بلجراد/ بكين 6 مايو 2024 (شينخوا) كان مصنع سميديريفو للصلب، الذي يقع على ضفة نهر دانوب الخلاب، مصدر فخر بالنسبة لصربيا قبل أن ينزلق في حالة من الإفلاس قبل أكثر من عقدين.
وبفضل تعميق التعاون عالي الجودة في إطار الحزام والطريق بين الصين وصربيا، عاد المصنع، الذي تم تأسيسه منذ قرن من الزمن، بقوة في 2016 عندما وصل شريكه الصيني.
وفي غضون شهور قليلة فقط، بدأ مصنع الصلب يحقق أرباحا. وأصبح المصنع الآن واحدا من أكبر مصانع الحديد والصلب في العالم وأحد أكبر مقدمي الخدمات المتكاملة قياسا بقدرة الإنتاج.
ويعد ميلاد مصنع الصلب من جديد مثالا رئيسيا للتعاون العملي الأوسع نطاقا بين البلدين.
وبينما يقوم الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة الدولة الثانية له إلى صربيا خلال الأيام المقبلة، تتزايد التطلعات إلى زيادة إثراء وتعزيز الصداقة القوية بين البلدين.
وقال الرئيس الصربي السابق توميسلاف نيكوليتش، إن الرئيس شي أنشأ العديد من المشاريع الاستثمارية الصينية الكبيرة في صربيا، متابعا بقوله "إنه صديق مخلص لصربيا".
--- أيقونة تولد من جديد
خلال زيارة الدولة الأولى التي قام بها شي إلى صربيا عام 2016، قدم عونا قويا إلى مصنع سميديريفو للصلب، لتبدأ بذلك موجة من الدعم الصيني.
ويتذكر الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك، بوضوح، كيف تواصل مع شي، خلال زيارة الأخير، وطرح عليه فكرة إنقاذ المصنع المتعثر. وطمأنه شي بمقولة صينية معروف تفيد بأنه "يجب الوفاء بالوعود، ويجب أن تكون الأفعال مثمرة".
وخلال زيارة شي للمصنع، قال للعمال إن "ما نتعهد بالقيام به، مثل إدخال التكنولوجيا المتقدمة، وضمان التوظيف على المستوى المحلي، وإفادة المجتمع الأوسع نطاقا، يجب تحقيقه من دون إخفاق".
ووصف فلادان ميهايلوفيتش، المدير التنفيذي لقسم الإنتاج بمصنع الصلب، زيارة شي بأنها كانت نقطة تحول، قائلا إنه بفضل دعم شي، قدمت الصين مساعدة مستدامة لصربيا من أجل إحياء المصنع.
وقال ميهايلوفيتش إن "التزامات الرئيس، خاصة فيما يتعلق بتحديث مرافق الإنتاج، أصبحت حقيقة".
وعلى بعد حوالي 60 كم في الاتجاه الشمالي الغربي من مصنع الصلب تقع محطة سكة حديد وسط بلجراد، وهي نقطة البداية لمشروع تعاون آخر في إطار مبادرة الحزام والطريق يحظى باهتمام شي، وهو خط سكك حديد بلجراد-نوفي ساد فائق السرعة.
وباعتبار خط بلجراد-نوفي ساد جزءا من خط السكة الحديد بين صربيا والمجر، بدأ تشغيل الخط في مارس 2022، ومنذ ذلك الحين يقوم بنقل الركاب بين أكبر مدينتين في صربيا بسرعات تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة. ووصف فوتشيتش المشروع بأنه "هدية للأجيال القادمة".
ويجسد التعاون المزدهر بين بكين وبلجراد في إطار مبادرة الحزام والطريق التضافر المتزايد بين استراتيجيات التنمية الخاصة بالبلدين، ما يعزز بشكل كبير العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية.
ووفقا لإحصاءات هيئة الجمارك الصينية، وصل إجمالي حجم التجارة بين الصين وصربيا في 2023 إلى 4.35 مليار دولار أمريكي، بزيادة نسبتها 23.7 بالمئة مقارنة بالعام 2022.
وفي أكتوبر الماضي، وقعت الصين وصربيا اتفاقية تجارة حرة، وهي أول اتفاقية تجارة حرة يتم توقيعها بين الصين ودولة واقعة بمنطقة وسط وشرق أوروبا، وشهد شي وفوتشيتش مراسم التوقيع في بكين. وبعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، ستصبح أكثر من 60 بالمئة من السلع الخاضعة للضرائب معفاة من الرسوم الجمركية على الفور، وستصل نسبة حجم الواردات التي لا تخضع للرسوم الجمركية من الجانبين إلى نحو 95 بالمئة.
وقال نيناد ستيكيتش، باحث في معهد السياسة الدولية والاقتصاد الدولي، وهو مركز بحوث صربي، إن "الصين أحد أهم الشركاء في التنمية الاقتصادية في صربيا".
