غزة 27 ديسمبر 2023 (شينخوا) شهدت الأراضي الفلسطينية تصعيدا ميدانيا غير مسبوق منذ بداية عام 2023 انتهى بحرب إسرائيلية واسعة النطاق على قطاع غزة توصف بأنها أشد مراحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دموية.
وألقى الفلسطينيون باللائمة على تركيبة حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي وصفت بأنها الأكثر يمينية على الإطلاق في إسرائيل، وحذروا مبكرا من تدهور غير مسبوق في الأوضاع الميدانية.
وسرعان ما انعكس هذا التدهور على الأرض، إذ بحسب إحصائيات فلسطينية رسمية، قتل أكثر من 200 فلسطيني في حوادث توتر شبه يومية في الضفة الغربية وشرق القدس في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023.
وشكلت أرقام قتل وجرح الفلسطينيين ومعدلات مصادرة الأراضي الفلسطينية والتوسيع الاستيطاني في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023 الأعلى منذ سنوات، بحسب الأمم المتحدة.
ووفق بيانات حركة ((السلام الآن)) اليسارية الإسرائيلية، فإن الحكومة الإسرائيلية دفعت خلال عام 2023 مخططات لبناء نحو 15 ألف وحدة استيطانية في الضفة الغربية.
وكانت الحكومة الإسرائيلية أعلنت أن التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية أولوية لها، وسلمت الصلاحية في قرارات الاستيطان لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش الأمر الذي قوبل بانتقادات فلسطينية شديدة.
ــ جولات متفرقة من التصعيد
في مايو 2023، شنت طائرات حربية إسرائيلية سلسلة غارات على قطاع غزة، استمرت 5 أيام وأدت إلى مقتل 34 فلسطينيا بينهم عدد من قيادات حركة الجهاد الإسلامي التي ردت بإطلاق رشقات صاروخية باتجاه مدن إسرائيلية.
بموازاة ذلك، ظلت مدينة جنين ومخيمها في شمال الضفة الغربية بؤرة ساخنة طوال 2023 بسبب تكرار الاقتحامات الإسرائيلية أكثر من 15 مرة، وأدت إلى مقتل أكثر من 150 فلسطينيا من جنين ومخيمها.
وبرز خلال عام 2023 شن الجيش الإسرائيلي هجمات بطائرات مسيرة على جنين ومخيمها بينها استهداف مسلحين فلسطينيين وقصف منازل وذلك لأول مرة منذ سنوات طويلة.
وشنت إسرائيل عمليات عسكرية تتضمن مداهمة غالبية مدن الضفة الغربية بشكل أسبوعي تقريبا بهدف ملاحقة خلايا فلسطينية مسلحة تقول إنها مسئولة عن شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية.
وبحسب معطيات إسرائيلية رسمية، قتل 35 إسرائيليا خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2023 في هجمات فلسطينية في الضفة الغربية وداخل إسرائيل، وهو الرقم الأعلى منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000.
وفي مقابل توتر ميداني، واجهت السلطة الفلسطينية سلسلة تعقيدات في مقدمتها غياب أفق لاستئناف المسار السياسي، والضائقة المالية نتيجة الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال الضرائب الفلسطينية التي أدت إلى سلسلة إضرابات شلت قطاعات حيوية في الضفة الغربية لعدة أشهر.
وجاء ذلك رغم انعقاد اجتماعات خماسية ضمت السلطة الفلسطينية وإسرائيل والأردن ومصر والولايات المتحدة في العقبة الأردنية في فبراير ثم في شرم الشيخ المصرية في مارس الماضيين، بغرض التوصل إلى تفاهمات مشتركة لتهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
وفي حينه، أكدت إسرائيل والسلطة الفلسطينية استعدادهما المشترك والتزامهما بالعمل الفوري لوقف الإجراءات أحادية الجانب بما في ذلك وقف التوسع الاستيطاني، غير أن ذلك لم يجد طريقه للتنفيذ على الأرض.
ــ نقطة التحول الأكبر
جاء السابع من أكتوبر ليشهد الانفجار الذى يعد الأكبر في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إثر تنفيذ حركة حماس لهجوم غير مسبوق في جنوب إسرائيل، ما شكل نقطة فارقة في أحداث عام 2023.
