دمشق 13 مارس 2024 (شينخوا) تدخل الأزمة السورية عامها الرابع عشر وسط جمود يلازم مسارها السياسي، فيما تستمر ارتدادات الأزمة التي اندلعت في مارس 2011، تؤثر على الواقع الاقتصادي والمعيشي للسوريين.
وعلى مدار سنوات الأزمة، تكبدت سوريا خسائر اقتصادية نتيجة خروج مقدرات الدولة من تحت سيطرتها من نفط وغاز، وتدمير البنى التحتية، واستمرار العقوبات الأمريكية والغربية على هذا البلد الذي مزقته الحرب.
-- بداية الأزمة
وتفرض الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية عقوبات اقتصادية على سوريا، وأقرت واشنطن في العام 2019 ما يعرف بقانون "قيصر"، الذي يتضمن عقوبات تمس الاقتصاد السوري وشخصيات وكيانات سورية.
وأثرت العقوبات وما أفرزته الحرب طيلة تلك السنوات السابقة، سلبا على حياة السوريين بشكل كبير اقتصاديا ومعيشيا وبشكل متتال.
وعزا الدكتور عمار يوسف، وهو خبير اقتصادي سوري، تدهور الوضع الاقتصادي في بلاده إلى العقوبات الخارجية المفروضة من قبل أمريكا والغرب، وما أفرزته الأزمة السورية، ما عرض الاقتصاد السوري إلى هزة قوية.
وقال يوسف، لوكالة أنباء ((شينخوا))، "انتهينا من الحرب العسكرية في عام 2018، وبدأنا بحرب أخطر منها، وهي الحرب الاقتصادية من خلال العقوبات".
وأضاف أن العقوبات "لم تفرض على سوريا، إلا بعد الانتهاء من الحرب العسكرية"، متسائلا "لماذا لم تبدأ الحرب الاقتصادية بالتزامن مع بدء الحرب العسكرية؟".
وتظهر مؤشرات اقتصادية اتساع دائرة الفقر في سوريا بسبب طول الأزمة.
وفي يونيو الماضي، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن نحو 90 بالمائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
كما حذرت اللجنة الدولية في بيانها من أن انهيار الخدمات الأساسية في سوريا ليس "تهديدا بعيدا"، وستكون له تداعيات مدمرة على الشعب السوري.
وقال وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد في سبتمبر الماضي، إن خسائر قطاعي النفط والغاز بسوريا بلغت 115 مليار دولار، مشددا على أن الدول الغربية هي سبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها سوريا ومعاناة شعبها، بحسب ما أورده الاعلام الرسمي السوري.
ورأت الخبيرة الاقتصادية السورية هيام علي أن التدهور الاقتصادي في سوريا بدأ عمليا في عام 2019 وترسخ بعد عام 2020 في فترة انتشار فيروس كورونا، وبعدها بدأت كرة الثلج بالتدحرج.
وقالت هيام علي إن "قانون قيصر هو قانون خطير وشديد، وأعتقد أنه ذاهب إلى المزيد من الشدة في الفترة القادمة من خلال قيصر 2".
ولفتت إلى أن تأثير العقوبات بدأ يتبلور من خلال المزيد من الفقر والحاجة، والمزيد من تراجع الإنتاج، وبدأ ذلك ينعكس على تفاصيل أكثر من حياة السوريين.
وللتغلب على مصاعب الحياة لدى الموظفين في سوريا، قرر الرئيس بشار الأسد، في فبراير الماضي، زيادة أجور موظفي الخدمة المدنية والعسكريين ومتقاعدي القطاع العام بنسبة 50 بالمائة، وسط تضخم متفلت بعد نحو 13 عاما على اندلاع الحرب، وتزامن ذلك مع رفع أسعار الخبز.
كما رفعت الحكومة السورية خلال الفترة الماضية أسعار المازوت والبنزين، ما ترك أثرا سلبيا على أسعار السلع والمواد الغذائية بشكل كبير.
وقال شريف شحادة، وهو محلل سياسي سوري، وعضو مجلس الشعب (البرلمان) سابقا، إنه "مما لا شك فيه أن هناك أزمة اقتصادية في سوريا، هذا واضح ولا نستطيع أن نهرب أو نتهرب من هذه الحقيقة".
ولفت إلى أن هناك تدهورا في سعر الليرة السورية وتضخما كبيرا وبطالة، وهذه من "مفرزات الحرب".
وتابع يقول "نحن أمام واقع اقتصادي سيء"، داعيا الحكومة السورية إلى اتخاذ إجراءات وسياسات اقتصادية أفضل، ووضع خطط اقتصادية للنهوض بالواقع الاقتصادي السوري.
ومنذ اندلاع الحرب، خسرت العملة السورية أكثر من 99 بالمائة من قيمتها، إذ كان التداول يجري بواقع 47 ليرة للدولار الواحد قبل نشوب الأزمة، واليوم أصبح الدولار يساوي 13400 ليرة سورية، بحسب المصرف المركزي السوري الرسمي.
