بودابست 10 مايو 2024 (شينخوا) اختتم الرئيس الصيني شي جين بينغ اليوم (الجمعة) أول زيارة له إلى أوروبا منذ ما يقرب من خمسة أعوام، بالتأكيد للقادة الأوروبيين أن الصين تظل شريكا ملتزما وأنها مستعدة لتعزيز التعاون متبادل المنفعة بين الجانبين.
وعلى مدار ستة أيام، زار شي جين بينغ فرنسا وصربيا والمجر، حيث أكد باستمرار أهمية العلاقة بين الصين وأوروبا في تعزيز السلام والرخاء العالميين.
وترمز الرسالة، الموجهة وسط تصاعد الحمائية والتوترات الجيوسياسية المتزايدة، إلى أحدث مساعي الصين لتعزيز الاستقرار والتعاون على الساحة العالمية.
وفي اجتماع ثلاثي يوم الاثنين في باريس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قال شي إن التعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي تكاملي ومتبادل المنفعة في جوهره، وإن الصين تنظر دائما إلى علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي من منظور استراتيجي وبعيد المدى.
وقال شي إن هذه العلاقة لا تستهدف أي طرف ثالث، ولا ينبغي أن تعتمد على أي طرف ثالث أو يحددها هذا الطرف.
وشدد ماكرون، وهو من أبرز المؤيدين للاستقلالية الاستراتيجية لأوروبا، على أن فرنسا والاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تعزيز التعاون مع الصين، لأن ذلك يؤثر على مستقبل أوروبا.
وأضاف ماكرون أن فرنسا تأمل في تعزيز الحوار والتعاون مع الصين، وتعزيز الثقة المتبادلة والصداقة بين فرنسا والصين وأيضا بين الاتحاد الأوروبي والصين.
وقال إريك ألوزيه، رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية-الصينية بالجمعية الوطنية الفرنسية، إن فرنسا تؤيد منذ فترة طويلة الاستقلالية الاستراتيجية لأوروبا.
وقال ألوزيه "هذا يعني عدم التراجع بعد المواجهة بين الشرق والغرب... لذا فإن هذه التعددية القطبية، هذا العالم متعدد الأقطاب ومتعدد الأطراف، هو ما تريده الصين وفرنسا بشكل مشترك".
وأثناء محادثات شي مع ماكرون في وقت لاحق ذلك اليوم، حث شي الجانبين على التمسك بالاستقلالية والحيلولة بشكل مشترك دون نشوب حرب باردة جديدة أو مواجهة بين الكتل.
وفي مناسبات عديدة خلال إقامته في فرنسا، أشار شي إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا قبل 60 عاما، وهو حدث بارز في العلاقات بين الصين والغرب.
هذا الحدث التاريخي المهم، الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام الغربية آنذاك اسم "الانفجار النووي الدبلوماسي"، أثار النقاشات العامة في الغرب وكان له تأثير هائل على المشهد الدولي. كان هذا الحدث قبل ثمانية أعوام من الرحلة التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق، ريتشارد نيكسون، إلى الصين عام 1972.
وفي ذلك الوقت، أشارت التقارير إلى أن الزعيم الفرنسي آنذاك، الجنرال شارل ديغول، أشار إلى أن فرنسا بحاجة إلى الاستماع إلى صوت الصين بشكل مباشر وأن الصين بحاجة إلى الاستماع إلى صوت فرنسا بشكل مباشر، وأن تلك الحكومات التي لا تزال تتخذ موقف الانتظار والترقب ستتبع خطوة فرنسا عاجلا أم آجلا.
وفي مقال موقع نُشر يوم الأحد في صحيفة ((لو فيجارو)) الفرنسية، قال شي إن "التاريخ هو أفضل معلم لنا" لأن العالم الآن "أبعد ما يكون عن الهدوء، ويواجه مرة أخرى العديد من المخاطر".
وكتب شي أن "الصين مستعدة للعمل مع فرنسا بالروح التي أرشدت إقامة علاقاتنا الدبلوماسية، من أجل صياغة شراكة استراتيجية شاملة أقوى بين بلدينا وتقديم مساهمات جديدة في تعاون أقوى في المجتمع العالمي".
وقال رئيس الوزراء الفرنسي السابق لوران فابيوس "هناك الكثير من الأزمات التي يجب على الدول الكبرى مثل الصين وفرنسا أن تعمل معا بشأنها، ويجب أن يتم العمل بروح التعددية".
