بكين 18 أكتوبر 2023 (شينخوا) في الوقت الذي تحتفل فيه مبادرة الحزام والطريق بالذكرى العاشرة لإطلاقها، تثير وسائل الإعلام الأمريكية مرة أخرى رواية "فخ الديون".
فقد ادعت ((صوت أمريكا))، وهي شبكة إخبارية ومحطة إذاعية مملوكة للدولة في الولايات المتحدة، في تقرير بثته مؤخرا أن جزءا من مشاريع البنية التحتية المقامة في إطار مبادرة الحزام والطرق يواجه أمورا مثيرة للخلاف مثل الديون المفرطة، والتجارة أحادية الاتجاه واستغلال العمالة.
ولكن يمكن لنظرة فاحصة على هيكل الديون وحقائقها أن تثبت أن وسائل الإعلام الأمريكية تلقي بالقاذورات على الجانب الخاطئ وتنشر ادعاءات زائفة أنشأها الغرب من العدم.
-- اتهام كاذب
لطالما استخدمت المؤسسات المالية الغربية والمؤسسات متعددة الأطراف "فخ الديون" لنهب ثروات البلدان النامية، والآن تحاول أن تلصقها بمبادرة الحزام والطريق، لكن الغالبية العظمى من الدول النامية والدول الشريكة في مبادرة الحزام والطريق ترى الحقيقة وراء هذه الرواية الكاذبة بوضوح شديد.
فقد كشف تقرير موجز بعنوان (دمج الصين في عملية متعددة الأطراف لتخفيف عبء الديون: التقدم والمشكلات في مبادرة مجموعة العشرين بشأن تعليق مدفوعات خدمة الدين)، أصدرته جامعة جونز هوبكنز في أبريل، أن "الصين (كيانات صينية) لا تمتلك سوى 21 في المائة من الدين الخارجي العام لكينيا، فيما يمتلك دائنون من القطاع الخاص 24 في المائة ومؤسسات متعددة الأطراف 45 في المائة".
أما في حالة زامبيا، فإن غالبية الديون مستحقة لجهات مانحة غربية ومؤسسات متعددة الأطراف وثنائية"، هكذا أشار شيبيزا مفوني، نائب الأمين العام لجمعية الصداقة الزامبية - الصينية.
وقال مفوني، النائب السابق لرئيس البعثة الزامبية فى بكين، "أعتقد أننا يجب أن نكون واقعيين. أسعار الفائدة من المقرضين الغربيين أعلى... وقد ظلت البلدان عالقة في دفع الفوائد، ولم يسدد أصل الدين منذ فترة طويلة. ماذا الذي يمثّله ذلك؟ إنه يمثل معدل الاستغلال".
ومن جانبه ذكر لويس نديتشو، الباحث في معهد السياسات الأفريقية بنيروبي، أن تحديات الديون التي تواجهها كينيا لا ينبغي أن تُعزى إلى الصين بل إلى الآثار غير المباشرة المترتبة على الأزمة الأوكرانية وحالة عدم اليقين الاقتصادية العالمية.
ولفت نديتشو إلى أن "معضلة ديون كينيا ليست مشكلة صينية. ليست مشكلة لها علاقة بالصين".
-- تخفيف عبء الديون
وسط المخاوف المتزايدة من حدوث عجز عن سداد الديون، تلتزم الصين دائما بمبدأ المساواة في العلاقات الثنائية وتشارك بشكل استباقي في مفاوضات عادلة ونزيهة مع مختلف الدول، هكذا ذكرت سونغ وي، الأستاذة في كلية العلاقات الدولية والدبلوماسية بجامعة بكين للدراسات الأجنبية.
وفي الواقع، تنفذ الصين مبادرة مجموعة العشرين بشأن تعليق مدفوعات خدمة الدين بشكل شامل، وقد علقت أكبر قدر من مدفوعات خدمة الدين بين جميع أعضاء مجموعة العشرين. وفي أغسطس 2022، أعلنت الصين أنها ستلغي 23 قرضا بدون فوائد لـ17 دولة أفريقية وستعيد توجيه 10 مليارات دولار من احتياطياتها من صندوق النقد الدولي إلى دول في القارة.
وفي هذا التقرير الموجز، قالت ديبورا بروتيغوم، مديرة مبادرة الأبحاث الصينية -الإفريقية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، إن "الصين أدت دورها على أكمل وجه كطرف مسؤول بمجموعة العشرين في تنفيذ مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين في ظل الظروف الصعبة لجائحة كوفيد-19. ومن بين الدول الـ46 التي شاركت في مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين، شكل الدائنون الصينيون 30 في المائة من جميع المطالبات، وساهموا بـ63 في المائة من تعليق مدفوعات خدمة الدين".
وسلط الأستاذ دينغ يي بينغ عميد كلية الاقتصاد بجامعة جيلين، الضوء على أنه منذ عام 2016، ساهمت الصين، كدائن ثنائي، بنحو 16 في المائة من تخفيف عبء الديون العالمية، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة والبنك الدولي، وإن حجم خفض الصين للديون بلغ بالفعل ضعف متوسط حجم خفض مجموعة السبع للديون.
