الدوحة 28 ديسمبر 2023 (شينخوا) لم يكن عام 2023 إلا عاما للدبلوماسية القطرية بامتياز، إذ توسطت الدوحة بنجاح في ملفات إقليمية ودولية مهمة واستضافت أحداثا بارزة، فيما سعت إلى تمتين علاقاتها الخليجية وتعزيز ريادتها في مجال الطاقة.
-- دبلوماسية نشطة ووساطات ناجحة
وترتكز سياسة قطر الخارجية على مجموعة من المبادئ الرامية إلى ترسيخ التعاون الدولي وتشجيع الحل السلمي للنزاعات، وتؤمن قطر بقوة الدبلوماسية والحوار في حل الصراعات، ولها سجل حافل في الوساطة، وفق مكتب الإعلام الدولي لدولة قطر.
وفي إطار هذه السياسة، أعلنت الدوحة في أغسطس أنها لعبت دورا محوريا وأساسيا في تيسير مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران أسفرت عن اتفاق لإطلاق سجناء من الجانبين والإفراج عن ستة مليارات دولار من الأرصدة المجمدة لطهران في الخارج. وفي الشهر التالي جرى تنفيذ هذا الاتفاق الذي تم بوساطة قطرية.
وفي أكتوبر الماضي برز الدور القطري مجددا مع اندلاع الحرب المتواصلة في قطاع غزة بين الفصائل الفلسطينية المسلحة وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجيش الإسرائيلي، إذ أصبحت الدوحة قبلة المسؤولين الزائرين من المنطقة والعالم.
ونجحت قطر بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة في نوفمبر في التوسط للتوصل إلى هدنة مؤقتة دامت أسبوعا بين إسرائيل وحماس، جرى خلالها إطلاق سراح 86 محتجزا إسرائيليا من النساء والأطفال و24 محتجزا أجنبيا في غزة مقابل دفعات من الأسرى الفلسطينيين وإدخال مساعدات إلى القطاع المحاصر.
وخلال أكتوبر وديسمبر، أعلنت الدوحة أنها قامت بدور الوسيط بين الحكومتين الروسية والأوكرانية وسهلت عملية لم شمل عدد من الأطفال الأوكرانيين بعائلاتهم في أوكرانيا.
واستمرارا للدبلوماسية القطرية النشطة، أعلنت الدوحة في ديسمبر نجاح وساطتها بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا لتبادل عدد من السجناء من الطرفين، وذلك في إطار وساطة أشمل لمعالجة القضايا العالقة بين البلدين.
وقال تانر مانلي الباحث المساعد في برنامج الصراعات والتحولات التابع لمجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، ومقره الدوحة، في مقال نشره مؤخرا "تحظى قطر باهتمام عالمي كبير لدورها في التفاوض على إطلاق سراح رهائن احتجزتهم حركة حماس بعد الهجوم الذي شنته على إسرائيل في 7 أكتوبر".
وأضاف مانلي أن قطر "وسعت في الآونة الأخيرة جهودها الدبلوماسية لأبعد من حدود منطقتها، ووصلت إلى أمريكا اللاتينية، حيث تتسع قنواتها الاقتصادية والدبلوماسية".
-- استضافة فعاليات وأحداث بارزة
استهلت قطر نشاطها عام 2023 باستضافة مؤتمر الأمم المتحدة الخامس المعني بأقل البلدان نموا في مارس، والذي أفضى إلى تعهدات مالية تزيد على 1.3 مليار دولار لصالح هذه البلدان، وافتتحت بيت الأمم المتحدة في الدوحة بهدف توحيد عمل المنظمة إقليميا وخارجيا وتسهيل التعاون بينها وبين قطر.
وفي مايو، استضافت الدوحة مؤتمرا دوليا بشأن أفغانستان برعاية الأمم المتحدة غابت عنه سلطات حركة طالبان، وناقش سبل تعزيز الاستقرار والعمل متعدد الأطراف في أفغانستان والتحديات التي تواجه العمل الإنساني وتعوق وصول المساعدات إلى الشعب الأفغاني.
ثم عادت واستضافت في يوليو لقاءات بين مسؤولين من حركة طالبان الأفغانية ووفد أمريكي ناقشوا خلالها بناء الثقة ورفع العقوبات وإلغاء القوائم السوداء وتحرير الأصول المالية الأفغانية المجمدة وقضايا حقوق الإنسان، بحسب تصريحات مسؤولين في الحركة.
وعودة للملف الإيراني، استضافت الدوحة في يونيو لقاء إيرانيا أوروبيا بشأن مسألة إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، ثم أكدت وزارة الخارجية الإيرانية في يوليو أن قطر وسلطنة عمان تلعبان دور الوساطة بين أطراف الاتفاق النووي لعودة الجميع إلى الاتفاق.
