بكين 30 أبريل 2024 (شينخوا) سيجري الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارات دولة إلى فرنسا وصربيا والمجر في الفترة من 5 حتى 10 مايو.
وستكون هذه الزيارات أول جولة للرئيس الصيني في أوروبا خلال الأعوام الخمسة الماضية تقريبا. ومن المتوقع أن تؤدي الجولة إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول الثلاث وتعزيز التعاون متبادل النفع بينهما.
تعد الصين والاتحاد الأوروبي قوتين رئيسيتين تعززان التعددية القطبية، وسوقين رئيسيتين لدعم العولمة، وحضارتين رئيسيتين تدعمان التنوع.
ومن المتوقع أن تساعد زيارات شي المقبلة في تعزيز التنمية المستدامة والمطردة والسليمة للعلاقات بين الصين وأوروبا، وتوفير المزيد من الاستقرار واليقين في العالم المضطرب، وزيادة تنشيط التنمية العالمية.
-- تاريخ فريد وشراكة ثابتة
تعد زيارة شي المقبلة إلى فرنسا ثالث زيارة دولة له إلى الدولة الأوروبية بعد زيارتيه عامي 2014 و2019. وستكون هذه الزيارة خلال الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا، ما يمنح الزيارة مغزى خاصا باعتبارها فرصة مهمة للبناء على الإنجازات الماضية وتوجيه المستقبل من أجل العلاقات الثنائية.
وبتوجيه من رئيسي البلدين، شهدت الصين وفرنسا التطور المطرد للشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما. كما أصبح البلدان من أشد المدافعين عن التعددية القطبية في العالم وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية.
وقال شي في يناير في أثناء تبادل التهاني مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بمناسبة الذكرى الستين للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إنه بما أن عالم اليوم يقف مجددا عند مفترق طرق حاسم، يتعين على الصين وفرنسا أن تفتحا معا طريقا للسلام والأمن والرخاء والتقدم من أجل التنمية البشرية.
هناك العديد من "الأوليات" في العلاقات الصينية-الفرنسية: فرنسا هي أول دولة غربية كبرى تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية في عام 1964، وأول دولة غربية كبرى تقيم شراكة استراتيجية شاملة مع بكين. وتعد الدولة الأوروبية كذلك الأولى بين الدول الغربية التي تجري تعاونا في مجال الطاقة النووية المدنية مع الصين.
وقد ساهم التاريخ الفريد للعلاقات الثنائية في تشكيل "الروح الصينية-الفرنسية"، التي تتميز بالاستقلال والتفاهم المتبادل وبعد النظر والمنفعة المتبادلة والتعاون المربح للجانبين. وعلى مدى العقود الستة الماضية، شهدت هذه العلاقة الديناميكية العديد من العلامات التاريخية والإنجازات الملموسة.
على الصعيد التجاري كمثال، ارتفعت التجارة الثنائية بين الصين وفرنسا بشكل كبير، حيث زادت 800 ضعف لتصل إلى 78.9 مليار دولار أمريكي في عام 2023. وتعد الصين الآن أكبر شريك تجاري لفرنسا في آسيا، بينما تعد فرنسا ثالث أكبر شريك تجاري وثالث أكبر مصدر للاستثمار بالقيمة الحقيقية داخل الاتحاد الأوروبي بالنسبة للصين.
الصين وفرنسا تمثلان الحضارة الشرقية والحضارة الغربية على التوالي. وفي الأعوام الأخيرة، واصل الجانبان توسيع التبادلات الثقافية والشعبية بينهما.
على سبيل المثال، تعاون الجانبان في ترميم وحماية تراثهما الثقافي الأيقوني الخاص، مثل كاتدرائية نوتردام في باريس ومحاربو التيراكوتا في الصين. كما أنشأ الجانبان مراكز ثقافية في البلدين وحددا عام 2024 باعتباره العام الصيني-الفرنسي للثقافة والسياحة.
وقال إريك ألوزيه، رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية-الصينية بالجمعية الوطنية الفرنسية، إنه على الرغم من الاختلاف الكبير بين فرنسا والصين فيما يتعلق بالثقافة والتاريخ والأنظمة السياسية، "فيمكننا أن نستمد الإلهام من اختلافاتنا للتقدم معا".
