى أُطلق عليها مبادرة «تحالف الديون المستدامة»، لتحويل أعباء الديون بالبلدان النامية إلى حلول مستدامة للتعافي الأخضر، والتى طرحتها مصر فى العديد من المحافل الدولية، ودعت الدول والمؤسسات المالية للانضمام لهذه المبادرة، وإنشاء إطار مشترك لتنظيم معاملات الديون المستدامة، وقد حظيت المبادرة المصرية بتأييد ودعم الكثير من الدول الأفريقية.
ودائما ما يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أهمية التعاون بين الصين وأفريقيا كمثال يحتذى به للتعاون الفعال والبناء بين الدول النامية ونموذج فاعل لأطر التعاون الأفريقي متعددة الأطراف، فضلا عن مواصلة مصر العمل على تعزيز وتفعيل الشراكة بين الصين وأفريقيا، "لأنها شراكة تتسم بالفعالية والمصداقية وتقوم المنفعة المتبادلة والمكاسب المشتركة". وكانت مصر من أوائل الدول التي دعمت مبادرة الحزام والطريق الصينية وشاركت فيها. وتعد مصر بما تضم من موقع جغرافي متميز وممر ملاحي هام مثل قناة السويس نقطة رئيسية على الحزام الاقتصادي لطريق الحرير.
وبدوره، يدعو الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تعزيز بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية وربط مبادرة الحزام والطريق الصينية بأجندة الاتحاد الأفريقي 2063 والاستراتيجيات التنموية للدول الأفريقية. وطرح في هذا الصدد 8 مبادرات لاقت الاستحسان لدفع هذه الأهداف التي ينتظر أن تعزز التنمية والسلم والأمن في القارة الأفريقية، بحسب الخبراء والمراقبين.
مظاهر الازدهار في العلاقات الصينية الأفريقية:
دائما تكون الأرقام والحقائق هي المؤشر الأساسي في حجم العلاقات بين الدول، فنجد نمو حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا، لتصبح الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا، فقد شهدت السنوات الأخيرة توسعا في حجم ونوعية التجارة بين الصين والقارة السمراء، ووفقا لمؤشر التجارة الصيني الإفريقي الذي صدر لأول مرة في عام 2023، ارتفعت قيمة واردات وصادرات الصين من وإلى إفريقيا من أقل من 100 مليار يوان (نحو 14 مليار دولار أمريكي) في عام 2000 إلى 1.88 تريليون يوان (نحو 263 مليار دولار أمريكي) في عام 2022، بزيادة تراكمية بنحو 20 مرة، أما في عام 2023 فقد بلغ حجم التجارة بين الصين وأفريقيا 282.1 مليار دولار أمريكي بزيادة سنوية قدرها 1.5%، كما زادت واردات الصين من المكسرات والخضروات والزهور والفواكه من إفريقيا بنسبة 130% و32% و14% و7% على التوالي على أساس سنوي، فيما ارتفعت الصادرات الصينية من السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والمنتجات الكهروضوئية إلى القارة السمراء بنسبة 291% و109% و57% على التوالي على أساس سنوي، مما يدعم بقوة التحول الأخضر في إفريقيا.
وإنه حتى نهاية يونيو 2024، فرضت الصين تعريفات جمركية صفرية على 98 % من المنتجات الخاضعة للتعريفات الجمركية من 27 دولة إفريقية أقل نموا، ووقعت اتفاقيات ثنائية لتعزيز وحماية الاستثمار مع 34 دولة إفريقية، ووقعت اتفاقيات لتجنب الازدواج الضريبي مع 21 دولة إفريقية.
أهمية التعاون الصيني الأفريقي للحد من الفقر في أفريقيا:
لا شك أن للصين تجربة فريدة في القضاء علي الفقر، ويعد القضاء علي الفقر هو المهمة المشتركة للبشرية جمعاء وللشعوب الأفريقية خاصة، وكان الحد من الفقر دائما عنصرا هاما في التعاون بين الصين وأفريقيا. وتم تنفيذ "مخطط الصين والاتحاد الأفريقي لتعزيز التعاون الصيني الأفريقي في مجال الحد من الفقر"، وحققت التبادلات والتعاون في مجال الحد من الفقر في إطار منتدى التعاون الصيني الأفريقي نتائج كبيرة.
