عقد مجلس الأمن اجتماعا رفيع المستوى بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في 29 نوفمبر، بمبادرة من الصين، التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الشهر، وقد ترأس الاجتماع وزير الخارجية الصيني وانغ يي. واصدرت وزارة الخارجية الصينية في 30 نوفمبر، "ورقة موقف الصين عن تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي". وفي لحظة حرجة حيث يقوم الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت، فإن هذه السلسلة من الجهود المتواصلة لا تعكس تحمل الصين مسؤوليتها في التغلب على الصعاب والتقدم من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط على الرغم من الصعوبات فحسب، ولكنها ستلعب أيضا دورا هاما وبناء في إعادة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى مسار التسوية السياسية.
ويرى ليو تشونغ مين، الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، أن "ورقة الموقف" الصادرة عن الصين لا تركز على القضايا الملحة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحالي فحسب، ولكنها تركز أيضا على المبادئ الأساسية من أجل التسوية السياسية المستقبلية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، مما لا شك فيه أن لها أهمية عملية وأهمية أخلاقية:
أولاً، إن تعزيز وقف إطلاق النار الشامل ووقف الحرب، وحماية المدنيين بشكل فعال، وضمان الإغاثة الإنسانية هي الطرق الأساسية لإنهاء الصراعات العنيفة في أقرب وقت ممكن وتجنب توسع الكوارث الإنسانية. ومنذ اندلاع الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، دفع الشعب الفلسطيني في غزة ثمنا باهظا، إذ أودى بحياة أكثر من 15 ألف شخص، وشرد ما يقرب من مليوني سكان غزة، وتضررت البنية التحتية في المجتمعات والمستشفيات والمدارس بغزة تدميرا مدمرا، وغرق قطاع غزة في أزمة إنسانية خطيرة. وبعد اندلاع الصراع، دعت الصين باستمرار إلى وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء الحرب في مناسبات متعددة وبطرق مختلفة لمنع توسع الصراع وضمان سلامة وتدفق قنوات الإغاثة الإنسانية بشكل سلس. ولقد أثبتت الممارسة أن العمليات العسكرية التي شنتها إسرائيل لأكثر من شهر لم تحقق الهدف المتمثل في إنقاذ الرهائن، بل على العكس من ذلك، كان وقف إطلاق النار المؤقت الذي تم التوصل إليه من خلال المفاوضات هو الذي مكّن من تبادل الرهائن. لذلك، فإن "الحوار والتفاوض هما الخيار الأفضل لإنقاذ الأرواح والطريقة الأساسية لحل النزاعات".
ثانياً، إن زيادة الوساطة الدبلوماسية والسعي إلى حل سياسي هو السبيل الوحيد لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بشكل كامل في المستقبل. منذ اندلاع الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وبسبب عرقلة بعض الدول، تم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد العديد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تتوسط في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. وفي "ورقة الموقف"، أكدت الصين بشكل خاص على أنه ينبغي لمجلس الأمن أن يقوم بدور الوساطة، وأن يولي اهتماما لدور البلدان الإقليمية والمنظمات الإقليمية، وأن يدعم جهود الوساطة التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة والأمانة العامة للأمم المتحدة، وأن يلعب بشكل مشترك بدور بناء في تعزيز تهدئة الأزمة. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد الصين بشكل خاص على أهمية إنشاء آلية دولية أكثر موثوقية بشأن القضية الفلسطينية.
ثالثاً، إن الجهود التي تبذلها الصين حاليا لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي هي استمرار لسياسة الصين طويلة الأمد تجاه فلسطين. وفي مواجهة الوضع الخطير لتهميش القضية الفلسطينية، طرحت الصين سلسلة من السياسات والمقترحات لحماية ودعم الحقوق الوطنية الفلسطينية، وبذلت جهودا متواصلة لتعزيز التسوية السياسية للقضية الفلسطينية. ولقد أكدت الصين دائما على أن فلسطين هي "القضية الجذرية للسلام في الشرق الأوسط"، وتدعو إلى إيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية من خلال "حل الدولتين". وقد دافعت الصين عن هذا الحل وعززته بنشاط من خلال الآليات الثنائية والمتعددة الأطراف. وفي الوقت نفسه، قدمت لفلسطين مرارا وتكرارا المساعدات الاقتصادية والمساعدات الإنسانية الطارئة من أجل تنمية الاقتصاد الفلسطيني وتحسين معيشة شعبه.
وقد حظي الاجتماع رفيع المستوى بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي اقترحته الصين و"ورقة موقف الصين" باعتراف كبير من قبل أكثر من 20 دولة مشاركة والمجتمع الدولي، وذلك لسببين رئيسيين:ـ
أولاً، إن وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب لا يخدم مصالح فلسطين وإسرائيل فحسب، بل هو أيضا مطلب مشترك لدول المنطقة والمجتمع الدولي.
لقد دامت الجولة الجديدة من الصراع ما يقرب من الشهرين، ولم تفشل الجولة الجديدة في تمكين إسرائيل وحماس من تحقيق أهدافهما فحسب، بل على العكس من ذلك، سقط الجانبان في صعوبات غير مسبوقة. ويمكن ملاحظة أن من مصلحة كل من فلسطين وإسرائيل وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب وحل النزاعات والخلافات من خلال المفاوضات.
بالإضافة إلى ذلك، أصبح تحقيق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب بين فلسطين وإسرائيل طموحاً مشتركاً لدول الشرق الأوسط، وهو ما انعكس بشكل ملموس في قرار القمة العربية الإسلامية في 11 نوفمبر.
كما أدى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى تفاقم الانقسامات السياسية في المجتمع الغربي، حيث تدعو الدول الغربية مثل فرنسا وأسبانيا وبلجيكا ودول أخرى إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.
ثانياً، بالنظر على المدى الطويل، فإن التسوية السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس "حل الدولتين" ستكون بلا شك عملية صعبة وطويلة الأمد.
تؤكد "ورقة الموقف" التي قدمتها الصين أنه ينبغي لمجلس الأمن أن يشجع استئناف "حل الدولتين"، تحت قيادة وتنظيم الأمم المتحدة، وعقد مؤتمر سلام دولي أكبر وأكثر موثوقية وفعالية في أقرب وقت ممكن، وصياغة جدول زمني وخريطة طريق محددة لتنفيذ "حل الدولتين"، من أجل تعزيز الحل الشامل والعادل والدائم للقضية الفلسطينية. وإن أي ترتيبات لمستقبل غزة يجب أن تحترم إرادة الشعب الفلسطيني واختياراته المستقلة ولا يمكن فرضها على الآخرين، وهذا ليس مجرد تلخيص للدروس التاريخية المستفادة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل هو أيضا تأكيد على أهمية عودة القضية الفلسطينية إلى مسار الأمم المتحدة، وإنشاء آليات دولية موثوقة، و التمسك بـ«حل الدولتين».
وفي مواجهة التحديات الشديدة، يتعين على كل من فلسطين وإسرائيل أن تتعلم دروس التاريخ المؤلمة وأن تلجأ حقا إلى العقلانية والتسامح والتسوية التي تفضي إلى السلام والأمن لكلا الطرفين. كما يتعين على المجتمع الدولي، وخاصة القوى الكبرى في العالم ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن يعمل على بناء الإجماع والعودة إلى "حل الدولتين". ولا يمكن حل القضية الفلسطينية إلا بهذه الطريقة، والتي ستكون بلا شك عملية طويلة وصعبة للغاية.