وقال إن العنصر الأساسي الذي يمكننا تحقيق ذلك من خلاله هو "التحدث مع بعضنا البعض، والاستماع إلى بعضنا البعض، وفهم بعضنا البعض".
-- الصداقة القوية
غالبا ما تستخدم كلمة "قوية" لوصف العلاقات بين الصين وصربيا.
وصف شي صربيا بأنها "صديقة قوية" للصين خلال اجتماعه مع الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، الذي كان في بكين لحضور منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي في أكتوبر من العام الماضي.
وقال إن العلاقات الثنائية صمدت أمام التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية خلال الأعوام الأخيرة وتعد مثالا للعلاقات الودية بين الصين والدول الأوروبية. وردا على ذلك، قال فوتشيتش إن بلاده فخورة بصداقتها القوية مع الصين.
إن التعاون المثمر في إطار الحزام والطريق بين الصين وصربيا شهادة على العلاقة الخاصة.
يعد القطار فائق السرعة الذي يربط العاصمة الصربية بلجراد وثاني أكبر مدينة في البلاد نوفي ساد جزءا من خط السكة الحديد بلجراد-بودابست. وهو مشروع رئيسي للتعاون بين الصين ودول وسط وشرق أوروبا في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وفي شهر مارس، شهد خط السكة الحديد فائق السرعة بلجراد-نوفي ساد الذكرى الثانية لتأسيسه. وعلى مدى العامين الماضيين، نقل الخط نحو 6.83 مليون مسافر، ما عزز بشكل فعال الارتباطية المحلية.
إن إعادة ميلاد مصنع ((سميديريفو ستيل ووركس)) مثال جيد آخر على الشراكة القوية. كان المصنع، الذي يقع بالقرب من نهر الدانوب ويعد فخر صربيا، على وشك الإفلاس. ومع ذلك، مع ازدهار تعاون الحزام والطريق بين الصين وصربيا، شهد المصنع الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمان صحوة ملحوظة.
بعد أن استثمرت شركة صينية في المصنع في عام 2016، تغيرت الأمور: تم إنقاذ آلاف الوظائف، وتحسنت القدرة الإنتاجية والأداء البيئي بشكل كبير.
وفي الوقت نفسه، تعد صربيا والصين شريكتين تجاريتين وثيقتين. وقد شاركت الدولة الأوروبية في معرض الصين الدولي للواردات لمدة ستة أعوام متتالية. وأصبحت الجعة والنبيذ الأحمر والمنتجات الزراعية وغيرها من المنتجات من صربيا مفضلة لدى المستهلكين الصينيين.
وفي أكتوبر 2023، وقعت الصين وصربيا اتفاقية تجارة حرة لتعزيز العلاقات التجارية الثنائية، وهي أول اتفاقية وقعتها الصين مع دولة من أوروبا الوسطى والشرقية.
وترجع الصداقة الأخوية بين الصين وصربيا أيضا إلى حقيقة مساعدة كل منهما للأخرى دائما في أوقات الضرورة.
وفي عام 2008، بعد وقوع زلزال كبير في مقاطعة سيتشوان الصينية، حشدت صربيا مجموعة من الخيام من الاحتياطات العسكرية الخاصة بها لمساعدة مناطق الكوارث في الصين. وخلال جائحة كوفيد-19، أرسلت الحكومة الصينية فريقا طبيا من الخبراء إلى صربيا للمساعدة في مكافحة تفشي المرض.
وستكون زيارة شي إلى صربيا الثانية له إلى البلاد خلال ثماني سنوات، وستمثل علامة فارقة لتعزيز العلاقات بين الصين وصربيا والارتقاء بها.
-- فصل جديد في التعاون بين الصين والمجر
تمثل زيارة شي المقبلة إلى المجر أول زيارة دولة له إلى هذه الدولة الأوروبية كرئيس للصين.
على مدى الأعوام الـ 75 الماضية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية، تمتعت الصين والمجر بالاحترام المتبادل والتفاهم المتبادل والدعم المتبادل والثقة المتبادلة.
والمجر هي أول دولة أوروبية وقعت على وثيقة تعاون الحزام والطريق مع الصين. وفي عام 2017، أعلن البلدان عن إقامة شراكة استراتيجية شاملة.
وقال شي خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في بكين في أكتوبر 2023، إن الصين مستعدة لمواصلة الصداقة والشراكة على نحو جيد مع المجر، مع تعزيز الثقة في بعضهما البعض والسعي نحو التعاون المربح للجانبين، ومستعدة أيضا للارتقاء بالشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والمجر إلى مستويات جديدة.
