إن تلبية الرئيس الصيني شي جين بينغ الدعوة لزيارة دولة إلى فرنسا وصربيا والمجر بمثابة تحرك دبلوماسي صيني مهم تجاه أوروبا.
وتعد الصين وأوروبا قوتين رئيسيتين تعملان على تعزيز التعددية القطبية، وسوقين رئيسيتين تدعمان العولمة، وحضارتين رئيسيتين تدافعان عن التنوع، وكيفية تطور العلاقات بين الصين وأوروبا لها تأثير على اتجاه العالم.
لا يوجد تضارب جوهري في المصالح بين الصين وأوروبا، ولا يوجد تناقض جيوستراتيجي، فالمصالح المشتركة تفوق بكثير خلافاتهما، ويجب أن تكون الشراكة هي التحديد الصحيح للعلاقة بين الجانبين، وأن يكون التعاون هو النغمة السائدة، وأن يكون الاستقلال القيمة الأساسية، وأن يكون الفوز المشترك آفاق التنمية.
وتنظر الصين دائما إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره قوة استراتيجية على الساحة الدولية، وتنظر دائما إلى تنمية العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي باعتباره اتجاه ذي أولوية للدبلوماسية الصينية. وقد زار الرئيس شي جين بينغ مقر الاتحاد الأوروبي في ربيع عام 2014، واقترح استعداد الصين للعمل مع أوروبا لبناء الشراكات الأربع الرئيسية للسلام والنمو والإصلاح والحضارة بين الصين وأوروبا، ولم تتغير هذه الرؤية للصين حتى يومنا هذا، ولها أهمية عملية أكبر في ظل الوضع الحالي.
وإذا نظرنا إلى العالم، سنرى أن عدم الاستقرار وعدم اليقين آخذان في الارتفاع، وسواء كان الأمر يتعلق بتعزيز التنمية في الصين وأوروبا أو الاستجابة للتحديات العالمية، يحتاج الجانبان إلى الحفاظ على التواصل الوثيق والتركيز على التعاون متبادل المنفعة والمربح للجانبين.
لقد أظهرت الحقائق مرارا وتكرارا أنه طالما أن الصين والاتحاد الأوروبي يتمسكان بشكل مشترك بالاتجاه العام والنبرة الرئيسية لتنمية علاقاتهما، فإن العلاقات بين الجانبين ستواصل تحقيق التنمية التي تتماشى مع مصالح الجانبين وتوقعات الشعبين. وفي الوقت الحالي، تعد الصين وأوروبا أحد أهم الشركاء التجاريين لبعضهما البعض. وفي عام 2023، تغلبت التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي على الآثار السلبية مثل تراجع التجارة العالمية، وظل إجمالي قيمتها 783 مليار دولار أمريكي، وتجاوز رصيد الاستثمار المتبادل بين الصين والاتحاد الأوروبي 250 مليار دولار أمريكي.
إن الصين مستعدة للعمل مع الاتحاد الأوروبي لتكون شريكا دائما في التعاون الاقتصادي والتجاري، وشريكا ذا أولوية في التعاون العلمي والتكنولوجي، وشريكا موثوقا به في التعاون في مجال الصناعة والتوريد وسلسلة البيانات. ويمكن للصين والاتحاد الأوروبي تحقيق النجاح المتبادل والرخاء المشترك. تواصل الصين توسيع الانفتاح رفيع المستوى على العالم الخارجي وتخلق بنشاط بيئة أعمال موجهة نحو السوق وقانونية ودولية من الدرجة الأولى. وسواء كانت الشركات الأوروبية الكبيرة المتعددة الجنسيات مثل بي إم دبليو، أو فولكس فاجن، أو سترانتيس، أو باسف، أو الشركات الأوروبية الصغيرة والمتوسطة الحجم مثل شركة الأجهزة المنزلية سايبرترونيكس، فإنها تغتنم بنشاط فرص التنمية الجديدة من خلال تعزيز التعاون مع الصين. وفي المجالات الناشئة مثل الاقتصاد الرقمي وحماية البيئة الخضراء والطاقة الجديدة والذكاء الاصطناعي، يستمر التعاون متبادل المنفعة بين الطرفين في التقدم. ويُظهر استطلاع غرفة التجارة الأوروبية لثقة الأعمال في الصين لعام 2023 أن أكثر من 90٪ من الشركات الأوروبية التي شملها الاستطلاع تخطط تحديد الصين كوجهة استثمارية. ويظهر التقرير السنوي لعام 2023 لغرفة التجارة الصينية في الاتحاد الأوروبي أن أكثر من 80% من الشركات الصينية التي شملها الاستطلاع تخطط لتوسيع نطاق تطورها في أوروبا. ويتعين على الجانبين بذل المزيد من الجهود لتوثيق روابط المصالح المشتركة بين الصين وأوروبا من خلال التعاون الأعمق والأوسع.
إن تنمية الصين وتقدمها تعني فرصا لأوروبا، كما أن التنمية الصحية والمستقرة للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي ستساعد أوروبا على مواجهة التحديات التي تواجهها. ويشير المزيد من الأوروبيين إلى أن الصين تشكل شريكاً مهماً لأوروبا في حل التحديات مثل الطاقة والتضخم وتحسين قدرتها التنافسية.
"إن كلاً من أوروبا والصين تمارسان بقوة التعددية القطبية العالمية والعولمة الاقتصادية والحوكمة المتعددة الأطراف. كما لا يخدم التعاون بين الاتحاد الأوروبي والصين المصالح المشتركة للطرفين فحسب، بل يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالاستقرار والرخاء العالميين أيضًا. " علق إيف ليتيم، رئيس وزراء بلجيكا السابق، على القيمة العالمية للتعاون بين الاتحاد الأوروبي والصين. وفي السنوات الأخيرة، تعاونت الصين والاتحاد الأوروبي من أجل تعزيز إبرام اتفاق شامل بشأن القضية النووية الإيرانية واتفاق باريس بشأن تغير المناخ، ولعبا دورا هاما في سد العجز الأمني والحوكمة الذي يواجه العالم.
تعد الصين وأوروبا أكبر الدول النامية وأكثر المناطق تركزًا في الدول المتقدمة على التوالي، ولهما تأثير مهم على عمل الاقتصاد العالمي. ويتعين على الجانبين أن يظلا يقظين بشأن تفكك الاقتصاد العالمي واتجاهاته الحمائية، ومواصلة اتباع سياسة مفتوحة، والتمسك بالمنافسة العادلة، وحماية التجارة الحرة، وتجنب الأمن الشامل، ومقاومة مناهضة العولمة. وترحب الصين بمشاركة الاتحاد الأوروبي في البناء المشترك لـ "الحزام والطريق" ومبادرة التنمية العالمية، كما أنها مستعدة للتوافق مع استراتيجية "البوابة العالمية" للاتحاد الأوروبي، والاستغلال بنشاط للمزايا الخاصة بهما، والعمل معا لمساعدة البلدان النامية على تسريع وتيرة تنميتها.
وفي مواجهة الوضع الدولي المضطرب، هناك حاجة إلى بناء المزيد من "الجسور" بين الصين وأوروبا. كما يتعين على الصين والاتحاد الأوروبي أن يكونا ممارسين مشتركين للتعددية، ودعاة للتنمية المفتوحة، ومشجعين للحوار بين الحضارات، وأن يعملا معًا لتعزيز التعددية القطبية العالمية المتساوية والمنظمة والعولمة الاقتصادية الشاملة، من أجل تقديم مساهمات أكبر لتعزيز السلام والاستقرار والازدهار في العالم.