وأضاف أنه نظرا لجسامة التحديات العالمية الكبرى مثل إنهاء الصراعات وتعزيز التنمية الاقتصادية ومعالجة تغير المناخ والأزمات الصحية الكبيرة، فإن الحل الفعال يتطلب التعاون بين جميع الدول.
وفي زيارتيه إلى صربيا والمجر على التوالي، أعلن شي وقادة دولتي منطقة وسط وشرق أوروبا عن قرارات للارتقاء بالعلاقات الثنائية.
وتزامن هذا التعزيز مع التدفقات الاستثمارية القوية والمكثفة للصين في المنطقة. ففي الفترة من يناير إلى مارس 2024 فقط، ارتفعت استثمارات الصين في منطقة وسط وشرق أوروبا بنسبة 36.35 بالمئة مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى حوالي 450 مليون دولار أمريكي. وحتى مارس 2024، ارتفع الإجمالي التراكمي للاستثمارات الصينية في منطقة وسط وشرق أوروبا إلى 5.2 مليار دولار.
وفيما يتعلق بالمجر، قال وزير الاقتصاد الوطني المجري مارتون ناجي في مقابلة مع وكالة أنباء ((شينخوا))، إن المجر تمكنت في عام 2023 من جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة إجمالية تبلغ 13 مليار يورو (حوالي 13.86 مليار دولار)، منها حوالي 8 مليارات يورو (نحو 8.53 مليار دولار) من الصين.
وأضاف أن الجانب المجري يصبو إلى تعزيز التعاون مع الصين في مجالات التجارة الخارجية واستثمار رأس المال والبنية التحتية والخدمات اللوجستية والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة، ومجالات أخرى.
وهكذا الحال أيضا بالنسبة لصربيا. قالت يلينا غروبور ستيفانوفيتش، مديرة المكتب التمثيلي لغرفة التجارة والصناعة الصربية في الصين، "خلال العامين الماضيين، برزت الصين كأكبر مستثمر أجنبي مباشر في صربيا، ما جلب فوائد عديدة للبلاد".
وأضافت بقولها "لدى صربيا الآن المزيد من الفرص لتركيز جهودها بشكل منهجي على جذب الاستثمارات من الصين في قطاعات الصناعة ذوات القيمة المضافة العالية مثل علوم الحياة والاقتصاد الرقمي وصناعة السيارات وقطاع الزراعة الذكية والتنمية الخضراء".
وقالت تشن فنغ ينغ، الباحثة في المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، إن تعاون الصين المعزز مع صربيا والمجر حفز النمو الاقتصادي المحلي ورفع مستويات المعيشة.
وأوضحت تشن أن هذا النجاح يعد مثالا دامغا على الفوائد الملموسة التي تم الظفر بها من خلال إقامة شراكات مع الصين والتقدم الجماعي.
وأضافت أن مثل هذا الإنجاز كان له أيضًا تأثير ملهم وتحفيزي جدير بالملاحظة على دول وسط وشرق أوروبا الأخرى.
وتأتي زيارة شي إلى أوروبا في الوقت الذي تناور فيه واشنطن لحشد حلفائها في الغرب من أجل ما يسمى "إزالة المخاطر" المتعلقة بالصين و"فك الارتباط الاقتصادي" عنها، وإبطاء تقدم الصين في مجال التكنولوجيا الفائقة، وهي تكتيكات حمائية رفضها القادة الأوروبيون.
وفي حديثه خلال الاجتماع الثلاثي بين الصين وفرنسا والاتحاد الأوروبي، أكد ماكرون مجددا أن الاتحاد الأوروبي يرفض منطق فك الارتباط الاقتصادي.
وقال ماكرون خلال الاجتماع الثلاثي بين الصين وفرنسا والاتحاد الأوروبي، إن الاتحاد الأوروبي يرحب بالاستثمار والتعاون من قبل الشركات الصينية في أوروبا، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي يأمل في تعزيز التعاون مع الصين والاشتراك معها في حماية أمن واستقرار سلاسل القيمة وسلاسل الإمداد في أوروبا.
وقال مارك أنطوان جاميت، الأمين العام لمجموعة ((إل في إم إتش))، في مقابلة مع ((شينخوا)) يوم الاثنين قبل المراسم الختامية للاجتماع السادس لمجلس الأعمال الصيني-الفرنسي، "أعتقد أن التعاون الاقتصادي بين أوروبا والصين أمر مهم للغاية. الصين قوية، ولهذا السبب يتعين على أوروبا أن تطور نفسها وتكون قوية أيضا".