غزة 14 ديسمبر 2023 (شينخوا) يرى مراقبون فلسطينيون أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تواجه أشد التحديات في تاريخها مع تصاعد صراعها مع إسرائيل في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
ويصادف اليوم (الخميس)، الذكرى السنوية الـ36 لانطلاق الحركة التي تخوض مواجهة دموية هي الاعنف على مدى السنين الماضية مع إسرائيل التي أعلنت إصرارها القضاء على الحركة وتقويض حكمها في قطاع غزة منذ العام 2007.
ومنذ 69 يوما تشن إسرائيل حربا واسعة النطاق ضد حماس في قطاع غزة تحت اسم "السيوف الحديدية" خلفت نحو 19 ألف قتيل فلسطيني وعشرات آلاف آخرين بين مفقودين وجرحى.
وأسفرت الحرب عن أزمة إنسانية شاملة لسكان قطاع غزة وتدمير واسع النطاق وضخم في القطاع بما في ذلك المنازل وكافة مرافق البني التحتية بتقديرات تصل إلى 60 %، بحسب الأمم المتحدة.
وبدأت الحرب بعد أن شنت حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أسمته "طوفان الأقصى"، أودى بحياة أكثر من 1200 إسرائيلي واحتجاز 240 آخرين (ما زال 136 منهم محتجزين حاليا)، وفق السلطات الإسرائيلية.
تحديات عسكرية وسياسية
ويقول المحلل السياسي أحمد رفيق عوض أن حماس تواجه تحديات عسكرية وسياسية متعددة ومركبة وغير مسبوقة منذ هجوم السابع من اكتوبر ورد الفعل الاسرائيلي واسع النطاق للقضاء على الحركة.
ويقول عوض لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن هذه التحديات تتمحور حول قرار إسرائيلي وبدعم أمريكي بشطب الحركة من المشهد السياسي الفلسطيني وإنشاء إدارة محلية جديدة تقود مستقبل غزة، مما يجعل حماس تقاتل أكثر دفاعا عن وجودها.
ويرى عوض أن حماس احتفظت بسيطرتها المطلقة على قطاع غزة وراكمت تطوير قدراتها العسكرية خلال جولات متفرقة من الصراع مع إسرائيل لكنها هذه المرحلة أمام المواجهة الأكبر والأخطر.
وجرى الإعلان عن انطلاقة حماس لأول مرة رسميا في مثل هذا اليوم العام 1987، كامتداد لجماعة الإخوان المسلمين، وتبنت الحركة منذ ذلك الوقت هدف تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ورفضت وما تزال الاعتراف بوجود إسرائيل.
وتعرضت الحركة لضربات كبيرة وشديدة شملت اغتيال واعتقال كبار قادتها وبنيتها التنظيمية ومؤسسات محسوبة عليها سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية.
وبسبب هذه الضربات فازت الحركة العام 2006 بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية في أول مشاركة لها، لتشكل منفردة حكومة تحت مظلة السلطة الفلسطينية التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومنذ ذلك الحين ضرب الانقسام في الهيكل التنظيمي السياسي الفلسطيني وفرضت إسرائيل حصارا مطبقا على قطاع غزة.
وفي منتصف العام 2007 قادت حركة حماس انقلابا على أجهزة السلطة الفلسطينية في قطاع غزة وسيطرت بالقوة على مؤسساته الأمر الذي عمق الانقسام الفلسطيني الداخلي.
ومنذ العام 2008 حتى العام 2021 اندلعت 4 مواجهات عسكرية عنيفة بين إسرائيل والحركة الإسلاميّة في قطاع غزة إلى جانب العديد من جولات التوتر المتقطعة.
نقاط القوة والضعف
ويقول عوض إن الزخم التاريخي الذي حظيت به الحركة وتطور قدراتها العسكرية السريع جعل إسرائيل تشعر بخطورة استمرارها مما انعكس على الضربات القوية التي نفذتها إسرائيل في القطاع.
وأضاف أن حماس تعلم أن المواجهة الحالية "تحديا هو الأخطر" منذ تاريخها يتعلق بوجودها وقوتها مستقبلا لكنها تعول في هذا الصراع من أجل البقاء على عدة نقاط قوة أبرزها شعبيتها في داخل الأراضي الفلسطينية والخارج.
ويشير عوض إلى أن من نقاط قوة حماس قدرتها على الصمود عسكريا أمام إسرائيل وإلحاق خسائر بجيشها وهي ما تزال موجودة في قطاع غزة رغم أنها تتكبد خسائر كبيرة وغير مسبوقة.
