لقد أدى النزاع الدبلوماسي الأخير بين إسرائيل والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى جعل جهود المجتمع الدولي للاستجابة للكارثة الإنسانية الملحة في غزة أكثر تعقيدا وصعوبة. وفي المناقشة المفتوحة حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي عقدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم 24 أكتوبر الجاري، بالتوقيت المحلي، أثار خطاب الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش استياء إسرائيل، إذ لم تكتف الأخيرة بمطالبة غوتيريش "بالاستقالة دون اعتذار"، كما أعلنت أنها سترفض إصدار تأشيرات لممثلي الأمم المتحدة، معتبرة أن "الوقت قد حان" لتلقينهم درسا." وذكرت الأخبار الواردة من وسائل الإعلام، أن إسرائيل رفضت طلب التأشيرة المقدم من مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ.
إن ما أثار غضب إسرائيل هو ما قاله غوتيريش في كلمته: "إن هجمات حماس لم تأت من فراغ، حيث أن الشعب الفلسطيني خضع على مدى 56 عاما للاحتلال الخانق." وإذا أمعنا في هذه الجملة من منظور وسط، فسوف نجد أنها أقرب إلى بيان واقعي، واستناداً إلى فهم التاريخ المعقد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يستطيع الجميع أن يروا أن هذا لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى دعم هجمات حماس.
في الواقع، أدان غوتيريس صراحةً هجوم حماس فور وقوع الحادث. وفي خطابه يوم 24، قال إن "استياء الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يكون سبباً لهجمات حماس"، وأن "تلك الهجمات الصادمة لا يمكن أن تكون سبباً لعقاب جماعي للشعب الفلسطيني". علاوة على ذلك، فإن خطاب غوتيريس نفسه تناول المزيد من التفاصيل: إن حماية المدنيين هي الاعتبار الأول، وهناك حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، ولا يستطيع العالم أن يتجاهل أن الأساس الواقعي الوحيد للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط يتلخص في "حل الدولتين" بين فلسطين وإسرائيل. وبحسب مراسل الجزيرة الذي كان متواجدا في مكان الحادث، رحب ممثلون عن العديد من الدول بكلمة غوتيريش واعتبروها "متوازنة للغاية".
تتمتع القضية الفلسطينية الإسرائيلية بخلفية تاريخية معقدة، وغالباً ما يصل المرء إلى استنتاجات مختلفة تماماً عندما ينظر إليها من زوايا مختلفة. وليس من المستغرب، كطرف معني، أن يكون لإسرائيل مواقفها ووجهات نظرها الخاصة. وبطبيعة الحال، من حقهم أن يعبروا عن آرائهم، ولكن هناك حدود لهذا التعبير. وإن احترام سلطة الأمم المتحدة والحفاظ عليها هو أحد الحدود. وفي الوقت الراهن خاصة، يتسبب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين كل يوم، بما في ذلك العديد من النساء والأطفال. ولقد أصبح الوضع عاجلا للغاية، وفي هذا الوقت، أصبح من الضروري بشكل أكبر تشكيل جهود مشتركة على مستوى الأمم المتحدة.
منذ اندلاع الصراع، ورغم أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يتوصل بعد إلى قرار بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية، بسبب المعارضة المتكررة من الولايات المتحدة، إلا أن وكالات الأمم المتحدة لعبت دورا لا يمكن تجاهله على صعيد إيصال إمدادات الإغاثة عبر ميناء رفح وأعمال الإغاثة الإنسانية المحلية في غزة. كما استأنفت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلستها الخاصة الطارئة العاشرة يوم 26 أكتوبر الجاري لمناقشة الوضع الفلسطيني الإسرائيلي. ولا تزال مشاورات مجلس الأمن الدولي بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية في مأزق، ولكنها مستمرة. وفي ظل الظروف الحالية، تظل الأمم المتحدة المنبر الذي يجمع أصوات جميع الأطراف إلى أقصى حد، ولديها أكثر أمل في تشكيل موقف مشترك وخطة عمل للمجتمع الدولي. وتدرك أغلب الدول، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة الغربيين، أن السلام الدائم بين فلسطين وإسرائيل يعتمد في نهاية المطاف على التوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية على أساس "حل الدولتين" في قرارات الأمم المتحدة.
ولذلك، يجب الحفاظ على سلطة الأمم المتحدة، بغض النظر عن المستوى الذي وصلت إليه، وينبغي دعمها لتلعب دورا أكبر في القضية الفلسطينية الإسرائيلية. وإن موقف إسرائيل الأخير تجاه غوتيريش، فضلا عن إصرار الولايات المتحدة مؤخرا على المضي في طريقها الخاص في مجلس الأمن وعدم دعم الإجماع على وقف إطلاق النار، يوضح أن أحد جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي طال أمده، لا يكمن في الفشل في التوصل إلى اتفاق فحسب، وإنما في عدم تطبيق وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة أيضا. وطاما كان للأمم المتحدة موقفا واضحا وقرارات واضحة بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية، من مبدأ حل الدولتين الدائم على أساس حدود عام 1967 إلى تعزيز إبرام معاهدة سلام. ومن المؤسف أن هذه الأمور لم تحظ بالاهتمام الواجب، وتبين المأساة الأخيرة مرة أخرى، ضرورة احترام سلطة الأمم المتحدة من قبل جميع الأطراف.
وسواء كان الأمر بالنسبة لإسرائيل أو الولايات المتحدة، فإن الحفاظ على سلطة ودعم الأمم المتحدة للعب دور أكبر في القضية الفلسطينية الإسرائيلية أمر مفيد وغير ضار. ولقد أثبتت "الحرب ضد الإرهاب" التي تشنها الولايات المتحدة منذ عشرين عاماً أن العقاب الجماعي غير قادر على الحد من التطرف، بل إنه بدلاً من ذلك سوف يشجع على دورة من العنف. وستثبت الحقائق أن عقد مؤتمر دولي للسلام في أسرع وقت ممكن في إطار الأمم المتحدة وعلى أساس "حل الدولتين" للخروج من دوامة العنف هو الحل الصحيح للقضية الفلسطينية الإسرائيلية.