بكين/أستانا أول يوليو 2024 (شينخوا) يزين نسر محلق "وسام النسر الذهبي"، وهو أعلى وسام في كازاخستان.
عندما تلقى الرئيس الصيني شي جين بينغ هذا الوسام من الرئيس قاسم جومارت توكاييف في عام 2022، تصور شي مستقبلا تحلق فيه العلاقات بين الصين وكازاخستان عاليا كنسر ذهبي نحو أفق مشرق.
وعلق توكاييف في أثناء منح الوسام قائلا "قائد عظيم حقيقي"، مسلطا الضوء على دور شي التاريخي في تعزيز الصداقة بين البلدين.
وبينما يستعد شي لإجراء زيارة دولة مقبلة إلى كازاخستان، فهو على استعداد للبناء على هذا الإرث من الصداقة الثنائية ودفع العلاقات بين الصين وكازاخستان للتحليق نحو مستويات أعلى.
-- علاقات متفردة
خلال زيارته الدولة إلى كازاخستان في سبتمبر 2013، اقترح شي لأول مرة بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وهو جزء رئيسي من مبادرة الحزام والطريق.
وكانت أول رحلة لـ شي منذ استئناف السفر الدولي بعد جائحة كوفيد-19 إلى كازاخستان أيضا. وقال شي لـ توكاييف "اخترت كازاخستان. وهذا يسلط الضوء على المستوى العالي والطبيعة المتفردة للعلاقات بين الصين وكازاخستان ويجسد صداقتنا العميقة".
"متفردة"، هكذا وصف شي العلاقات الثنائية. وبعد عقود من إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وكازاخستان في 1992، تطورت علاقتهما إلى شراكة استراتيجية شاملة دائمة في 2019 خلال زيارة الدولة التي أجراها توكاييف إلى الصين. التزم الزعيمان ببناء مجتمع مصير مشترك بين الصين وكازاخستان في المحادثات التي عقدت بينهما وجها لوجه في 2022 و2023.
وقال يانغ بو، الأستاذ في كلية الدراسات الروسية والأوراسية بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، إن "مستوى الثقة الاستراتيجية المتبادلة والتفاهم المتبادل بين الصين وكازاخستان في ذروته".
وقال "لهذا السبب على وجه التحديد، اختار الرئيس شي كازاخستان في 2013 كموقع للإعلان عن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير للعالم، وقد أثبتت الحقائق أن هذا الاختيار كان صحيحا للغاية".
ويتسم التعاون الثنائي في إطار مبادرة الحزام والطريق بالفعالية البالغة. ومن خلال التعاون الصناعي، تمكنت كازاخستان من تأمين قاعدة لوجستية في مدينة ليانيونقانغ الساحلية على البحر الأصفر في الصين. يربط الطريق السريع بين أوروبا الغربية وغرب الصين أسواق آسيا-الباسيفيك وأسواق أوروبا الغربية بنجاح، حيث يمتد لمسافة 8445 كيلومترا من ليانيونقانغ عبر كازاخستان إلى بحر البلطيق في سان بطرسبرغ في روسيا.
وسجلت التجارة بين الصين وكازاخستان رقما قياسيا بلغ 41 مليار دولار أمريكي في عام 2023. وقد أنتج التعاون في مجال القدرات والاستثمار قائمة مشروعات بقيمة إجمالية تتجاوز 21.2 مليار دولار وتستمر في التوسع في القطاع منخفض الكربون مع تحقيق نتائج رئيسية تشمل مزرعة رياح جاناتاس ومحطة تورغوسون للطاقة الكهرومائية ومحطة ألماتي للطاقة الشمسية.
وقال يانغ إن "العديد من جوانب التعاون تعد رائدة بفضل المستوى العالي من الثقة الاستراتيجية بين الجانبين بقيادة 'دبلوماسية رئيس الدولة' ".
-- "عيد ميلاد سعيد"
وفي السنوات الأخيرة، تحركت العلاقات بين الصين وكازاخستان نحو الأمام، مدفوعة بشكل رئيسي بقيادة البلدين، وفقا للسفير الصيني لدى كازاخستان تشانغ شياو.
وتوكاييف عالم صينيات يتحدث اللغة الصينية بطلاقة ويفهم الصين جيدا. بدأ دراسة اللغة الصينية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، وهو المعهد الذي أوضح شي، بعد أعوام، خلال كلمة ألقاها فيه في عام 2013 رؤيته المميزة المتمثلة في "بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية".
درس توكاييف اللغة الصينية في جامعة بكين للغات والثقافة في الفترة من 1983 إلى 1984، حيث حصل على درجات عليا. وبعد ذلك عمل دبلوماسيا في سفارة الاتحاد السوفيتي في بكين.
وقد استحضر توكاييف ذكرياته عندما كان يعيش بالقرب من منطقة ووداوكو في بكين، وهي موقع مجموعة من أفضل الجامعات في البلاد، ويركب الدراجات عبر الأزقة لمشاهدة معالم التنمية في الصين بشكل مباشر. وتقع جامعة تسينغهوا، حيث درس شي من 1975 حتى 1979، في ووداوكو.
وفي سياق حديثه عن شي، قال توكاييف "نتقاسم ثقة عميقة. فهو حكيم للغاية ومثقف وودود".
