روابط ذات العلاقة
أحمد سلام، الخبير بالشأن الصيني والمستشار الاعلامي المصري السابق بالصين
احتفل الصينيون في العاشر من فبراير الجاري بأهم الأعياد الصينية - عيد الربيع أو رأس السنة الصينية - حيث ودعت الصين عام الأرنب واستقبلت عام التنين، والذي يرمز الي التغيير والتكيف والقوة والصحة والحظ الجيد (حسب المهتمين بالأبراج الصينية)، ويُعتقد أن مواليد برج التنين يتميزون بقوة الشخصية والثقة بالنفس والذكاء. ويُعد عيد الربيع أهم الاحتفالات التقليدية الصينية، كما يُعرف أيضا بعيد لم شمل الأسرة، حيث تجتمع العائلات والأصدقاء وتُزين جميع الأراضي الصينية وبقع عديدة في كافة دول العالم باللون الأحمر والفوانيس والاضاءات.
ويعتمد التقويم القمري الصيني السنوي على دورات القمر، وتستغرق الدورة الكاملة (60) عاما، وتتكون من (5) دورات مدة كل دورة (12) عاماً. ويُطلق على كل عام من هذه الأعوام الاثنا عشر اسم حيوان. وتبدأ أول الأعوام بعام الفأر ثم يأتي بعدها في الترتيب أعوام الثور والنمر والأرنب والتنين والثعبان والحصان والخروف والقرد والديك والكلب والخنزير.
ويحتل برج التنين المرتبة الخامسة في الأبراج الصينية الاثنى عشر، وقد حل عام برج التنين في السنوات التالية: (2024-2012-2000-1988-1976-1964-1952-1940-1928-1916-1904).
مظاهر الاحتفال بعيد الربيع
يحرص الصينيون على الاحتفال برأس السنة الصينية بمختلف الأشكال والطرق، وتستمر الاحتفالات على مدى أسبوعين، وتمنح الحكومة الصينية المواطنين أسبوع إجازة من العمل بمناسبة العام الصيني الجديد.
وتتنوع أشكال وطرق احتفال الصينيين بعيد الربيع، حيث يقطع ملايين الصينيين آلاف الأميال للعودة إلى ذويهم في كافة المقاطعات للاحتفال مع الأقارب والأهل، وقبل بداية العام بفترة قليلة يحرصون على تنظيف منازلهم للتخلص من أي حظ سيئ. وفي ليلة رأس السنة الصينية تُقام مآدب عائلية تحتوي على الأكلات الشهية، وخاصة الأسماك كنوع من السعادة والبركة، وعروض الألعاب النارية، ويصاحبها عروض التنانين الراقصة.
وينتشر اللون الأحمر في كل مكان، في ديكورات البيوت واللافتتات والفوانيس والملابس، فاللون الأحمر كالألعاب النارية يُخيف الوحوش وفق ما يعتقد الصينيون.
ويبدو لم شمل العائلات الصينية التي تمثل خُمس سكان العالم أمرًا غاية في الأهمية، خاصة في مجتمع صيني حديث، يعيش فيه الآباء والأجداد في القرى والجيل الجديد في المدن الحضارية، ويُعرف هذا الحدث باسم (تشونيان)، أي هجرة الربيع. ويبدأ صراع محموم على شراء تذاكر السفر قبل شهرين على الأقل من موعد الاحتفال.
العالم يشارك الصينيين أعيادهم
ومع ازدياد القوة الناعمة والصلبة الصينية، حيث حققت الصين إنجازات كبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأنها أصبحت الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر دولة في مجال تجارة السلع، فضلا عن كونها موطنا لثاني أكبر عدد من البشر على كوكب الأرض، ولهذه الأسباب ولأهمية دولة الصين والشعب الصيني، جاء اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 ديسمبر عام 2023، قراراً بإدراج عيد الربيع الصيني أو ما يُعرف بالسنة القمرية الجديدة، ضمن قائمة الأعياد الرسمية في الأمم المتحدة، والذي يحتفل به ما يقارب خُمس سكان العالم متوزعين على عدد من الدول. وقد جاء هذا القرار في خطوة تجسد التقدير العالمي لتراث الشعوب وتثميناً للحضارة والثقافة الصينية، التي باتت جزءاً لا يتجزأ من النسيج الثقافي العالمي، ويعكس الأثر العميق للتقاليد الصينية على مستوى العالم. ويُعد عام 2024 هو العام الأول الذى يحتفل فيه الصينيون مع الأمم المتحدة، حيث يحتوي عيد الربيع على مفاهيم ثقافية صينية متنوعة، مثل السلام والوئام والتناغم .. إلخ، كما أنه يحمل أيضا قيما عالمية مشتركة لجميع البشر، مثل اللقاءات والتجمعات الأسرية وتناغم الإنسان مع الطبيعة. وتُعد جهود الصين لتحويل عيد الربيع إلى عطلة في الأمم المتحدة سعيا إلى اتخاذ إجراءات عملية لتحقيق مبادرة الحضارة العالمية وتعزيز احترام تنوع الحضارات العالمية.
شي ومبادرة الحضارة العالمية
وهنا لابد أن أتذكر مبادرة الرئيس الصيني "شي جين بينغ"، والتي طرحها في مارس 2023، وهي "مبادرة الحضارة العالمية"، والتي تهدف إلى استرداد مفاهيم التعايش السلمي ومنع الحروب وتخفيف التوتر االعالمي الحالي. وفي الحقيقة فإنني أرى أنها أشبه بمبادرة للسلم ونداء ضد الحرب ودعوة للتعايش والتعاون بين كافة الأمم، مستدعية تاريخ التسامح الطويل بين الحضارات القديمة. خاصة وأنها تنادي باحترام تنوع الحضارات في العالم، والالتزام بالمساواة والمنفعة المشتركة والتحاور والتسامح بين الحضارات، وتجاوز الفوارق والصراعات بين الحضارات والتفوق الحضاري عبر التواصل والتسامح بين الحضارات والاهتمام بتوارث الحضارات وإبداعها، وتكريس القيمة العصرية لتاريخ وحضارة كافة الدول وثقافاتها بشكل كامل.
كما تدعو المبادرة إلى تعزيز التواصل والتعاون الدوليين في المجال الإنساني والثقافي، والتباحث في بناء شبكة التعاون للحوار بين حضارات العالم، وإثراء مقومات التواصل وتوسيع قنوات التعاون وتعزيز التعارف والتقارب بين شعوب العالم، بما يدفع بتطور الحضارة البشرية وتقدمها.
وفيما سبق، حرصت أن أتعرض لأهم الأفكار التي طرحها الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في سياق مبادرة الحضارات العالمية، والتي أرى في نفس الوقت أننا كمصريين نمتلك مزيجا حضاريا وثقافيا ثريا ومتنوعا، فنحن أبناء حضارة فرعونية وحضارة قبطية وحضارة إسلامية وإرث عربي، لابد أن يحترمه الجميع ونعمل بكل جهد على إحيائه والاحتفاء به في كل أرجاء العالم، كما يُشارك العالم – ومن ضمنه مصر - أيضا الصينيين احتفالهم بعيد الربيع، على المستويين الرسمي والشعبي، ما يعكس نمطا فريدا من التمازج والتعايش الحضاري والتبادل الإنساني بين الشعب الصيني وشعوب العالم أجمع.
وبهذه المناسبة، فإنني أهنئ الشعب الصيني بأعياد الربيع في إطار المحبة والوئام بين شعوب العالم، وفي ضوء ضرورة احترام الحضارات والثقافات المختلفة.