القاهرة 10 مارس 2024 (شينخوا) يصادف اليوم (الأحد) مرور عام على تحقيق المصالحة بين السعودية وإيران عبر وساطة الصين.
وخلال العام الماضي، تغلبت العلاقات السعودية-الإيرانية على الإضطرابات الإقليمية، وحققت مكاسب ملموسة لشعبيهما والمنطقة من وراء السلام.
ولا تجسد هذه المصالحة التاريخية التزام الصين بتحقيق السلام الإقليمي فحسب، ولكنها أيضا تقدم نموذجا في كيفية حل الصراعات عبر الحوار والتفاوض.
واليوم، لا تزال دعوة الصين للسلام تلقى صدى لدى دول الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي يلقي فيه الصراع الطويل بين إسرائيل وحماس بظلاله على استقرار منطقة الشرق الأوسط، تتطلع دول في المنطقة إلى بذل المزيد من جهود صنع السلام للمساعدة في استعادة الهدوء.
ــ "صيغة جديدة للأمن والسلام"
وشكل الصراع بين السعودية وإيران أحد مصادر التوتر الرئيسية في الشرق الأوسط، حيث كان البلدان على خلاف بشأن العديد من القضايا، وانخرطا في صراعات عسكرية بالوكالة من خلال دعم القوى المعارضة في دول مثل اليمن وسوريا.
وفي عام 2016، قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران ردا على الهجمات على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران على خلفية إعدام المملكة لرجل دين شيعي.
ولعبت الصين دور الوسيط من أجل تحقيق الانفراجة في العلاقات بين السعودية وإيران، حيث استفادت من علاقاتها الودية مع البلدين لتسهيل التواصل والحوار بين الطرفين المتناحرين.
وفي 10 مارس 2023، أصدرت السعودية وإيران في بكين بيانا مشتركا مع الصين يعلنان فيه أنهما توصلتا إلى اتفاق يقضي بإعادة فتح سفارتيهما والبعثات الدبلوماسية في غضون شهرين، في خطوة شكلت حدثا بارزا في ذوبان الجليد في العلاقات بين البلدين.
وشكل نجاح الصين في تسهيل المصالحة بين السعودية وإيران حافزا لبزوغ فجر جديد من الانفراج في العلاقات بين دول الشرق الأوسط.
وبعد فترة قصيرة من تحقيق المصالحة، شهدنا تحقيق سلسلة من التطورات الإيجابية في عملية السلام في الشرق الأوسط تشمل عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد تعليق عضويتها لمدة 12 عاما، واستعادة العلاقات الدبلوماسية بين قطر والبحرين، وتحسن العلاقات بين إيران وتركيا ومصر، فضلا عن تراجع التوترات في اليمن.
ولدى سؤاله عن مدى تقييمه لتلك المصالحة التاريخية، قال وانغ يي، مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، إنها "بمثابة انتصار للحوار والسلام".
وقالت الدكتورة نهى بكر، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة: "الاتفاق الذي توسطت فيه الصين لاستعادة العلاقات بين السعودية وإيران يقدم للشرق الأوسط صيغة جديدة للسعي نحو الأمن والاستقرار".
ــ "مزيد من التعمق" في انفراج العلاقات
وخلال العام الماضي، وبناء على المصالحة، حققت المملكة العربية السعودية وإيران اختراقات في التبادلات في مختلف المجالات، بما في ذلك السياسة والاقتصاد.
وفي 6 أبريل 2023، وقع وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إعلانا مشتركا في بكين يتعلق بالاستئناف الفوري للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وبعد أيام فقط من استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، أعلن فرزاد بيلتن، المدير العام لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية لدول غرب آسيا، أن استعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية على المدى القصير ستمكن البلدين من تحقيق مليار دولار أمريكي من التجارة، مع إمكانية التوسع في التبادل التجاري ليصل إلى ملياري دولار على المدى المتوسط.
وفي سبتمبر 2023، وصل السفير الإيراني الجديد لدى السعودية، علي رضا عنايتي، إلى الرياض. وفي اليوم نفسه، بدأ سفير السعودية الجديد لدى إيران عبدالله بن سعود العنزي مهامه الدبلوماسية في طهران.
وفي أكتوبر 2023، أجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أول مكالمة هاتفية على الإطلاق مع ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء محمد بن سلمان آل سعود، لتنسيق مواقفهما بشأن الصراع المشتعل حديثا بين إسرائيل وحماس.
وبعد شهر، وبدعوة من السعودية، وصل الرئيس الإيراني إلى الرياض للمشاركة في قمة عربية إسلامية مشتركة بشأن القضية الفلسطينية، وعقد اجتماعا مع ولي العهد السعودي.
وتشير التفاعلات الوثيقة بين المملكة العربية السعودية وإيران خلال العام الماضي إلى أن "هناك تعمقا أكبر بكثير" في انفراج العلاقات "مما توقعه بعض المحللين قبل عام مضى"، وفقا لما جاء في مقال نشره حديثا جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة جلف ستيت أناليتكس، وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية مقرها واشنطن.
ويرسل البلدان من خلال التطور السريع في علاقاتهما رسالة واضحة إلى العالم الخارجي مفادها أنه يمكن فقط تحقيق السلام المرن عبر المصالحة المرتكزة على الحوار الصادق.
ــ التزام الصين بتحقيق السلام لا يزال يلقى صدى
وفي الوقت الحاضر، فإن تداعيات الصراع بين إسرائيل وحماس وإعاقة بعض الدول لجهود وقف إطلاق النار تشكلان تهديدا خطيرا لمساعي السلام الطويلة الأمد في الشرق الأوسط.
وفي ظل هذه الخلفية، فإن دعوة الصين لحل الصراعات عبر الحوار والدبلوماسية تحمل أهمية أكبر لتعزيز السلام في البلد الذي لا يزال يمزقه الحرب.
وقال عباس أصلاني، الخبير في شؤون السياسة الخارجية لإيران، إنه "بعد مساهمة بكين في المصالحة بين طهران والرياض، كان هناك تصور في المنطقة بأن الصين تسعى إلى خلق وضع إقليمي يمكن أن يتفوق فيه التعاون على المواجهة ويحل محلها".
وأضافت الدكتورة نهى بكر، أن تفاني الصين في تحقيق المصالحة السعودية الإيرانية ونجاحها يتناقض بشكل صارخ مع التدخل الغربي في شؤون الشرق الأوسط، والذي لم يسفر عن تقدم يذكر في دفع عملية السلام.
وأوضحت أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة: "لقد سئم العالم العربي من "العلاقات المشروطة" الغربية... وفي مثل هذا السياق، من المنطقي للدول العربية التي تثق في الصين كشريك مخلص أن تتبنى الدبلوماسية الصينية كنموذج جذاب".
وقال عبد العزيز الشعباني، الباحث السعودي في مركز الرياض للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن نهج الصين في تحقيق الأمن ينسجم مع تطلعات دول الشرق الأوسط للتنمية السلمية، مضيفا أن المصالحة السعودية الإيرانية عززت مفهوم السلام والتنمية كتوافق مشترك في جميع أنحاء المنطقة.
وقال حامد وفائي، الباحث في الشؤون الصينية بجامعة طهران، إن "حل الخلاف السعودي الإيراني هو بمثابة شهادة على مدى فعالية المساعي الدبلوماسية الصينية في تعزيز السلام الإقليمي"، مضيفا "أن رؤية شرق أوسط وعالم أكثر سلاما يتطلب مشاركة المزيد من المساهمين في السلام مثل الصين".