وقال "أعرب عن إيماني بأننا سنواصل الحفاظ على هذه العلاقة الشخصية لضمان نجاح أكبر في التعاون الشامل بين كازاخستان والصين".
كانت هناك لحظة دافئة من التفاعل بين الزعيمين عندما احتفل توكاييف بعيد ميلاده السبعين في مقاطعة شنشي، مسقط رأس شي، في مايو 2023. وفي عيد ميلاده، وصل توكاييف إلى مدينة شيآن على طريق الحرير القديم، وهي أيضا حاضرة مقاطعة شنشي، في زيارة دولة إلى الصين وحضور قمة الصين-آسيا الوسطى الافتتاحية.
ولدى لقائه توكاييف، أعرب شي عن سعادته باستضافته في شيآن وقدم له الأمنيات الطيبة بمناسبة عيد ميلاده. وقال له شي "في هذه المناسبة الخاصة، تتحدث زيارتك كثيرا عن قوة علاقاتنا الثنائية وتؤكد من جديد روابطك الفريدة مع الصين".
وفي وقت لاحق من شهر أكتوبر من ذلك العام، تمت دعوة توكاييف لحضور الدورة الثالثة لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في بكين، بمناسبة الذكرى العاشرة للمبادرة. وقد افتتح توكاييف كلمته باللغة الصينية في هذا الحدث.
وفي مناقشات لاحقة مع شي، أكد توكاييف أن كازاخستان هي مهد مبادرة الحزام والطريق. وأشار إلى دعم كازاخستان الثابت للمبادرة ومشاركتها النشطة فيها منذ إطلاقها. وقال للرئيس شي "الصين صديقة وشريكة ستثق بها كازاخستان دوما".
-- الشباب والمستقبل
ويرى شي أن الشباب هم "الدعامة الأساسية" للصداقة بين الصين وكازاخستان. "إن المصالح والمثل المشتركة التي يحملها الشباب في الحياة تجمع بينهم دائما في صداقة حقيقية".
وخلال زيارة الدولة الافتتاحية التي أجراها إلى كازاخستان في 2013، انخرط شي بشكل مباشر مع طلاب من جامعة نزارباييف. "عندما رأيت الكثير من الوجوه الشابة المتحمسة بين الجمهور، لم يسعني سوى تذكر أيام دراستي الجامعية".
وسرد الرئيس الصيني قصة الشاب الكازاخستاني رسلان تولينوف، الذي كان آنذاك طالبا في جامعة هاينان الصينية وكانت فصيلة دمه نادرة من نوع آر إتش-سلبي ويشار إليها باسم "دم الباندا" في الصين.
أصر رسلان على التبرع بالدم طوعا لمساعدة المرضى الصينيين. وكان لبادرته المنقذة للحياة تأثير بالغ على الكثيرين، من بينهم شي، الذي وصفه بأنه "مبعوث الصداقة بين الصين وكازاخستان".
وتحدث رسلان عما لاقاه من تقدير غير متوقع، "لم أتوقع أبدا أن يتحدث (الرئيس) عن طالب دولي عادي. لقد كانت لحظة من الدفء العميق. إنه حقا شخص معني برعاية الآخرين".
ومنذ تخرجه، تولى رسلان منصب مسؤول الصحافة العالمية في مكتب هاينان للتنمية الاقتصادية الدولية، حيث عمل بنشاط على الترويج لميناء هاينان للتجارة الحرة على مستوى العالم. وفي 2022، التقى شي شخصيا في هاينان. وفي سياق إشارته إلى رسلان باعتباره "خبيرا في شؤون الصين"، قال شي "نرحب بانضمام المزيد من المواهب الدولية إلينا".
شاب كازاخستاني آخر ترك انطباعا لدى شي وهو إسماعيل دوروف. يعمل الآن طبيبا في المركز الصيني-الكازاخستاني للطب التقليدي في أستانا. ولم يتخيل إسماعيل قط أن تصريحاته العفوية ستربطه بالرئيس الصيني.
قال إسماعيل ذات مرة خلال جائحة كوفيد-19 "أنا أجنبي، لكن لست غريبا". في ذلك الوقت، في أثناء متابعته دراساته العليا في جامعة شنشي للطب الصيني، تطوع لمساعدة مجتمع محلي في شيآن.
واقتبس شي في وقت لاحق كلمات إسماعيل خلال كلمة ألقاها في قمة افتراضية بمناسبة الذكرى الـ30 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ودول آسيا الوسطى الخمس. وقال إن كلمات الشاب الكازاخستاني "لامست قلوب الكثيرين في الصين".
كانت إشادة شي بمثابة مفاجأة لـ إسماعيل. ويأمل الشاب الكازاخستاني في شفاء المزيد من مواطني كازاخستان بالطب الصيني التقليدي، قائلا "أتمنى تكريس حياتي لشفاء الناس".
وقال سيريك كورزومباييف، رئيس تحرير صحيفة ((ديلوفوي كازاخستان))، إن "الشباب في طليعة الجهات التي تعمل على تعزيز صداقات الشعوب. سيلعبون بلا شك دورا محوريا في تعزيز الصداقة الدائمة بين الصين وكازاخستان ودفع العلاقات الثنائية نحو مستقبل متألق كالنسور المحلقة.