وقد نفذت الصين 47 مشروعا للحد من الفقر والزراعة، في إطار "مشروع الحد من الفقر والمنفعة الزراعية"، ودربت ما يقرب من 9000 موهبة زراعية، وشجعت أكثر من 300 تكنولوجيا متقدمة وقابلة للتطبيق، مما استفاد منه أكثر من مليون مزارع صغير في أفريقيا. كما أدت التكنولوجيا الصينية إلى زيادة دخل الآلاف من السكان المحليين. وقد عزز الأرز الهجين الصيني إنتاج الأرز في العديد من البلدان الأفريقية من متوسط 2 طن للهكتار الواحد إلى 7.5 طن، وقد سمحت "القناة الخضراء" التي أنشأتها الصين لتصدير المنتجات الزراعية الأفريقية إلى الصين لعدد كبير من المنتجات الزراعية الأفريقية عالية الجودة بدخول السوق الصينية. وفي إطار مشروع "100 مؤسسة، 1000 قرية"، نفذت الشركات الصينية في أفريقيا 320 مشروعا للمسئولية الاجتماعية، استفاد منها أكثر من 10 آلاف قرية ومجتمع.
وقد ساهمت مناطق التعاون مع الاستثمارات الصينية، مثل منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر في السويس "تيدا"، في تعزيز الاستثمار الأجنبي للدول الأفريقية بشكل كبير وساعدت مبادرة "صنع في أفريقيا" على التحول إلى العالمية من خلال التجمعات الصناعية. إضافة لذلك تم بناء 17 ورشة لوبان في 15 دولة أفريقية، لتعزيز فرص العمل للسكان المحليين. وظلت الصين دائما مشجعا قويا لاستكشاف مسارات جديدة للتحديث والتنمية في أفريقيا، ومساهما هاما في فتح مسارات جديدة للحد من الفقر.
وهنا تجدر الاشارة إلى أهم أسباب ازدهار العلاقات الصينية الأفريقية ألا وهي استخدام القوة الناعمة الصينية مما أدى إلى انتشار الصورة الايجابية للصين في أفريقيا، إضافة إلى نجاح النموذج الصيني في التنمية، وكذا أهمية النفط الأفريقي للاقتصاد الصيني.
مزاعم غربية ليس لها أساس من الصحة:
لقد أصبح التعاون بين الصين وأفريقيا من أكثر الحقائق وضوحا في العلاقات الدولية الراهنة، في ظل تنامي الثقة المتبادلة بين الجانبين، والتى تؤكدها الأرقام والمشاريع الصينية في الدول الأفريقية، وهو الأمر الذي يثير مخاوف الدول الغربية بشأن صعود الصين، وهو ما تجلى في التشكيك والاتهام المتواصل من جانب الغرب بأن الصين تسعى لاستنزاف الموارد والسيطرة والهيمنة على ثروات أفريقيا، وهو ما تقوم به هذه الدول في حقيقة الأمر.
وقد برزت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات الإعلامية الغربية، ولاسيما في الإعلام الأمريكي، التي ترفض الاتهامات الغربية للصين، وتؤكد على أن ما تقوم به الصين من تعاون يصب في المصلحة المشتركة للصين ودول أفريقيا. فقد أشارت مجلة "ناشيونال إنتريست" الأمريكية في مقال لـ "دانيل روندي" في أغسطس 2024، إلى "إن انخراط الصين مع بلدان الجنوب العالمي، وخاصة من خلال مبادرات مثل مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية؛ يؤكد طموحها في تقديم نفسها كمزوِّد للسلع العامة الدولية في مجالات مثل التخفيف من حدة الفقر والأمن الغذائي والرقمنة. وقد انضمت أكثر من سبعين دولة إلى مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية، مع وجود أكثر من 100 دولة تدعم أهدافها؛ مما يساعد على إبراز دور الصين كقائدة في مجال التنمية. وأكد الكاتب أن هذا الالتزام يتناقض مع نمط الحمائية العالمية المزعوم من جانب الولايات المتحدة المتهمة بالفشل في تقديم الدعم الاقتصادي الكافي. مشيرا إلى أن الصين ليست مجرد منافس "للقوة الكبري العالمية" بل إنها أيضًا منافس "للقوة الناعمة". فالصين يمكنها الآن أن تبدأ في ملء أي فراغات تتركها الولايات المتحدة؛ وهو الأمر الذي لم يكن لديها القدرة أو القوة أو الاستعداد للقيام به قبل عقدين من الزمان".
وفي الختام، يمكن القول إن التعاون بين الصين وأفريقيا يحقق العديد من الفوائد والمكاسب المشتركة للجانبين، ومن الأهمية بمكان أن تعمل مصر، من خلال مشاركتها في قمة منتدى التعاون الصيني – الأفريقي ببكين، على الاستفادة القصوى من تعاونها مع الصين وأفريقيا، بما يؤدي إلى تعزيز محاولاتها المستمرة للنهوض وتفعيل مكانتها الاقتصادية في أفريقيا والعالم خاصة في ضوء انضمام مصر لمجموعة البريكس يناير الماضي.