الخرطوم 5 يوليو 2024 (شينخوا) يشهد السودان هذا العام موجة حر غير مسبوقة تزيد من معاناة السودانيين وسط الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023.
وأدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تأثيرات سالبة، وزادت من معاناة السكان، وقللت من الإنتاج الزراعي ولاسيما المحاصيل الصيفية.
وخلال سنوات مضت كانت إنتاجية فدان واحد من الذرة الشامية بشمال السودان تبلغ نحو 15 جوالا زنة 100 كيلو، ولكن هذا العام تراجعت إنتاجية الفدان إلى نحو 6 جوالات فقط.
ويرجع المزارع عبد الرحيم محمد، وهو مزارع بمنطقة (سلنارتي) بشمالي السودان تراجع الإنتاج الي موجة حر شديدة أضرت بالمحصول وأدّت إلى تناقص معدل الإنتاج.
والذرة الشامية، والتي يسميها السودانيون (المكادة) محصول رئيسي، وهو من المحاصيل الصيفية، ويستخدم بصورة واسعة في صناعة الخبز، ويعتبر غذاء رئيسيا في شمال السودان.
وقال محمد في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم (الجمعة) إن هذا العام حدثت موجة حر غير مسبوقة، بلغت درجات الحرارة أكثر من 50 درجة.
وأضاف أن موجة الحر تزامنت مع مرحلة تكوين الحبوب ونضجها، وكان لذلك أثر بالغ علي إنتاجية الذرة الشامية، وإصابة المحصول بأمراض عدة.
وأوضح أن العام الماضي قام بزراعة كل المزرعة ومساحتها 4 فدادين بمحصول الذرة الشامية، وبلغ إنتاجها نحو 61 جوالا، كان إنتاجا وفيرا وموسما زراعيا ناجحا بكل المقاييس.
ولكن ذات المزرعة أنتجت هذا العام نحو 25 جوالا من الذرة، أي بمعدل نحو 6 جوالات للفدان الواحد.
وذكر محمد " لم يسبق أن تراجع الإنتاج هكذا، من المؤكد أنه بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وليس هناك سبب آخر، لم يتغير شئ، هي ذات الطريقة المستخدمة، وذات البذور وذات طريقة الزراعة، وذات الأسمدة والمبيدات".
ومع واقع تناقص الغذاء بالسودان بسبب الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023، فأن تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية يعمق مما تحذر منه منظمات دولية من إمكانية حدوث فجوة غذائية ربما تصل لمرحلة المجاعة.
ووفقا لخبير مختص في المناخ والبيئة، فأن التغيرات المناخية تؤثر بشكل كبير علي الإنتاج الزراعي بالسودان مما أدي إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية وتقلص المساهمة في الناتج المحلي الاجمالي.
وقال الخبير البيئي السوداني الدكتور نور الدائم ميرغني "من العوامل الرئيسية لإنخفاض إنتاجية القطاع الزراعي ارتفاع درجات الحرارة، وشح الأمطار، وموجات الجفاف المتكررة وفقدان التربة لخصوبتها وتراجع كفاءة البنية التحتية للري".
وأضاف ميرغني لـ((شينخوا)) "هذا العام حدث ارتفاعا غير مسبوق في درجة الحرارة في البلاد بمعدّل يعادل ضعف المتوسّط العالمي، وكان ذلك سببا في موجات حرّ شديدة أثرت علي كافة مناحي الحياة".
وتابع "أدت موجات الحر إلى تأثيرات سالبة عدة، وحدوث وفيات في بعض مناطق السودان، كما أثر علي قطاعات إنتاجية عدة ولاسيما القطاع الزراعي".
وحذرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية (حكومية) سكان شمال السودان من موجة حر، وإمكانية تسجيل أعلي درجة حرارة بمدينتي دنقلا عاصمة الولاية الشمالية، وعطبرة كبري مدن ولاية نهر النيل.
وتوقعت الهيئة في بيان اليوم (الجمعة) أن تسجل مدينتي دنقلا و عطبرة أعلي درجة حرارة تصل إلى 46 درجة مئوية.
