بكين 24 يوليو 2024 (شينخوا) حققت الدبلوماسية الصينية يوم الثلاثاء اختراقا جديدا على مسار تعزيز السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، مع توصل 14 فصيلا فلسطينيا، بما في ذلك حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إلى إعلان تاريخي للمصالحة الوطنية في بكين، وفقا لما ذكره خبراء صينيون وعرب.
وبدعوة من الجانب الصيني، أجرى ممثلون رفيعو المستوى من 14 فصيلا فلسطينيا حوار مصالحة في بكين من الأحد إلى الثلاثاء، انتهى بتوقيع ((إعلان بكين)) لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية.
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي يوم الثلاثاء إنه للمساعدة في الخروج من الصراع والمأزق الحاليين، تقترح الصين مبادرة من ثلاث خطوات: الخطوة الأولى هي تحقيق وقف شامل ودائم ومستدام لإطلاق النار في قطاع غزة في أقرب وقت ممكن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية وإمدادات الإغاثة. الخطوة الثانية هي بذل جهود مشتركة نحو حكم غزة بعد الصراع بموجب مبدأ "الفلسطينيين يحكمون فلسطين". أما الخطوة الثالثة هي دعم فلسطين لتصبح عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة والبدء في تنفيذ حل الدولتين.
وثمن خبراء من الصين والدول العربية ((إعلان بكين)) باعتباره "خطوة مهمة وتاريخية" باتجاه إنهاء الإنقسام الفلسطيني الداخلي ومساعدة الشعب الفلسطيني في تحقيق هدفه المتمثل في إقامة دولته باتجاه إنهاء الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي، وجلب السلام إلى منطقة الشرق الأوسط، مشددين على ضرورة تنفيذ محتوياته.
ورأى ما شياو لين، البروفيسور بجامعة تشجيانغ الصينية للدراسات الدولية ومدير معهد دراسات حوض البحر المتوسط، أن الإعلان يمثل إنجازا مهما للدبلوماسية الصينية، من عدة زوايا: أولا، هذه هي المرة الأولى في تاريخ الشرق الأوسط الذي تجري فيها 14 فصيلا فلسطينيا محادثات مصالحة في بكين. ثانيا، يعد إنجازا مهما وتاريخيا وبارزا لبدلوماسية الصين، وخاصة في الشرق الأوسط، بعد الوساطة الناجحة للمصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران في مارس من العام الماضي. ثالثا، يؤدي تعزيز المصالحة الفلسطينية الداخلية إلى تهيئة الظروف لوقف إطلاق النار في غزة في أقرب وقت ممكن، وإرساء أساس جيد لتحقيق حكم طويل الأجل في غزة بعد انتهاء الصراع في غزة وانسحاب القوات الإسرائيلية..
وأضاف ما شياو لين أن الإعلان أظهر رغبة الفصائل الفلسطينية في إيجاد فرصة لحل مشاكلها الداخلية، مؤكدا أن الأمر الأهم هو تحديد منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
وأردف "إذا نجح في إزالة الخلافات داخل فلسطين وتحقيق الوحدة القانونية والسياسية والاجتماعية تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فسيكون ذلك ذا أهمية إستراتيجية طويلة الأجل لتعزيز القوى الفلسطينية، وتعزيز وضع فلسطين، وزيادة أوراق المساومة الفلسطينية".
غير أنه نبه إلى ضرورة إدراك مدى تعقيد القضية الفلسطينية في ضوء المشاكل الداخلية والتدخل الخارجي والظروف الأيديولوجية والسياسية والدينية والقومية وألعاب القوة المختلفة.
ومن جانبه، اعتبر أبوبكر الديب مستشار المركز العربي للدراسات والباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في مصر، ((إعلان بكين)) نجاحا ساحقا للدبلوماسية الصينية وفعاليتها ورغبة الصين في التقارب مع منطقة الشرق الأوسط ودعم القضايا العربية وعلي رأسها القضية الفلسطينية.
وقال إن الصين أصبحت دولة تصنع السلام في الشرق الأوسط، فبعد وساطتها بين السعودية وإيران، تسعى الآن إلى رأب الصدع بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين، والتقريب بينهما لصالح الشعب الفلسطيني، في ظل تزايد الحديث عن مستقبل غزة ما بعد الحرب.
وذكر أبوبكر الديب أن الإعلان يمثل خطوة مهمة لتعزيز الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بانضمام كل القوى والفصائل الفلسطينية فيها وفي مؤسساتها، ووحدة الموقف الفلسطيني بشأن ما يحدث في قطاع غزة والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وتنسيق الجهود الوطنية المشتركة في إدخال المساعدات والإغاثة العاجلة إلى قطاع غزة.
وأكد أن الدبلوماسية الصينية تتقدم في الاتجاه الصحيح بشجاعة وعزيمة، ما يعد انتصارا للحوار والسلام، وحل الخلافات عبر الحوار والتشاور.