وبفضل الرعاية والتوجيه الاستراتيجي من زعيمي البلدين، تستمر الارتباطية بين الصين والمجر في التعمق، مع ازدهار التعاون العملي.
ويعمل الجانبان على تعزيز التضافر العميق بين مبادرة الحزام والطريق وسياسة "الانفتاح شرقا" المجرية. ومن رحلات الشحن المباشرة بين بودابست والمدن الصينية، من بينها تشنغتشو ونينغبو، إلى التشغيل الفعال لقطارات الشحن بين الصين وأوروبا، عززت شبكة النقل المحسنة بشكل كبير مكانة المجر كمركز للنقل في المنطقة.
علاوة على ذلك، تتمتع كل من الصين والمجر بتاريخ طويل وثقافات رائعة، ويتمتع شعبا البلدين بصداقة صمدت أمام اختبار الزمن وتبادلات ثقافية وثيقة على نحو متزايد.
وفي العام الماضي، في رده على رسالة من طلاب المدرسة المجرية-الصينية ثنائية اللغة في المجر، شجع شي الشباب في المجر على تعلم المزيد عن الصين وعلى أن يصبحوا مبعوثين للصداقة الصينية-المجرية.
تأسست المدرسة في سبتمبر 2004، وهي أول مدرسة بدوام كامل في وسط وشرق أوروبا تستخدم اللغة الصينية واللغة المحلية في التدريس، وهي نموذج للتعاون الثقافي والتعليمي بين البلدين.
-- علاقات مستدامة وسليمة بين الصين وأوروبا
تنظر الصين دائما إلى علاقاتها مع أوروبا من منظور استراتيجي وطويل الأجل، وتنظر إلى أوروبا باعتبارها شريكة استراتيجية شاملة وقوة مهمة في عالم متعدد الأقطاب.
وقال شي في ديسمبر 2023 خلال اجتماعه مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في بكين، إنه يتعين على الجانبين بذل المزيد من الجهود لزيادة اتساع وعمق التعاون وتقوية روابط المصالح المشتركة.
وبفضل الجهود المتضافرة من الجانبين، برزت الصين والاتحاد الأوروبي باعتبارهما ثاني أكبر شريك تجاري للآخر، ما يؤكد حقيقة مفادها أن التعاون بالنسبة للصين والاتحاد الأوروبي يفوق المنافسة بكثير، وأن التوافق يتجاوز الخلافات بكثير.
وفي عام 2023، ربطت خدمة قطارات الشحن بين الصين وأوروبا 219 مدينة في 25 دولة أوروبية، ما أدى إلى إنشاء شريان حياة آمن وفعال لسلاسل الصناعة والإمداد العالمية.
وفي الوقت نفسه، منحت الصين الدخول بدون تأشيرة للعديد من الدول الأوروبية، ما سهل تبادل الأفراد والأنشطة الاقتصادية والتجارية بين الجانبين.
وتستمر مشروعات التعاون الرئيسية في إطار الحزام والطريق، مثل خط السكة الحديد بلجراد-بودابست، وميناء بيرايوس في اليونان، وجسر بيليساك في كرواتيا، في إفادة الشعوب على طول الطرق.
وبما أن المشهد الدولي يشهد تغيرات عميقة، يأمل المراقبون الدوليون في أن تتمكن الصين وأوروبا من تعزيز الاتصالات والتعاون بينهما.
وقال ستيفان أوسينكوب، الباحث البارز في معهد ((شيلر)) الألماني للأبحاث، إن "الكثيرين يتفقون مع مبدأ الرئيس الصيني بأننا جميعا في القارب نفسه، وأن مصيرنا المشترك مرتبط".
وقال إن "التبادل المحترم بين حضاراتنا على طرفي القارة الأوراسية أمر ضروري".
وفي الوقت نفسه، قال اليزيد بنهامي، نائب رئيس جمعية باريس للصداقة الفرنسية-الصينية، إن "الصين وأوروبا لاعبان عالميان رئيسيان، والتحديات العالمية تتطلب منهما العمل معا".
وقال إن "الحوار والعمل المشترك بناء على الاحترام المتبادل هما الأداتان الوحيدتان القادرتان على تحقيق مصير مشترك أفضل".