رام الله 24 مارس 2024 (شينخوا) شهدت منطقة الشرق الأوسط زيارة سادسة جديدة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حيث شملت الجولةُ الدبلوماسية 3 دول في المنطقة، هي السعودية ومصر وإسرائيل ،فيما قد لا تحقق اختراقا حقيقيا باتجاه وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في قطاع غزة بسبب تبني الإدارة الأمريكية الموقف الإسرائيلي.
وتعتبر القضية الفلسطينية، وبشكل خاصٍ الوضع في قطاع غزة، من بين أكثر النقاط التي تثير الجدل والتوتر في الشرق الأوسط، في ظل التطورات السياسية والعسكرية الحالية، فيما يرى مراقبون فلسطينيون أن إسرائيل "غير معنية بهدنة ووقف إطلاق نار في غزة وما يجرى من جولات مجرد شراء الوقت وامتصاص الضغوط الداخلية الإسرائيلية والأمريكية".
ولم يتمكن مجلس الأمن الدولي من اعتماد مشروع قرار أمريكي يؤكد حتمية وقف إطلاق النار في غزة بعد أن استخدمت روسيا والصين الفيتو (حق النقض)، وامتنعت غيانا عن التصويت وبذلك تظهر أهمية الموقف الصيني والروسي في إرساء دعائم الاستقرار في العالم.
وزار كبير الدبلوماسيين الأمريكيين يومي الخميس والجمعة السعودية ومصر وإسرائيل في إطار جولة هي السادسة له في منطقة الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب بين حركة حماس وإسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي.
وتزامنا مع الزيارة تتواصل الجهود الدبلوماسية من أجل التوصل لإبرام صفقة تبادل جديدة بين إسرائيل وحماس، حيث وصل وفد إسرائيلي إلى الدوحة وبدأ اجتماعاته مع الوسطاء الليلة الماضية.
وتروج الولايات المتحدة الأمريكية بمشاركة وسطاء من الدول العربية إلى وقف إطلاق لمدة ستة أسابيع مقابل إطلاق سراح 40 محتجزا لدى حركة حماس في غزة.
-- دلالات الزيارة
وقال الكاتب والمحلل السياسي من رام الله جهاد حرب إن دلالات جولة بلينكن الحالية تنصب على مسألتين الأولى إعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة إلى ذويهم، والثانية تتعلق بتخفيف الانتقادات الدولية لسياسة الإدارة الأمريكية في إنهاء الحرب في قطاع غزة ووضع حد لها.
وتابع أن هناك اتفاقا واضحا على تبني الإدارة الأمريكية مواقف الحكومة الإسرائيلية على الرغم من الخلافات في القضايا الإجرائية.
والتقى بلينكن يوم الخميس في القاهرة مع وزراء خارجية: مصر والسعودية والأردن وقطر ووزيرة الدولة الإماراتية للتعاون الدولي وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما اجرى محادثات مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وكان بلينكن بدأ جولته بالسعودية حيث كشف النقاب خلال مقابلات مع وسائل إعلام سعودية عن أن بلاده قدمت مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار فى غزة، مؤكدا أنه سيناقش بدائل عملية رفح مع الجانب الإسرائيلي.
-- انحياز أعمى
واعتبر المحلل السياسي من رام الله أحمد رفيق عوض مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن محاولة لذر الرماد في العيون ومحاولة مكشوفة ومنحازة من قبل الإدارة الأمريكية لمساعدة إسرائيل في إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين ثم بعدها يتم العودة إلى الحرب.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة من خلال التصريحات المختلفة التي ترى بضرورة إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين دون النظر إلى الأسرى الفلسطينيين وعمليات القتل الجماعي في قطاع غزة هو انحياز أعمى لطرف على حساب الأخر".
وتابع أن إسرائيل "غير معنية بهدنة ووقف إطلاق نار في غزة وما يجرى من جولات مجرد شراء الوقت وامتصاص الضغوط الداخلية الإسرائيلية والأمريكية".
وأجرى بلينكن أمس الأول (الجمعة) مباحثات مع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والوزير بيني غانتس في إسرائيل تركزت على هجوم إسرائيلي محتمل على مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
-- تأخير الهجوم على رفح
وقال المحلل السياسي من رام الله أيمن يوسف إن إسرائيل قد تؤخر هجومها على مدينة رفح بسبب الضغوط الأمريكية والعربية إلى ما بعد شهر رمضان على الأقل.
