11 مارس 2024/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/ أكد عزت سعد، رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية، أن زمن فرض نمط معين من التحديث على الدول النامية قد ولَّى في ظل التحولات والتغيرات العالمية الهيكلية الجارية، بجانب العزم الشديد لدى الدول النامية للسعي الدؤوب لتحقيق التنمية والازدهار لشعوبها، مع إدراكها لجوانب الاستغلال المختلفة التي مارستها الدول المتقدمة إزائها. وفى المقابل، فإنه ليس أمام الدول المتقدمة سوى احترام هذا النهج، كونه الصورة الوحيدة للتغلب على الأزمات العالمية التي لا تستطيع الدول المتقدمة معالجتها وحدها، فضلاً عن أن تكلفة ممارسة القوة والهيمنة إزاء قطاع عريض من الدول النامية لإجبارها على نمط معين لن يؤدى إلا إلى خسائر هائلة، ولن يفوز فيها أحد.
وقال عزت سعد في لقاء صحفي خاص مع صحيفة الشعب اليومية الصينية مؤخراً، إن عملية التحديث في العالم الغربي قامت في كثيرٍ من جوانبها على معاناة شعوب البلدان النامية. وفى حين عملت الدول المتقدمة على تعزيز نهضتها، رزحت البلدان النامية لعقود تحت المعاناة والتخلف، ولم تكن مساعدات الدول المتقدمة لها أو عمليات إعادة هيكلة الديون كافية لتحقيق نهضة مماثلة فيها.
كما أكد أن السبيل الوحيد لتحقيق التحديث سلميًا هو ضرورة إقامة العلاقات على الاحترام المتبادل ومراعاة المصالح والمنافع المشتركة، واحترام التقاليد الخاصة بكل بلد، ورغبات شعوبها، وخيارها التنموي، وعدم التدخل في شئونها الداخلية.
ويرى عزت سعد، أن النهج الصيني للتحديث السلمي هو بمثابة نموذج مثالي يُحتَذَى به، فهو يأخذ بعين الاعتبار كافة الجوانب الخاصة بعملية التنمية، وما يجب أن تكون عليه هذه العملية في إطار العلاقات بين الدول، حيث تحقيق التنمية والتعاون المربح للجانبين، وتعميق الشراكات العالمية على أساس المساواة والانفتاح والتعاون، بما يسهم في تعزيز السلام. مضيفاً، أن هذه القيم والأهداف هي التي تسعى إليها الدول النامية، التي تعمل على تعزيز صوتها على الساحة العالمية، وأن تُؤخَذ مصالحها ورغبات شعوبها في الاعتبار، وألا تُفرَض عليها إملاءات خارجية، تستهدف تحقيق مصالح أحادية الجانب لطائفة معينة من الدول.
كما يعتقد أن السياسات التي تنتهجها الصين على الصعيد الدولي، فضلاً عن مبادراتها العالمية، تؤكد رؤيتها السلمية تلك، بما يعزز إمكانية خلق مستقبل مشترك للبشرية. فلقد طرحت الصين مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة الأمن العالمي، ونظرية التحديث الصيني النمط، فضلاً عن وساطتها لإنهاء الخلافات، على نحو ما قامت به ارتباطًا بالاتفاق السعودي الإيراني في مارس 2023، لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وكذا مبادرة تسوية الأزمة الأوكرانية. وفى هذا السياق، فإن هذا المسعى الصيني السلمي يعالج شواغل البلدان النامية ويعبر عن تطلعاتها بصدق، في هذه المرحلة الحرجة التي يعيشها العالم، حيث يشهد المجتمع البشري تغيرات وتحديات غير مسبوقة، وتزداد فيها الحاجة للسلام، والتنمية، والأمن، والحوكمة.
هذا بالإضافة إلى أنه من المعهود عن الصين احترام التزاماتها، وتعهداتها، وكونها تحترم رصيد حضارتها العريقة الممتدة لأكثر من خمسة آلاف. وهذا بلا شك يختلف كثيرًا عن الدول الغربية، التي تلهث وراء مصالحها الخاصة، دون أي اعتبار لمصالح الآخرين. ومن ثمَّ، فإن ما قامت به الصين من النص في دستورها على الالتزام بطريق التنمية السلمية، يعزز من مصداقية المبادرات التي تطرحها على الساحة العالمية. ليس أقلها احترام تاريخ وتقاليد مختلف البلدان، المتساوية من حيث المبدأ، بغض النظر عن حجمها، واحترام خياراتها ورؤاها الخاصة في طرق التنمية ونماذج التحديث، مع الحفاظ على استقلالها، دون تبعية أو فرض شروط من الخارج، وبما يتوافق مع مصالح شعوب تلك البلدان، بمختلف طوائفها وعرقياتها، تلك الشعوب التي تستمد منها الحكومات قوتها، وإليها تعود المنافع والفوائد.
ويعتقد أنه لا خلاف على أن منحى التنمية السلمية وثيق الصلة بمسعى خلق مستقبل مشترك للبشرية، بل يكاد يكون هو أساسها الذي يجب أن يرتكز عليه هذا المستقبل المشترك. قائلا:" إذا أخذنا بمبدأ المخالفة، وتصورنا عالمًا لا تزال تُفرَض فيه أساليب وأنماط التنمية من الخارج، دون مراعاة الظروف المتنوعة والمتباينة لبلدان العالم، ودون تقدير لمفهوم الاختلاف، فكيف يمكن لهذا العالم تعزيز نوع من التفاهم والتعاون القائم على المصالح المشتركة والسلام، إلى غير ذلك من المبادئ؟ فلا شك ان ما يفرزه ذلك هو زيادة التوترات والخلافات المعنوية والسياسية والاستراتيجية بين الدول والشعوب على السواء. وفى هذا السياق، يستحيل عمليًا القول بإمكانية بناء مستقبل مشترك للبشرية. "
وخلص قائلاً إنه بناءً على ذلك، وفى ضوء ما ذُكِر أعلاه من سياسات ومبادرات صينية سلمية، تسعى إلى تعزيز التعاون وتحقيق المصالح المشتركة والازدهار الشامل، فيمكن القول بأنها تؤسس لإنشاء عالم مستدام، قائم على أسس رصينة، من بينها الاحترام والمساواة والندِّيَّة والتعاون والتضامن والعدالة والإنصاف في العلاقات الدولية، وعدم التدخل في الشئون الداخلية. كما أن هذا بالطبع سيؤدى لمعالجة أكثر نجاعة وفاعلية للأزمات العالمية التي اجتاحته خلال السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك توفير الاستعداد الملائم للتعاطي مع ما يمكن أن يواجهه العالم في المستقبل. وإنه من هذا المنطلق، يُلاحَظ أن مبادرة مثل الحزام والطريق تجتذب الكثير من الدول للانخراط فيها، إيمانًا بأن المصالح المرجوة منها تعود بالنفع على الجميع. حتى أن كثيرًا من الدول الأوروبية أعلنت انضمامها إليها، الأمر الذي سيؤدى في نهاية المطاف إلى تعزيز التفاهم والتعاون وتوسيع فرص إحداث تنمية عالمية مستدامة.