ويضيف أن حماس هي جزء من محور إقليمي يحتويها ويدعمها ويمد لها يد المساعدة وشريان الحياة حتى لا تموت تماما ولها علاقات إقليمية تأمل أن تساندها في هذا الصراع.
وعلى الرغم من ذلك يرى عوض أن حماس تبدو في أزمة سياسية ولديها نقاط ضعف كونها محاصرة وتواجه قوة عسكرية إسرائيلية شديدة في ظل اختلال ميزان عسكري كبير بين الطرفين.
ويخلص عوض إلى أن تدمير البنية التحية وخسارة أعداد كبيرة من مقاتليها سيؤدي في النهاية إلى ضعفها وخسارة سيطرتها على قطاع غزة لكنه استبعد القضاء عليها تماما أمر كونها جزء من النسيج الإجتماعي الفلسطيني.
صراع وجودي
ويؤكد المحلل السياسي عصمت منصور على أن حماس تجابه امتحان حقيقي وتحدي وجودي هو الأصعب في تاريخها وسيؤثر على مسيرتها لفترات زمنية طويلة قادمة لا سيما ما يتعلق بشرعية تعاملها مع أطراف خارجية.
ويقول منصور لـ((شينخوا)) إن القرار الأمريكي الإسرائيلي والأوروبي بالقضاء على حماس في قطاع غزة يجعلها معرضة للزوال والملاحقة وعدم الاعتراف بها في العالم وهذا سيؤدي إلى تأثير كبير على نشاطها وقوتها.
ويضيف أن المسألة باتت تتعدى إسقاط حكم حماس في غزة والذي أصبح بحكم الأمر الواقع، إذ أن الحركة لا تستطيع العودة لحكم القطاع بعد التدمير الضخم الذي أحدثته إسرائيل والخراب الكبير الحاصل حاليا.
ويشير إلى أن إعمار غزة في مرحلة ما بعد الحرب وتوفير الدعم الدولي اللازم لذلك سيكون مرهونا بوجود جهة حاكمة مقبولة ومتوافق عليها وهو أمر لا ينطبق في الواقع على حماس.
وفي خضم المعارك الميدانية في قطاع غزة، ظهر اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في خطاب الليلة الماضية، ليعرب عن استعداده لمناقشة أية ترتيبات ومبادرات مع إسرائيل يمكن أن تفضي لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب على قطاع غزة.
وحاول هنية خلال حديثه إغلاق الطريق أمام أي مبادرات سياسية دولية تستبعد حركة حماس من المشهد.
وقال هنية "إن أي رهان على ترتيبات في غزة دون حماس وفصائل المقاومة هو وهم وسراب".
ويرى مراقبون فلسطينيون أن حديث هنية لا يعني بالضرورة أن تكون حماس عنوان سياسي رئيسي في حكم غزة وانها قد تقبل أن تكون جزء من هذا العنوان في ظل تحديات الواقع الجديد والدمار الذي أحدثته الحرب على حياة أكثر من 2.3 مليون فلسطيني.
ويعتقد المحلل السياسي عصمت منصور أن حماس في هذا الموقف ربما تعتقد أنها ما زالت تعول على صمودها وقوتها وقدرتها على المضي في المواجهة الميدانية، فضلا عن وجود محتجزين إسرائيليين لديها بينهم ضباط وجنود وستسعى لاستغلال هذه المسألة والمساومة عليها لإبرام صفقة تبادل والتفاهم على مكانتها في غزة واعتراف العالم بها.
لكنه في الوقت ذاته، يشدد على أن صراع حماس يتجاوز حاليا تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية مرحلية إلى صراع وجودي لا سيما أن ثقلها التنظيمي الموجود في غزة أصبح مهددا أكثر من أي وقت مضى.
من جهته، استبعد المحلل السياسي هيثم ضراغمة قدرة إسرائيل على شطب حركة حماس أو غيرها من الفصائل الفلسطينية.
وقال إن إسرائيل والمجتمع الدولي عادة يحاولون بشتى الطرق إطفاء شعلة مقاومة الاحتلال ولم ينجحوا ففي كل مرة ينتفض الشعب الفلسطيني من جديد جيلا بعد جيل ليطالب بحقوقه واستقلاله.
وأضاف أنه طالما بقي هذا الاحتلال ولم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة فعلى إسرائيل والعالم أن ينتظر المواجهة القادمة.