وفي الشأن العربي، احتضنت الدوحة اجتماعين للمجموعة الخماسية الخاصة بكل من الصومال ولبنان في يونيو ويوليو على التوالي، أكد الأول دعم الحكومة الصومالية لتحقيق الاستقرار وبناء القدرات، ودعا الثاني إلى التزام أعضاء البرلمان اللبناني بمسؤولياتهم الدستورية والشروع في انتخاب رئيس للبلاد، وناقش خيارات اتخاذ إجراءات ضد المعرقلين لإحراز تقدم في هذا المجال.
وفي أكتوبر افتتحت قطر معرض إكسبو الدوحة للبستنة 2023 الذي يعد أول معرض دولي للبستنة في البلاد والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بمشاركة أكثر من 80 دولة ومنظمة غير حكومية من أنحاء العالم.
وقال المحلل السياسي صدام الإبراهيم لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه "بفضل مواردها الضخمة من الغاز، تبنت قطر سياسة خارجية نشطة مع المحافظة على توازن دقيق في العلاقات الإقليمية والدولية، ومنح هذا قطر قوة ناعمة وعزز مكانتها الدولية في استضافة الأحداث المهمة ولعب أدوار بارزة، ومكنها من أن تكون على رادار عملية صنع القرار الإقليمي والدولي".
-- قطار المصالحة الخليجية يواصل المسير
وخلال العام 2023، استمر قطار المصالحة الخليجية بالمضي قدما لتمتين العلاقات القطرية السعودية بالزيارات رفيعة المستوى والاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، مع دخول كل من البحرين والإمارات على الخط.
فقد أقرت لجنة المتابعة القطرية- البحرينية خلال اجتماع في الرياض في أبريل إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، ثم جرى في مايو استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين المتوقفة منذ الأزمة الخليجية.
وفي يوليو، أصدر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قرارا بتعيين أول سفير لدى الإمارات منذ الأزمة الخليجية وذلك بعد حوالي شهر من قرار البلدين استئناف التمثيل الدبلوماسي بينهما. وسلم السفيران الإماراتي والقطري أوراق اعتمادهما لدى الدوحة وأبوظبي في سبتمبر وأكتوبر على التوالي.
وفي ديسمبر، عقدت الدورة الـ 44 للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي بالدوحة لأول مرة منذ اندلاع الأزمة الخليجية عام 2017، كما كانت المرة الأولى التي يزور فيها العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة قطر منذ اندلاع الأزمة وإعلان المصالحة الخليجية في قمة العلا التاريخية عام 2021.
-- الشأن الداخلي
على الصعيد الداخلي كانت أبرز الأحداث خلال هذا العام، إصدار أمير قطر في مارس أمرا بقبول استقالة رئيس مجلس الوزراء الشيخ خالد بن خليفة آل ثاني وتعيين وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني خلفا له وإعادة تشكيل مجلس الوزراء، ثم إجراء انتخابات المجلس البلدي المركزي في يونيو.
وتعزيزا للريادة في مجال الطاقة، أرست قطر في مايو عقودا بقيمة 10 مليارات دولار لتوسعة حقل الشمال للغاز، ولاحقا وضع أمير البلاد في أكتوبر حجر الأساس لمشروع التوسعة الذي سيرفع الطاقة الإنتاجية للبلاد من الغاز من 77 مليون طن سنويا حاليا إلى 126 مليون طن سنويا بحلول عام 2026.
وقال وزير الدولة لشؤون الطاقة سعد بن شريدة الكعبي إن هذه التوسعة الكبيرة تمثل قفزة نحو ريادة قطر في مجال الطاقة، وستساهم بإضافة 48 مليون طن سنويا إلى إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية.
وفيما تشير تقديرات المحللين إلى أن الموازنة العامة للعام 2023 تتجه لتحقيق فائض قوي يتخطى 50 مليار ريال (الدولار يساوي 3.64 ريال تقريبا) بعد تسجيل الفائض 41.7 مليار ريال خلال تسعة أشهر، اعتمدت قطر في ديسمبر الموازنة العامة لعام 2024.
وبحسب وزير المالية القطري علي الكواري، تبلغ الإيرادات المتوقعة للموازنة 202 مليار ريال وإجمالي الإنفاق 200.9 مليار ريال مع التزام الدولة بسداد نحو 7.3 مليار ريال من مستحقات الدين العام، ما يجعل العجز يقدر بحوالي 6.2 مليار ريال، والذي ستتم تغطيته من فوائض عام 2023.