-- سبل العيش تضيق مع وقف برنامج للمساعدات
وجاء إعلان برنامج الأغذية العالمي وقف تقديم المساعدات الغذائية في سوريا مع بداية العام الجديد، ليزيد الطين بلة، كما يقال، ويفاقم من معاناة السوريين المعيشية.
وطالب سوريون في حلب خلال زيارة لوكالة أنباء ((شينخوا)) إلى المحافظة الواقعة شمال البلاد في يناير الماضي، برنامج الغذاء العالمي بعودة تلك المساعدات الغذائية التي تشكل لهم "شريان حياة"، حسب قولهم، مؤكدين أن قرار وقف المساعدات الغذائية العامة جاء في وقت سيء بالنسبة للسوريين، حيث يلوح شبح الجوع في المناطق التي مزقتها الحرب.
وأعلن برنامج الأغذية العالمي في ديسمبر من 2023 أنه سيوقف برنامجه للمساعدات الغذائية العامة في جميع أنحاء سوريا في بداية عام 2024 بسبب نقص التمويل.
وفي يناير الماضي، قال ممثل ومدير برنامج الأغذية العالمي في سوريا كينيث كروسلي في مقابلة مع ((شينخوا)) على خلفية هذا الإعلان، إن "جميع فروع برنامج الأغذية العالمي تواجه تحديات تمويلية كبيرة جدا من قبل المانحين الذين يقدمون دعما طوعيا لبرامجنا".
وتابع "هذا يعني أن برنامج الأغذية العالمي في سوريا يواجه تحديات كبيرة جدا، ليست محصورة فقط في سوريا، ولكنها جزء من بيئة المانحين الإجمالية التي لا تستطيع مواكبة الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في جميع أنحاء العالم".
وأضاف كروسلي أن "الاحتياجات التشغيلية لبرنامج الغذاء العالمي لعام 2023 كان من المقرر أن تصل إلى 23.5 مليار دولار، في حين أن مبلغ التمويل الذي وصل خلال عام 2023 بلغ نحو 10 مليارات دولار فقط، مما يترك لنا فجوة تمويلية تاريخية تبلغ حوالي 60 في المائة".
وأشار إلى أن أزمة التمويل الإنساني العالمية أجبرت برنامج الأغذية العالمي على تقليص حجم عمليات المساعدة التي يقوم بها في سوريا، وإنهاء أكبر برنامج للمساعدات الغذائية الذي خدم الأسر السورية على الصعيد الوطني لأكثر من عقد من الزمن.
-- الحل السياسي وسط مشهد إقليمي متوتر
ورأى المحلل السياسي شريف شحادة أن الحل السياسي للأزمة في سوريا بات بعيد المنال في الوقت الحالي بسبب توتر الأوضاع في المنطقة وغياب التفاهمات الدولية.
وقال شحادة "لا تستطيع أن تتحدث عن حل سياسي في سوريا الآن، لأن الأوضاع متوترة في كل المنطقة، وبالتالي فإن الحل السياسي يجب أن يكون مبنيا على تفاهمات دولية، وأنا أرى أن الحل السياسي بعيد المنال الآن، ومؤشرات الحل لم تتضح بعد".
وتابع يقول إن "أمريكا لا تريد الخير لسوريا، وهي تحتل جزءا كبيرا من أراضيها، سواء في دير الزور أو الرقة والحسكة، وبالتالي علينا أن نكون جادين في البحث عن حلول سورية ـ سورية للأزمة، لأن إطالة أمدها يعني تكريسا للتقسيم الذي صنعته واشنطن".
بدوره، أشار الدكتور بسام أبو عبد الله، الباحث في العلاقات الدولية، إلى وجود جمود سياسي في الملف السوري، إلا أنه أشار إلى أن هناك عملا داخليا سوريا لتهيئة الأجواء لمن يريد أن يشارك في الحياة السياسية.
ولفت أبو عبدالله إلى أن هناك جمودا أيضا في ملف اللاجئين السوريين في دول الجوار، مشددا على أن "مستقبل السوريين يجب أن يكون بيدهم".
وأضاف أنه بعد أكثر من 13 عاما من الأزمة، لا يزال هناك ضغط وحصار وعقوبات أمريكية على سوريا، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تحضر لاستصدار قانون جديد لمناهضة التطبيع للضغط على سوريا، وتخريب ما تم إنجازه دبلوماسيا خلال الأشهر القليلة الماضية من انفتاح عربي عليها.
وشهدت سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية، انفتاحا عربيا مع إعادة بعض الدول الخليجية فتح سفارتها في سوريا، واستعادة دمشق مقعدها في الجامعة العربية، ويعول السوريون كثيرا على هذه الخطوات.