وأضاف أنه "منذ الارتقاء بعلاقتنا إلى شراكة استراتيجية شاملة في 2016، تسير العلاقة بالفعل في مسار تصاعدي في جميع المجالات".
--- الصديق وقت الضيق
ويعد مصنع الصلب وخط السكة الحديدية شاهدين على العلاقة الخاصة بين البلدين، التي تم تأسيسها بالدماء والأرواح. وفي مواجهة الصعوبات والتحديات، يدعم الشعبان الصيني والصربي دائما بعضهما البعض في السراء والضراء.
وعندما أدت جائحة كوفيد-19 إلى حدوث أضرار كبيرة في جميع أنحاء العالم، قدمت الصين المساعدة لصربيا في الوقت المناسب. وزودت الصينُ صربيا بمعدات وقائية وأدوات طبية ولقاحات، وأرسلت فريقا من الأخصائيين في مجال الطب لمساعدة صربيا في احتواء الجائحة بشكل أفضل.
كانت ساعة متأخرة بالليل حينما هبط الفريق الطبي الصيني في مطار نيكولا تسلا في بلجراد. وترأس فوتشيتش مجموعة من كبار المسؤولين لاستقبال الخبراء. ولأن التصافح بالأيدي كان غير مستحسن خلال الجائحة، اختار الزعيم الصربي أن يسلم باستخدام كوعه على كل فرد في الفريق الصيني، وقبَّل علَم الصين الوطني تعبيرا عن امتنانه للدعم الذي قدمته الصين في الوقت المناسب.
وقال فوتشيتش إن الشعب الصيني "أثبت أنه صديق في أحلك الأوقات عندما نقاتل من أجل الدفاع عن حياة الشعب الصربي".
وفي الشهر التالي، منحت صربيا أرقى جوائزها العسكرية لأعضاء الفريق الطبي الصيني، تقديرا منها لمساهمتهم التي لا تقدر بثمن في معركة البلاد ضد الجائحة.
وعندما كانت الصين تواجه الصعوبات، سارعت صربيا أيضا لتقديم المساعدة. فبعد أن أدى زلزال قوي إلى دمار كبير بمحافظة ونتشوان في الصين عام 2008، قدمت صربيا مساعدة سريعة للصين وقدمت كمية كبيرة من إمدادات الإغاثة للناس في المناطق المتضررة.
وقال فوتشيتش لوكالة أنباء ((شينخوا))، "الصديق وقت الضيق هو الصديق الحقيقي. إنها جملة رائعة".
--- علاقة حديدية
ويصف شي صربيا في علاقات الصين الخارجية بأنها "صديق يرتبط مع الصين بعلاقة حديدية". وفي الخطاب الدبلوماسي الصيني، يحمل هذا المصطلح معنى خاصا.
وخلال زيارته للصين لحضور منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي في أكتوبر من العام الماضي، قال فوتشيتش للرئيس شي إن صربيا فخورة بصداقتها الحديدية مع الصين، مضيفا أن الصين تعامل صربيا دائما على قدم المساواة.
وأوضح وانغ يي وي، مدير معهد الشؤون الدولية في جامعة رنمين الصينية، أن الصداقة الحديدية تعني علاقات وثيقة واتصالات وثيقة وتعاون وثيق على أساس احترام كل من الطرفين احتراما حقيقيا للمصالح الأساسية للآخر، وكل هذه السمات تنطبق على العلاقة بين الصين وصربيا.
وفي نزهة في حديقة كاليمجدان في بلجراد، وهي رمز لقدرة صربيا على الصمود وتراثها وجمال طبيعتها، أعرب شي خلال زيارته عام 2016 عن احترامه العميق للبلاد وشعبها.
يؤكد الرئيس الصيني أن جميع البلدان، بغض النظر عن حجمها، أعضاء متساوون في المجتمع الدولي ويجب أن تتعايش بسلام وأن تتعلم من بعضها البعض. ويقول الرئيس الصيني إن "الشعب الصربي، بروحه التي لا تُقهر، قد نهض مرارا على مدار التاريخ مثل طائر العنقاء، الذي يُعجب به الشعب الصيني كثيرا".
واسترشادا بفلسفة شي، تدعم الصين بقوة صربيا في القضايا المتعلقة بمصالحها الأساسية وشواغلها الكبرى، ما يجعل صداقتهما الحديدية مثالا جيدا للمعاملة على قدم المساواة والمنفعة المتبادلة بين الدول ذات الأحجام المختلفة.
وأكد ألكسندر فولين، وزير الدفاع والشؤون الداخلية الصربي السابق، أن العلاقة بين البلدين تتعزز ليس فقط من خلال الدبلوماسية، ولكن أيضا من خلال الاحترام والتفاهم المتبادلين.
وقال فولين إن "صربيا تكنّ احتراما عميقا لجمهورية الصين الشعبية، ليس فقط بسبب حجمها، ولكن أيضا بسبب القيادة المثالية التي تجسدها"، مضيفا أن "الصين تعرف كيف تتحدث وتستمع. الصين شريكة وليست قائدة. الصين لا تملي، الصين تنصح".