غزة 10 مارس 2024 (شينخوا) اعتبر مراقبون فلسطينيون أن قرار الولايات المتحدة الأمريكية إقامة رصيف بحري في غزة لإيصال المساعدات الإنسانية خطوة "مريبة" من شأنها إطالة أمد الحرب المتواصلة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
ووفق المراقبين، لن يحل الرصيف كبديل للمعابر البرية التي يجب أن تدخل من خلالها المساعدات الغذائية والإغاثية الأزمة الإنسانية المعقدة في القطاع.
وأعلنت القيادة المركزية للجيش الأمريكي الليلة الماضية، بحسب ما نشرت الإذاعة العبرية العامة إن "سفينة الجنرال فرانك س" سفينة الدعم اللوجستي التابعة للجيش الأمريكي (LSV-1) قد غادرت قاعدة لانغلي-يوستيس.
وذكرت الإذاعة أن السفينة تحمل "المعدات الأولية لبناء الرصيف المؤقت الذي سيوفر الإمدادات الإنسانية الأساسية" لسكان غزة مع دخول الحرب الإسرائيلية في القطاع الساحلي شهرها السادس.
وتأتي مغادرة السفينة بعد نحو يومين على إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطابه السنوي أمام الكونغرس عن نية إنشاء رصيف بحري في غزة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع عن طريق البحر.
ونقلت الإذاعة العبرية عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن الرصيف البحري المؤقت سيوفر القدرة على استيعاب حمولات مئات الشاحنات الإضافية من المساعدات يوميا.
وأوضح المسؤولون وفقا للإذاعة أن تنفيذ المشروع الكبير "سيتطلب عدة أسابيع للتخطيط والتنفيذ"، وسيشمل ممرا بحريا لجلب المساعدات الإنسانية من جزيرة قبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط.
-- لماذا إقامة الرصيف ؟
رأى الكاتب والمحلل السياسي من رام الله أحمد رفيق عوض أن إقامة الرصيف يحمل عدة أهداف من ضمنها تفكيك منظمات دولية مثل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وتخفيف العبء عن إسرائيل باعتبارها المسؤول عن تدفق المساعدات.
وقال عوض إن بين الأهداف لإقامة الرصيف التنافس الدولي بمعنى أن تتواجد الولايات المتحدة الأمريكية بقوتها في شرق المتوسط لتكون منافسا للقوى الكبرى.
وأضاف أن إقامة الرصيف يجب النظر إليه بكثير من "الريبة و الحذر والشك"، متسائلا "لماذا تقيم الولايات المتحدة هذا الرصيف دون أن تطلب وقف إطلاق النار من إسرائيل وفتح المعابر البرية".
وأجاب عوض قائلا " لا تريد (أمريكا)، وهي شريك في الحرب وفي تغذيتها وتبريرها، والآن عندما تضع رصيفا بحريا إذا هي مع إطالة أمدها".
وتخوض إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي حربا ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة أدت إلى مقتل أكثر من 31 ألف فلسطيني ودمار واسع وأزمة إنسانية.
وجاءت الحرب بعد أن شنت حماس هجوما مباغتا على عدد من القواعد العسكرية والبلدات الإسرائيلية المتاخمة للحدود مع القطاع أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي.
وقال الكاتب والمحلل السياسي من غزة أكرم عطا الله إن إسرائيل منذ سنوات طويلة تبحث في هذا الممر كاستكمال لمشروع فصل غزة ودفعها بعيداً، وجاءت الحرب لتحاول اقتلاع القطاع من جذوره قتلاً وتهجيراً.
وأضاف عطا الله أن الرئيس الأمريكي، الذي كان أضعف من إدخال كيس دقيق لمحافظات شمال القطاع التي تعيش حصارا منذ بدء الحرب، وافقت إسرائيل على مشروعه.
وتابع أن إسرائيل والولايات المتحدة تتعاملان مع الفلسطينيين كمجموعة من "السذج ممسوحي الذاكرة والذين يمكن تبليعهم أي شيء"، في إشارة إلى أن إقامة الرصيف مشروع إسرائيلي قديم طرح قبل أعوام طويلة.
وأوضح أن المشروع كان لإيجاد وسيلة لترحيل سكان القطاع بهجرة طوعية إذا لم تحدث الهجرة القسرية، وقد عملت إسرائيل كل شيء لجعل غزة غير قابلة للحياة ليبحث الناس عن حياتهم خارجها.
وأشار عطا الله إلى أن الممر يعني فصلاً عن الضفة الغربية والوحدة الجمركية والاستيراد والتصدير والتبادل التجاري وفصلاً عن إسرائيل، وهذا ما كانت تسعى له عندما فشلت في احتوائها وفشلت في إلقائها في حضن مصر.
وتأتي خطوة إقامة الرصيف البحري في ظل عدم سماح إسرائيل بتدفق المساعدات الغذائية والإغاثية إلى القطاع الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة عبر المعابر البرية.
وعوضا عن ذلك تقوم دول، من بينها مصر والأردن والإمارات وفرنسا وهولندا والولايات المتحدة منذ أيام بعمليات مشتركة لإسقاط مساعدات غذائية على القطاع.
ويتعرض القطاع لهجمات إسرائيلية مكثفة منذ السابع من أكتوبر الماضي، ما خلق ظروفا إنسانية صعبة، وسط تحذيرات من مؤسسات دولية وأممية من حدوث مجاعة.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة عن وفاة 25 شخصا، غالبيتهم من الأطفال منذ بدء الحرب نتيجة الجوع وسوء التغذية والجفاف، محذرة من أن المجاعة تهدد حياة أكثر 700 ألف فلسطيني في شمال القطاع.
-- الممر مصلحة إسرائيلية
وقال الكاتب والروائي عاطف أبو سيف من غزة، الذي يشغل منصب وزير الثقافة في حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية إن أي ترتيبات تجري و"العدوان" الإسرائيلي على غزة مستعر يعني الإقرار باستمراره والتسليم بأن وقفه أمر آخر لا يمكن الخوض فيه.
ورأى أبو سيف أن العالم يسهل الطريق أمام إسرائيل لمواصلة حربها، فبدلاً من الضغط لوقفها أو لتوفير ممرات إنسانية يقوم بابتداع الوسائل التي تسمح بمواصلة القتال ومواصلة "الجرائم".
ويتفق أبوسيف مع سابقه بأن الممر لم يكن ضمن رؤية لتسهيل الحياة للسكان في غزة كحق طبيعي مثل حق أي شعب في العالم باستخدام بحره للسفر للعالم الخارجي.
وقال إن نفس الدافع الإنساني لتخفيف الضغط عن المدنيين بإدخال الطعام لهم قد يتم استخدامه لتبرير إجلاء المزيد منهم خارج غزة وبالطبع يمكن القول من أجل حمايتهم وأمنهم.
إلى جانب أن أي ترتيبات تتعلق بمستقبل القطاع يجب أن تكون ضمن تصورات سياسية تحدد هذا المستقبل، وليس كردة فعل على واقع إنساني "بائس أنتجته الحرب ولن تكون كل الحلول والتدخلات إلا تعزيزاً لاستمرار الحرب وشرعنة نتائجها"، وفق أبو سيف.