وأضاف يوسف أن الولايات المتحدة غير معنية بخسارة أصدقاء كثر وتآكل شعبية الحزب الديمقراطي، وتوقع أن يكون الهجوم على رفح محدودا بمعنى قصف أهداف من الجو، ومن ثم تدخل القوات برا لبعض المناطق التي تشعر أن فيها تواجد لعناصر من حماس وبالتالي لن تكون عملية شاملة على غرار شمال القطاع.
ويتفق يوسف مع سابقه بأن الولايات المتحدة معنية حاليا بإطلاق سراح المحتجزين في غزة مقابل وقف إطلاق النار لبعض الأسابيع وزيادة دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع لوجود ضغط عالمي وعدم رضا عما تقوم به إسرائيل.
وتابع رغم ذلك اعتقد أن الإدارة الأمريكية "غير قادرة على فرض وقف إطلاق نار دائم وأصبح موقفها ضعيفا" في هذه المرحلة لأن نتنياهو مازال قادرا على استغلال هذا الضعف لارتكاب الجرائم في غزة وإطالة أمد الحرب.
وتزامنا مع الزيارة طرحت الولايات المتحدة أمس الأول على مجلس الأمن مشروع قرار يدعم وقفا فوريا لإطلاق النار في غزة مع ربط المشروع بالإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب.
-- المعايير المزدوجة
وقال الدكتور سعيد عكاشة، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة إن مشروع القرار الأمريكي يطالب بوقف إطلاق النار لفترة طويلة وليست نهائية، ولو ترك يمر كان ضربا لطرف دون الطرف الآخر .
وأضاف أن محاولة الولايات المتحدة غير مجدية والعالم يعلم موقف الولايات المتحدة.
بدوره قال هايلي دياباتي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر إن مشروع القرار الأمريكي يعبر مرة أخرى عن المعايير المزدوجة، فيما يتعلق بالمسائل الأمنية والعالمية.
وأضاف أن المشروع لا يتضمن أي رسالة واضحة وجدية عن السلام، مشيرا إلى أن استخدام رفض الصين وروسيا لحق النقض يتماشى مع الموقف العربي الذي عبرت عنه الجزائر، وهو رفض الحل المؤقت والمبهم، الذي سيكون على حساب الشعب الفلسطيني.
وفي السياق قال المختص في الدراسات الاستراتيجية الدكتور نبيل كحلوش من الجزائر إن بلاده رفضت برفقة دول أخرى مشروع القرار الأمريكي لأنه يتضمن مغالطات واضحة أهمها تسبيق مصلحة من يسمون بالمحتجزين على مصلحة المدنيين وكأن الاحتجاز أصبح أكثر أهمية في نظر واشنطن من القتل والتدمير الذي تمارسه حليفتها إسرائيل.
وأوضح أن استعمال نص المشروع الأمريكي لجملة وقف إطلاق النار بالتزامن مع الإفراج عن المحتجزين الاسرائيليين يمكن أن يفهم بأنه مساومة ضمنية مفادها عدم وقف إطلاق النار ومواصلة القتل إن لم يتم إطلاق سراحهم.
واعتبر أن ذلك يتناقض بشكل مباشر مع المنطق الذي ينص على أن الإفراج عنهم وهم أحياء يتطلب أولا إيقاف "العدوان" وليس تحت إطلاق النار.
وأشار كحلوش إلى أن الولايات المتحدة قد استخدمت عدة مرات "الفيتو" ضد نصوص تدعو إلى وقف إطلاق النار بغزة وبالتالي الكثير من دول العالم فهموا بأن مشروع القرار الأمريكي مخادع لمساعدة إسرائيل.
من جانبه، قال الدكتور مصطفى بورزامة أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إن الولايات المتحدة دائما ما تماطل لمنع الوصول إلى وقف اطلاق النار في غزة، والدليل على ذلك أن هناك مشاريع وقف لإطلاق النار وإدخال المساعدات عطلتها الولايات المتحدة وهي في واقع الأمر تريد إطالة الوقت في عدم الوصول لوقف إطلاق النار.