وبدوره، اعتقد عبد العزيز الشعباني، الباحث السعودي في مركز الرياض للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن إنهاء الانقسام يمكن أن يسهم في تحسين الظروف الداخلية للفلسطينيين من خلال تقديم خدمات أفضل وتحقيق استقرار سياسي واقتصادي في المناطق الفلسطينية.
وقال إن الاتجاهات المستقبلية للمصالحة الداخلية الفلسطينية بعد إصدار ((إعلان بكين)) تعتمد على الالتزام الجاد من قبل الفصائل الفلسطينية، والدعم الدولي المستمر، وتحقيق تحسن ملموس في الظروف الاقتصادية والأمنية.
واستدرك "إذا تم تحقيق هذه العوامل، فإن المصالحة يمكن أن تؤدي إلى تحسين الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المناطق الفلسطينية، مما يعزز من فرص تحقيق سلام مستدام في المنطقة".
في الوقت نفسه، ثمن الشعباني الدور الصيني واصفا اياها بـ"المحوري" في تسهيل الاتفاق من خلال الوساطة والدعم السياسي والدبلوماسي، "ما يعكس اهتمام الصين بتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط ومساهمتها الفعالة في حل النزاعات الدولية".
وأضاف أنه يمكن تقييم جهود الصين في تعزيز السلام في الشرق الأوسط بأنها إيجابية وفعالة في العديد من الجوانب، إذ أن الصين تلعب دورا متزايد الأهمية كوسيط دبلوماسي واقتصادي، وتسهم في الاستقرار الإقليمي من خلال الاستثمار في التنمية ودعم القضايا العادلة في المحافل الدولية.
وقال الدكتور عبد المهدي مطاوع، مدير منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي ومقره القاهرة، إن أهم خطوة في هذا الوقت هو توحيد الفلسطينيين وسط تعقيدات المشهد الفلسطيني وتعقيدات العلاقات بين الفصائل نفسها والتزاماتها.
وقال إن ((إعلان بكين)) خطوة في هذا الاتجاه لأنه يؤسس لأهمية أن يكون هناك اتجاه لإنهاء الانقسام الفلسطيني. وحذر قائلا "الآن القضية الفلسطينية في مفترق طرق، أما أن تستطيع أن تحصد نتاج التضحيات التي قدمت أو أن تخسر بشكل تام".
وأوضح مطاوع أن الخطوات القادمة لإتمام المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بعد مفاوضات بكين، لن تتم إلا بعد انتهاء الحرب في غزة، وتتضمن ترتيب إدارة قطاع غزة.
وثمن مطاوع دور الصين الإيجابي لرأب الصدع في الشرق الأوسط سواء في القضية الفلسطينية أو القضايا العربية بشكل عام.
وقال إن "الصين لديها نهج إيجابي ومختلف عن باقي الدول تستخدم فيه الإيجابية من أجل جمع الأطراف المتصارعة، ودورها في الشرق الأوسط يتزايد لأن حجمها وقدرتها ووزنها الدولي أصبح أكبر".
ومن جهته، أكد نيو شين تشون، العميد التنفيذي للمعهد الصيني للدراسات العربية في جامعة نينغشيا، أن الإجماع على أهمية محادثات بكين يأتي من جانبين: إنها تحمل أهمية كبيرة لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الحالي، كما هو شرط أساسي لتنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية في المستقبل.
جاءت مشاركة الفصائل الـ14 في حوار بكين وإبرام ((إعلان بكين)) بسبب الضغط الهائل على جميع الفصائل داخل فلسطين بسبب الصراع المستمر منذ 9 أشهر في غزة، والرغبة المتزايد في دفع زخم الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة على الساحة الدولية، وفق الأكاديمي الصيني.
وفي الوقت ذاته، قال إن "الخطوة التالية تتوقف على تنفيذ محتويات ((إعلان بكين))"، مشيرا إلى أن إسرائيل لا تعارض حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية فحسب، بل تعارض أيضا أي نظام فلسطيني مستقبلي تشارك فيه حماس في حكم غزة.
وقال إن الصين يمكن أن تواصل القيام بدورها البناء انطلاقا من 3 مزايا: أولا، باعتبارها دولة ذات تأثير عالمي يمكنها أن تضع القضية الفلسطينية في مركز الصدارة في السياسة الدولية وتجذب انتباه العالم بأسره ما يفيد فلسطين. ثانيا، الصين تدعم القضية الفلسطينية بقوة منذ سنوات عديدة وحافظت على موقف عادل وموضوعي بين جميع الفصائل الفلسطينية، وهو موقف يسهل كسب ثقة جميع الفصائل. ثالثا، في السنوات الأخيرة، أظهرت الصين بوضوح استعدادها لبذل جهود أكبر للتوسط في النزاعات الدولية. وبصفتها وسيطا ناشئا في المجتمع الدولي، فإن الصين لديها أيضا توقعات كبيرة من المجتمع الدولي.