الخرطوم 24 يوليو 2024 (شينخوا) لم يكن أمام فاطمة عبد الله المصابة منذ نحو ثلاثة أعوام بمرض السرطان غير الانخراط في رحلة قسرية من ولاية غرب كردفان إلى وسط السودان أولا، ثم إلى أقصى شرقي البلاد بحثا عن العلاج بعد أن قضت الحرب على المرافق الصحية في مناطق الصراع ولاسيما غربي السودان.
وكان على فاطمة (43 عاما) خوض مغامرة السفر عبر طرق برية وعرة من مدينة كيلك بولاية غرب كردفان إلى مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، وتبلغ المسافة بين المدينتين نحو 710 كيلومترات.
ورغم المخاطر الأمنية وارتفاع تكاليف الرحلة المادية، واحتمالات الموت بسبب الإجهاد، لم يكن أمام فاطمة أي خيار آخر، لأنها كانت تبحث عن الحياة في المركز الرئيسي لمعالجة الأورام بمدينة ود مدني، كما قالت لوكالة أنباء ((شينخوا)).
-- رحلة مخيفة
وتروي فاطمة تفاصيل رحلتها القاسية والشاقة من موطنها إلى وسط السودان، وقالت إنها "كانت رحلة مخيفة وشاقة وصعبة، تعرضنا لكل شيء.. الإجهاد والجوع والمخاطر الأمنية وعمليات التفتيش المتكررة من نقاط ارتكاز للجيش والدعم السريع".
وأضافت "وصلنا إلى ود مدني بعد ثلاثة أيام من تحركنا من غرب كردفان، وبسبب المرض وصلت مجهدة للغاية، ولكن لم يكن هناك خيار آخر غير البحث عن العلاج والحياة".
وتابعت "توقفت كل المرافق الصحية بولاية غرب كردفان التي كانت تشهد وقتها مواجهات متكررة بين الجيش والدعم السريع، لقد مات كثيرون بسبب عدم توفر العلاج، ولذلك لم يكن من خيار أمامي غير الهروب إلى وسط السودان بحثا عن علاج للسرطان".
وفور وصولها إلى مدينة ود مدني، باشرت فاطمة برنامجا علاجيا بمركز ود مدني للأورام تحت إشراف مركز السودان للأورام التابع لوزارة الصحة السودانية.
غير أن مدة علاج فاطمة في المركز لم تدم طويلا بسبب انتقال المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى ود مدني في ديسمبر الماضي.
وبدأت فاطمة رحلة هروب جديدة من ود مدني إلى مدينة بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر شرقي السودان، وكان عليها أيضا أن تسافر برا لمسافة تبلغ أكثر من ألف كيلومتر.
وبعد المرور بأربع ولايات سودانية هي الجزيرة وسنار والقضارف وكسلا، وصلت فاطمة إلى مدينة بورتسودان حيث تتلقى العلاج الآن بمركز للأورام تم تشييده مؤخرا شرقي السودان.
وتقول فاطمة "في سبيل الحصول على العلاج عانيت معاناة كبيرة، ولكني الآن أجد العلاج لحالتي، ربما كنت محظوظة وأعلم أن العشرات ممن يعانون مثلي لا يجدون العلاج حاليا ويموتون في بيوتهم".
وأضافت "في هذا المركز ببورتسودان أتلقي العلاج الكيماوي، ولكن ينقصني العلاج الإشعاعى".
ولكل مريض في مركز الأورام ببورتسودان قصة معاناة مختلفة، وإن كان القاسم المشترك فيها هو أن الحرب قد ضاعفت من معاناة مرضى السرطان في السودان.
وقالت ميمونة إدريس، وهي مواطنة من ولاية جنوب كردفان، وتتلقى العلاج الآن بمركز الأورام ببورتسودان، إنها عانت في الوصول إلى المدينة الساحلية في أقصى شرقي السودان.
وأضافت ميمونة لـ ((شينخوا)) "جئت إلى هنا من ولاية جنوب كردفان، وأتلقى العلاج هنا، ونعاني من ارتفاع تكاليف العلاج وغلاء أسعار السكن ببورتسودان".
واشتكت ميمونة أيضا من انعدام العلاج الإشعاعي بمركز بورتسودان للأورام، وقالت إنه "في ظل الوضع الراهن لا يمكنني السفر إلى مكان آخر بحثا عن العلاج الإشعاعي.. أناشد الدولة توفيره هنا".
-- واقع صعب
وفقد السودان بسبب الحرب 5 أجهزة للعلاج الإشعاعي كانت موجودة في ولايتي الخرطوم والجزيرة، ولم يتبق إلا جهاز واحد في مستشفي مروي شمالي السودان.