إذ أطلقت حماس فجر اليوم المذكور مئات القذائف الصاروخية بالتزامن مع دخول مئات من مقاتليها مواقع عسكرية للجيش الإسرائيلي وبلدات في غلاف غزة.
وأدى هجوم حماس إلى مقتل 1200 إسرائيلي واحتجاز 240 آخرين بينهم أجانب في قطاع غزة، بحسب السلطات الإسرائيلية.
وردا على ذلك، أعلنت إسرائيل حالة الحرب لأول مرة منذ 50 عاما، وشرعت بشن هجمات جوية مكثفة على قطاع غزة بهدف القضاء على حماس وتحرير المحتجزين الإسرائيليين.
وفي نهاية أكتوبر، بدأ الجيش الإسرائيلي مناورات برية واسعة النطاق في قطاع غزة فيما أدت الحرب حتى الآن إلى مقتل نحو 21 ألف فلسطيني وفقدان آثار آلاف آخرين فضلا عن تدمير هائل في المنازل والبني التحتية في القطاع.
وبموازاةرصاص الجيش الإسرائيلي ومستوطنين واعتقال نحو 4785 آخرين.
ــ صواعق الحرب في غزة، تصاعدت أحداث التوتر في الضفة الغربية التي شهدت منذ السابع من أكتوبر مقتل 205 فلسطينيين بالتفجير
يقول الدبلوماسي نبيل عمرو مندوب فلسطين السابق لدى الجامعة العربية لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن عام 2023 شهد تناميا في صواعق التفجير بسبب ممارسات الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.
ويوضح عمرو أنه بينما اتسمت جبهة غزة بالهدوء على مدار 10 أشهر، شهدت الضفة الغربية والقدس تصعيدا يوميا كان ينبئ بانفجار شامل قادم وهو ما تمثل بأحداث السابع من أكتوبر.
ويرى عمرو أن حرب غزة المستمرة تشكل علامة فارقة في فلسطين لأعوام مقبلة وتحولا في المنطقة ككل، لافتا إلى أن القضية الفلسطينية أعادت إلى الواجهة بقوة وأحيت الحديث عن أهمية حل الدولتين وضرورة فتح المسار السياسي بعد سنوات من غيابه.
ويشدد على أن ما جرى عام 2023 لاسيما الحرب في غزة يجب أن تقرب الفلسطينيين من إقامة دولة مستقلة لهم وإلا سيظل الشرق الأوسط في حالة حروب متصلة.
كما يؤكد عمرو أن عدم استمرار أفق جدي لحل القضية الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه يبقي الشرق الأوسط أمام خطر حرب إقليمية وقد يكون هناك بين وقت وآخر حروب تعصف باستقرار المنطقة.
ــ الآلية الدولية المطلوبة
أثبتت أحداث عام 2023 وحرب غزة مجددا أن المطلوب هو السلام والاستقرار وآلية دولية تدفع لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لضمان استقرار المنطقة، بحسب مدير مركز مسارات للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري.
ويقول المصري إن طبيعة تشكيلة الحكومة الاسرائيلية وعمليات القتل والتدمير وتوسيع الاستيطان والاعتداءات على المقدسات وتشديد حصار غزة جميعها عوامل دفعت لتصعيد العنف وتغييب فرص السلام.
ويضيف أن ما جرى في عام 2023 سيسجل كمحطة نوعية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا سيما وقد ظهرت فيها إسرائيل كقوة عادية قابلة للهزيمة مليئة بالاختراقات ونقاط الضعف.
ويتابع أن ما جرى بالغ الأهمية استراتيجيا ويضع مليون علامة سؤال حول مكانة إسرائيل الاستراتيجية وحول قوة الردع الإسرائيلي ومستقبلها حال استمرار رفضها استحقاقات السلام الشامل مع الفلسطينيين.
كما يبرز المصري أن حرب غزة سيكون لها تبعات قوية وانعكاسات على الخريطة السياسية الفلسطينية، بحيث إن هناك قوى سوف تتراجع وقوى تتقدم وهو أمر سيتوقف على النتيجة النهائية للحرب لكن المقدمات تشير إلى الخارطة الجديدة.
ويشدد على ضرورة شروع القيادة الفلسطينية في مراجعة مواقفها وتوحيد الصف الداخلي الفلسطيني باعتبار أن الوحدة الوطنية هي ضرورة وليست مجرد خيار لتحقيق الأهداف والحقوق الوطنية الفلسطينية