دمشق 4 فبراير 2024 (شينخوا) أكد خبراء ومحللون سياسيون في سوريا أن قرار الولايات المتحدة الأمريكية شن ضربات عسكرية واسعة النطاق على كل من العراق وسوريا للحد من نفوذ إيران في المنطقة يشكل تهديدا كبيرا للسلام في الشرق الأوسط المضطرب بالفعل، ومن المرجح أن يؤدي إلى مزيد من زعزعة استقرار المنطقة وتأجيج الصراع.
وقتل ما يصل إلى 23 مقاتلا مواليا لإيران، بينهم تسعة سوريين، في سلسلة من الهجمات التي نفذتها القوات الأمريكية على معاقل القوات الموالية لإيران في محافظة دير الزور شرقي سوريا ليلة الجمعة الماضية وحتى صباح السبت، وهذا لا يشمل عدد القتلى الذين قتلوا في العراق المجاور، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
ووفقا للخبراء في سوريا، كان من المفترض أن تكون الهجمات الأخيرة ردا على هجوم الطائرات بدون طيار الذي أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في الأردن يوم 28 يناير الماضي، ومع ذلك، تشير هذه الهجمات في الواقع إلى توتر متزايد، ناجم عن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، والهدف المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل هو الحد من نفوذ إيران في المنطقة، إن لم يكن القضاء عليه.
ويكشف الموقف الرسمي في سوريا عن شعور عميق بالاستياء وخيبة أمل عميقة تجاه النهج الأمريكي والسياسات القائمة منذ فترة طويلة في المنطقة، وخاصة في سوريا، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الاحتلال غير القانوني للأراضي السورية من قبل القوات الأمريكية وتورطها المزعوم في انتهاكات مختلفة، تتراوح من المخالفات العسكرية إلى استغلال الموارد والثروات الطبيعية في سوريا.
وكانت وزارة الدفاع السورية أعلنت يوم السبت الماضي عن مقتل عدد من المدنيين والعسكريين وإصابة آخرين بجروح جراء هجوم جوي أمريكي على مواقع وبلدات شرقي سوريا وبالقرب من الحدود مع العراق.
وقالت الوزارة في بيان نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أمس "إن القوات الأمريكية شنت عدوانا جويا سافرا على عدد من المواقع والبلدات في المنطقة الشرقية من سوريا وبالقرب من الحدود السورية ــ العراقية، ما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين والعسكريين وإصابة آخرين بجروح وإلحاق أضرار كبيرة بالممتلكات العامة والخاصة".
وأضاف البيان أن "المنطقة التي استهدفتها الهجمات الأمريكية شرقي سوريا هي ذاتها المنطقة التي يحارب فيها الجيش السوري بقايا تنظيم داعش الإرهابي، وهذا يؤكد أن الولايات المتحدة وقواتها العسكرية متورطة ومتحالفة مع هذا التنظيم، وتعمل لإعادة إحيائه ذراعاً ميدانياً لها سواء في سوريا والعراق بكل الوسائل".
وتابع "أن هذا العدوان ليس له مبرر سوى محاولة إضعاف قدرة الجيش السوري وحلفائه في مجال محاربة الإرهاب".
وكانت وزارة الخارجية السورية قد انتقدت الإدارة الأمريكية بسبب تصرفاتها، واتهمت واشنطن بالمساهمة في عدم الاستقرار العالمي.
وأدانت وزارة الخارجية السورية يوم أمس "هذا الانتهاك الأمريكي السافر".
وقالت الوزارة في بيان "إنها ترفض رفضاً قاطعاً كل الذرائع والأكاذيب التي روجت لها الإدارة الأمريكية لتبرير هذا الاعتداء" الذي "يضاف إلى سجل انتهاكاتها بحق سيادة سوريا ووحدة أراضيها وسلامة شعبها".
واعتبرت أن الولايات المتحدة "تثبت مجدداً أنها المصدر الرئيسي لحالة عدم الاستقرار العالمي، وأن قواتها العسكرية تهدد الأمن والسلم الدوليين عبر اعتداءاتها ضد الدول وشعوبها وسيادتها، وأن ما ارتكبته يصب في تأجيج الصراع في منطقة الشرق الأوسط على نحو خطير للغاية".
ويجمع الخبراء السياسيون في سوريا على أن الهجمات الأمريكية في المنطقة ستزيد من التوتر القائم.