ويحتاج السودان، كدولة نامية إلى 42 جهاز علاج إشعاعي، وفقا لمنظمة الصحة العالمية وتوصيات صدرت مؤخرا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال مدير المراكز القومية لعلاج الأورام في السودان دفع الله عمر أبو إدريس "للأسف هذا هو الواقع، لا يتوفر علاج إشعاعي الآن في السودان، فقدنا كل آلات العلاج الإشعاعي في مدني والخرطوم، لدينا آلة واحدة بمستشفي مروي، وهذه الآلة توفر نحو 5 بالمائة فقط من حاجتنا للعلاج الإشعاعي".
وأضاف أبو إدريس لـ ((شينخوا)) أن "مرضى السرطان في السودان يواجهون الآن وضعا صعبا للغاية، كل مراكز العلاج كانت موجودة في العاصمة الخرطوم ومدينة ود مدني، والآن لدينا مراكز بالولايات ولكنها غير مصممة لاستقبال كل مرضى السرطان في السودان".
واشتكي أبو إدريس من عدم توفر أدوية السرطان، وقال إن "المعضلة الحقيقية تتمثل في قلة أدوية العلاج الكيماوي بسبب أن ميزانية السودان تأثرت بالحرب، وتراكمت مديونية السودان للشركات التي توقفت الآن عن استيراد الأدوية".
وأضاف "لدينا الآن نقص بنحو 40 بالمائة من حاجتنا الحقيقية لأدوية العلاج الكيماوي لمرضي السرطان في السودان، ونخشى أن تتزايد الفجوة، ولذلك نناشد دول العالم والمنظمات توفير عقاقير العلاج الكيماوي".
ومنذ انهيار القطاع الصحي في العاصمة السودانية جراء الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023، أصبحت مدينة ود مدني (نحو 190 كيلومترا إلى الجنوب من الخرطوم) الوجهة الوحيدة لمرضى السرطان بعد تأسيس مركز مؤهل للأورام هناك.
ولكن تمدد القتال إلى ولاية الجزيرة في ديسمبر الماضي، واستيلاء قوات الدعم السريع علي عاصمة الولاية، أجبر آلاف المرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في ود مدني على الهروب إلى مراكز أخرى في بعض ولايات السودان.
ولكن تلك المراكز لا توفر العلاج اللازم للسرطان، وقال أبو إدريس إن "مراكز الولايات تقوم بعمل أكبر من حجمها، حيث أنها مصممة لخدمة الولاية فقط، ولا تستطيع استقبال الكم الهائل من مرضى السرطان في كل عموم السودان".
-- آلاف المرضى يواجهون الخطر
ولا توجد إحصائية حديثة لأعداد مرضى السرطان في السودان، وكانت آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة صدرت في أغسطس 2022 أشارت إلى وجود 20 ألف حالة إصابة نشطة بالمرض، ثمانية بالمائة منها لأطفال.
وحذر مقال نشره أطباء سودانيون بمجلة ((إيكانسر)) البريطانية في أكتوبر الماضي من أن "محدودية الوصول إلى خدمات علاج الأورام خلال الحرب الحالية يعرض حياة أكثر من 40 ألف مريض سوداني بالسرطان للخطر".
وفي أواخر مايو الماضي، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن "نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار خصوصا في المناطق التي يصعب الوصول إليها".
وأضافت في بيان "تُدمر المرافق الصحية وتتعرض للنهب وتعاني من نقص حاد في الموظفين والأدوية واللقاحات والمعدات والإمدادات".
وأوضحت أن ما يقارب من 15 مليون سوداني بحاجة إلى رعاية صحية عاجلة ومنقذة للحياة.
ووفقا لوزارة الصحة السودانية فإن الحرب المستمرة في السودان ألحقت أضرارا كبيرة بالقطاع الصحي بالبلاد، ويقدر حجم التخريب والخسائر بالمستشفيات والمراكز الصحية بنحو 11 مليار دولار.
وتعاني 9 من ولايات السودان البالغة 18 ولاية، من صعوبات كبيرة في تلقي الخدمات الصحية نتيجة للتوترات الأمنية وانعدام الأمن في تلك الولايات.
كما يعاني السودان من ندرة الأدوية وارتفاع أسعارها، ووفقا لتقارير سابقة فإن الحرب أجبرت أكثر من 2800 صيدلية مسجلة بالعاصمة الخرطوم على إغلاق أبوابها، وتعمل فقط أقل من 50 صيدلية في ظل ظروف أمنية معقدة.
كما توقفت 41 من شركات الأدوية وأكثر من 90 بالمائة من مصانع الأدوية (وكلها في الخرطوم) عن العمل تماما منذ اندلاع الحرب.
ويشهد السودان منذ منتصف أبريل 2023 حربا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خلّفت نحو 13 ألفا و100 قتيل، حسب الأمم المتحدة، وتسببت نزوح نحو 7.3 مليون شخص في السودان ولجوء نحو مليوني شخص إلى دول الجوار.