وقال رئيس وحدة الإنذار المبكر بالهيئة العامة للأرصاد الجوية الدكتور أبو القاسم إبراهيم إن السودان تأثر هذا العام بارتفاع درجات الحرارة، وموجات حر مبكرة إبتداء من مارس الماضي في المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية من البلاد ووصل الأثر حتي الولايات الشمالية والوسطي وساحل البحر الأحمر.
وأضاف إبراهيم لـ((شينخوا)) أن ارتفاع درجات الحرارة ناتجة عن تعمق كبير لمنخفض السوداني الحراري الذي عادة ما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة، ويسبب تغيرات غير معتادة في الأنماط الجوية.
وحذر من إمكانية تعرض السودان هذا العام لطقس متطرف يتمثل في ارتفاع درجات الحرارة، وحدوث أمطار غزيرة ورياح عالية، وقال "يجب التحسب لذلك من قبل الأفراد والمجموعات وصناع القرار".
ويضاعف الصراع المسلح بالسودان من التأثيرات المناخية والبيئية، ويزيد من عوامل استنزاف موارد الدولة الطبيعية.
وقال الناشط البيئي ورئيس جمعية تعزيز الصحة السودانية الدكتور مصعب برير إن الصراع الحالي يساهم في تدهور النظم البيئية في البلاد ويستنزف مواردها الطبيعية ويحد من قدرة الدولة على معالجة الفقر وعدم المساواة.
وأضاف برير لـ((شينخوا)) "لقد تسبّبت الحرب في أزمة إنسانية حادّة تؤدّي إلى تداعيات بيئية غير مسبوقة، وبالإضافة إلى طيف تغيّر المناخ الذي يلوح في الأفق، لقد عرّض تزعزع أطر إدارة الموارد والحوكمة بشكل عام السودان لخطر مواجهة كارثة بيئية".
وتابع "لن يستطيع المتابع للشأن البيئي التيقن من دقة المؤشرات الكلية للتغير المناخى فى ظل الهشاشة الأمنية والبيئية التى خلفتها الحرب الحالية، وبالتالى يظل الارتفاع الكارثى لدرجات الحرارة هذا العام أحد المؤشرات الخطيرة التى يجب الوقوف عندها".
ولمواجهة التأثيرات السالبة لارتفاع درجات الحرارة، وجّهت وزارة التربية والتعليم بالولاية الشمالية (شمال السودان) المدارس بإنهاء اليوم الدراسي بجميع المراحل الدراسية في الولاية عند الساعة الثانية عشرة ظهرا وبداية اليوم الدراسي مبكرا.
كما أغلقت السلطات الحكومية بمدينة بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر بشرقي السودان المدارس الحكومية والخاصة بسبب ارتفاع درجات الحرارة بعد أن كانت قد فتحتها في منتصف أبريل الماضي.
وتضج مواقع التواصل الإجتماعي بالسودان بشكاوى المواطنين من ارتفاع درجات الحرارة ولاسيما في شمال السودان وساحل البحر الأحمر.
وتتزامن موجة الحر مع قطع متكرر للتيار الكهربائي الذي يصل لأكثر من 12 ساعة يوميا في بعض المناطق، وذلك ضمن ما يعرف بـ"برمجة القطوعات" التي تنفذها شركة الكهرباء السودانية بسبب خروج عدد من المحطات الحرارية جراء الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023.
ومنذ منتصف أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت نحو 13 ألفا و 100 قتيل، حسب الأمم المتحدة.
ووفقا للأمم المتحدة، فقد بلغ العدد الإجمالي للنازحين في السودان منذ اندلاع القتال منتصف أبريل 2023 إلى نحو نحو 7.3 مليون شخص.
كما أدت الحرب إلى لجوء نحو مليوني شخص إلى دول الجوار، وخاصة مصر واثيوبيا وتشاد واريتريا وجنوب السودان، وفقا لتقارير سابقة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لـ(أوتشا).