وأضاف أنه "من بين أعضاء مجموعة العشرين، قدمت الصين أكبر تخفيف للديون بشكل عام". وأضاف قائلا "بيد أن نسبة ديون الصين المستحقة على أفريقيا ككل ليست مرتفعة. فالمؤسسات المالية متعددة الأطراف والدائنون التجاريون يملكون الحصة الأكبر من الديون. وحتى بدون الديون المستحقة للصين، ما زالت هذه الدول تواجه ضغوط ديون شديدة".
ومن جانبها، ذكرت سونغ إنها ترى أن الصين شريك حقيقي للدول النامية التي تحتاج إلى رؤوس أموال لدعم مشاريع البناء الوطنية.
كما قالت سونغ "علاوة على ذلك، ينبغي أن يكون تعليق الديون وتخفيف عبئها جهدا جماعيا: متعدد الأطراف وثنائي وتجاري. وإن مقترح الصين الداعي إلى تقاسم المسؤولية في تخفيف عبء الديون اقتراح عادل ومعقول لأن جميع الأطراف المعنية دائنون. ومن الظلم أن يتحمل جانب واحد فقط عبء تخفيف الديون بينما يُعفى آخرون من مسؤولياتهم".
-- رخاء مشترك
وفقا للكتاب الأبيض، الذي يحمل عنوان "مبادرة الحزام والطريق: ركيزة رئيسية لمجتمع المستقبل المشترك للبشرية" وأصدره مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني الأسبوع الماضي، وقّعت الصين أكثر من 230 اتفاقية تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق مع أكثر من 150 دولة و30 منظمة دولية على امتداد القارات الخمس، ما أنتج عددا من المشاريع البارزة إلى جانب مشاريع صغيرة ومؤثرة.
في إطار المبادرة، عززت الصين التجارة والاستثمار المتبادلين، ولم تقم قط بتجارة أحادية الجانب. ففي الفترة من 2013 إلى 2022، بلغت القيمة التراكمية للواردات والصادرات بين الصين والدول الشريكة في مبادرة الحزام والطريق 19.1 تريليون دولار أمريكي، بمتوسط معدل نمو سنوي قدره 6.4 في المائة. وبلغ حجم الاستثمارات التراكمية في الاتجاهين بين الصين والبلدان الشريكة 380 مليار دولار خلال تلك الفترة، بما في ذلك حوالي 240 مليار دولار من الصين. كما وقعت الصين على 21 اتفاقية تجارة حرة مع 28 دولة ومنطقة.
وبدوره ذكر علاء ثابت رئيس تحرير صحيفة ((الأهرام)) المصرية أن جميع دول مبادرة الحزام والطريق ستستفيد وتحقق نموا كبيرا في مبادلاتها التجارية، حيث "تفتح المبادرة أمامها أسواقا جديدة وتشجع منتجاتها على الوصول إلى الأسواق العالمية".
وأردف علاء ثابت قائلا إن مبادرة الحزام والطريق تخلق المزيد من مشروعات البنية التحتية والخدمات والمناطق الصناعية والمناطق الحرة للتبادل التجاري، مضيفا أن المبادرة تحقق أيضا المزيد من الأمان والتدفق السلعي والتبادل التجاري وبالتالي فإن "الجميع رابحون من المشاركة في المبادرة".
وباعتبارها نموذجا جديدا للتعاون، توفر مبادرة الحزام والطريق سلما للبلدان الشريكة في سعيها إلى تحقيق أحلامها وتحديثها. ومن خلال توسيع العولمة الاقتصادية وتوزيع فوائدها بشكل عادل، تهدف المبادرة إلى دفع تحقيق تنمية عالمية تكون متوازنة ومنسقة وشاملة ومشتركة بين الجميع، وتحقيق تعاون مربح للجميع ورخاء مشترك.
فوفقا لوزارة الخارجية الصينية، بلغ حجم التجارة الثنائية في عام 2022 بين الصين وتايلاند 135 مليار دولار أمريكي، بزيادة 3 في المائة عن العام السابق، حيث كانت الصين أكبر شريك تجاري لتايلاند.
وفي العراق الذي مزقته الحرب، تأتي عملية إعادة إعمار المنازل وتعزيز الاقتصاد في صدارة الأولويات، إذ إنه في عام 2015، وقعت الصين والعراق وثيقة تعاون بشأن العمل بشكل مشترك على تعزيز التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق. وفي السنوات الأخيرة، تم بنجاح تنفيذ عدد كبير من المشاريع، بما في ذلك محطة ضخمة لتوليد الكهرباء في محافظة واسط ومحطة لمعالجة مياه الصرف الصحي في محافظة بابل، قامت بإنشائهما شركات صينية.
وقد عززت هذه المشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية، وأدى تحسين حياة الأهالي إلى القضاء بشكل أساسي على الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار.
وخلال عملية التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق، ساعدت الصين الدول الشريكة في تشييد مجمعات صناعية ووجهت المؤسسات الصينية إلى ضرورة خلق فرص عمل للسكان المحليين من خلال التعاون الصناعي رفيع المستوى.
وقد كشف استطلاع أجرته شركة ماكينزي أن الشركات الصينية في أفريقيا قامت بتعيين 89 في المائة من موظفيها من المحليين، وهو ما يساهم بشكل فعال في التوظيف المحلي.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه بحلول عام 2030، يمكن أن تنتشل الاستثمارات المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق 7.6 مليون شخص من براثن الفقر المدقع و32 مليون شخص من الفقر المعتدل.