وقال أسامة دنورة، الخبير والمحلل السياسي السوري، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الهجمات الأمريكية الأخيرة تعكس نمطا مألوفا من السلوك من قبل الولايات المتحدة.
وأضاف دنورة أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال تعاني من عواقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، مؤكدا أنه بدلاً من محاولة معالجة الوضع في غزة دبلوماسياً وسياسياً، قامت الولايات المتحدة الآن بتفاقم الصراع، مما يعرض السلام في الشرق الأوسط المضطرب بالفعل للخطر.
وتابع يقول إن "هذه التصرفات تقوض السلام الدولي من خلال إطالة أمد المواجهة في المنطقة وخارجها".
وحول الهجمات في سوريا والعراق، أشار دنورة إلى أن "التصعيد الأخير لا يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع".
وأوضح أن الولايات المتحدة مخطئة بشأن هدفها النهائي والتعامل الحالي مع الوضع، قائلاً إن الهجمات الأمريكية توفر لأولئك الذين يعارضون وجود القوات الأمريكية في سوريا سببا إضافيا لمقاومة وطرد قوات الاحتلال.
وحذر دنورة من أن "الولايات المتحدة ستواجه حتما عواقب أفعالها".
وأكد مجددا أنه " من الحقائق المعروفة أن زرع بذور الإرهاب لا يؤدي إلا إلى مزيد من العنف والتصعيد".
وفي الوقت نفسه، أشار دنورة إلى المستفيدين من مثل هذه الهجمات على الأرض، قائلا إن الهجمات الأمريكية ستفيد عن غير قصد الجماعات الإرهابية مثل تنظيم داعش، وتنظيمات أخرى مماثلة لأن المواقع المستهدفة كانت مسؤولة عن مكافحة فلول تنظيم داعش وتقييد تحركاتهم في سوريا والمنطقة.
وأوضح أن هذه التصرفات توفر فرصة لهذه الجماعات للانتعاش واستعادة السيطرة على المنطقة، حيث كانت تختبئ في السابق وتعمل بحذر.
من جانبه، قال الخبير السياسي محمد العمري، إن الأهداف التي تسعى واشنطن لتحقيقها من خلال هذا العمل العدواني هي نفسها تماما تلك التي حددتها إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة قبل أشهر من حيث محاولة قصف قطاع غزة، وإنهاء وجود مجموعة غير مرغوب فيها.
واتفق العمري مع دنورة على أن هذا العمل يهدف إلى توريط العراق في صراعات سياسية داخلية بين مختلف مكوناته، وبالتالي نشر الفوضى وزرع بذور الفتنة في ذلك البلد الذي لم يتعاف بعد من غزو عام 2003، مضيفا إن " ذلك يخلق أيضًا مناخا ملائما لتوسع تنظيم داعش".
وتعليقا على إعلان الولايات المتحدة إرسال قاذفات من أراضيها لتنفيذ الهجمات، قال العمري إن مثل هذا الإعلان يحمل دلالات متعددة، أولاً، إنها محاولة لاستعادة صورة وهيبة الولايات المتحدة، خاصة بعد الهجوم الأخير في الأردن، ثانياً يظهر رغبة واشنطن في تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، واستخدام هذه القاذفات كرادع ضد أي تصعيد محتمل. وأخيرا، يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى النأي بنفسه عن اتهامات الجمهوريين بأنه أضعف رئيس في التاريخ الأمريكي.
كما حذر الخبير السوري العمري من أن "هذا العمل العدواني وضع المنطقة في حالة شديدة التقلب، مما جعلها تقترب بشكل خطير من أن تشبه نسخة مصغرة من الحرب الباردة، نحن الآن على بعد خطوة واحدة فقط من المواجهة المباشرة، وأي سوء تقدير يمكن أن يدفعنا إلى الحافة".
ومن جانبه أكد طلال اسيكف، وهو كاتب وباحث سوري أن الضربات الجوية على سوريا ستعمل بكل تأكيد على تأجيج الصراع في المنطقة، لجعلها ساخنة دائمة، بغية إطالة امد الحرب في سوريا وإبعاد الحل السياسي في سوريا.
وقال الكاتب السوري اسيكف إن "الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس، والضربات التي تتلقاها الولايات المتحدة الأمريكية من جماعات موالية لإيران، ستجعل الولايات المتحدة تكرر ضرباتها الجوية على المواقع "، مشيرا إلى أن أمريكا بحاجة الى ذريعة من أجل تأجيج الصراع.