بكين 19 أكتوبر 2023 (شينخوا) على مدى العقد الماضي، تم إنشاء مشاريع كبيرة في البنية التحتية عبر الأراضي والمياه وحتى الصحاري في العالم في إطار مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، ما أدى إلى تسهيل حركة النقل والنمو الاقتصادي بشكل ملحوظ.
ورغم تقدير وترحيب الدول المضيفة إلا أن هناك بعض الأصوات المتنافرة في الغرب التي تزعم بأن تلك المشاريع تركت تداعيات سلبية على البيئة.
ليس هناك أي شك في أن مثل هذه الآراء مضللة وبحاجة إلى دراسة نقدية فاحصة.
--الحفاظ على التنوع البيولوجي بدلا من تدميره
قبل عام 2022، كان على المسافرين من شمال كرواتيا المرور عبر ساحل البوسنة والهرسك بطول 9 كيلومترات للوصول إلى ستون، وهي بلدة صغيرة تقع في بيليساك، شبه جزيرة مشمسة في جنوب كرواتيا.
وأدى بناء جسر بيليساك، أحد مشاريع مبادرة الحزام والطريق، إلى تقصير المسافة، لكنه أثار أيضا قلق مزارعي المحار المحليين من احتمال تأثيره على إنتاج المحار، المدرج في سجل المؤشرات الجغرافية للاتحاد الأوروبي.
مع ذلك، قال السفير الصيني لدى كرواتيا تشي تشيان جين إن الشركات الصينية التي قامت ببناء الجسر "التزمت دائما بأعلى المعايير البيئية"، و"أخبرني المزارعون المحليون بعدم تأثر إنتاج وجودة المحار على الإطلاق، بل أدى الجسر بالفعل إلى زيادة مبيعاتهم".
في الواقع، تم اخذ تدابير الحفاظ على البيئة، مثل حماية المياه وإدارتها، والسيطرة على الضوضاء، وبناء الجسور لضمان المرور الآمن للحياة البرية، على محمل الجد وعلى نطاق واسع في مشاريع مبادرة الحزام والطريق.
في كينيا، يمر خط السكك الحديدية القياسي بين مومباسا ونيروبي عبر بعض النظم البيئية الحساسة مثل المتنزهات الوطنية.
وراعى المشروع تصميم العديد من الممرات للحياة البرية، بما في ذلك سبعة جسور والعديد من القنوات والسدود لتوجيه الحياة البرية إلى الأنفاق لتقليل مخاطر اصطدام القطارات بالحياة البرية.
يتم أيضا تركيب ممتصات لأصوات الضجيج على طول ممرات الحياة البرية لتقليل الإزعاج المحتمل للحيوانات.
وقال كافينس أدير، الباحث الكيني في العلاقات الدولية، إنه "أحد أهم المشاريع التي بذلت فيها مبادرة الحزام والطريق جهودا كبيرة لتقليل التأثيرات على المناطق المعرضة للخطر بيئيا".
--تحقيق التنمية بالطاقة النظيفة والخضراء
وفي العديد من البلدان المضيفة لمبادرة الحزام والطريق، تسبب الاعتماد التقليدي على الوقود الأحفوري في تلوث الهواء، والإضرار بصحة الناس، وخلق معضلة بين الحد من انبعاثات الكربون والتنمية الاقتصادية.
والتزاما منها بالتعاون المفتوح والأخضر والنظيف من أجل تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، تضم مبادرة الحزام والطريق العديد من المشاريع المخصصة لتعزيز الطاقة النظيفة والمتجددة، مثل مزارع الرياح ومحطات الطاقة الشمسية وأنظمة النقل الصديقة للبيئة.
وقال ديليب باروا، الأمين العام للحزب الشيوعي البنغلاديشي (الماركسي اللينيني)، "من خلال مشاريع مبادرة الحزام والطريق تبنت حكومتنا مشاريع متنوعة للحد من الانبعاثات الكربونية والانتقال إلى مصادر الطاقة الخضراء في بلادنا".
وقال وزير الصناعة البنغلاديشي السابق إن الصين ساعدت بلاده على بناء العديد من محطات الطاقة الشمسية، مثل مشروع كوكس بازار لطاقة الرياح، باعتبارها مصادر طاقة صديقة للبيئة.
ويعتبر مشروع كوكس بازار لطاقة الرياح الذي تم افتتاحه مؤخرا، وهو مبادرة رائدة استثمرت فيه شركة وولينغ باور وقامت ببنائه شركة باور تشاينا تشنغدو الهندسية، بمثابة علامة بارزة في سعي بنغلاديش للحصول على طاقة أنظف وأكثر استدامة.
ويقع مشروع طاقة الرياح في منطقة كوكس بازار جنوب شرق بنغلاديش، على بعد حوالي 400 كيلومتر من العاصمة دكا.
وسيوفر المشروع للبلاد بعد تشغيله حوالي 145 مليون كيلوواط/ ساعة من الكهرباء النظيفة سنويا، وسيخفض استهلاك الفحم بمقدار 44600 طن متري وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 109200 طن متري، بالإضافة إلى تلبية طلب 100 ألف أسرة على الكهرباء.
وقال محمد حبيب الرحمن، السكرتير الأول لقسم الطاقة التابع لوزارة الطاقة والموارد المعدنية في بنغلاديش "إنه نقطة تحول رئيسة في رحلة أمتنا باتجاه طاقة أنظف وأكثر استدامة".
وقال كافينس أدير، الباحث الكيني في العلاقات الدولية، إن "عددا من المشاريع التي تم تنفيذها في كينيا في إطار مبادرة الحزام والطريق ساهمت بشكل إيجابي في حماية البيئة والحفاظ عليها".
وقد راعى طريق نيروبي السريع، الذي تم بناؤه بالشراكة مع شركة الطرق والجسور الصينية، دمج النباتات على طول أعمدة وجدران الطريق، لتكون بمثابة مصارف كربونية للانبعاثات الناتجة عن الطريق السريع وكذلك الطريق السفلي.
وتبنى مركز نيروبي للتجارة العالمي تقنيات البناء الأخضر لضمان حماية البيئة من الانبعاثات الضارة. ويستخدم البرج زجاجا منخفض الانبعاثات ليعكس الحرارة مع السماح بدخول الضوء، كما يستخدم حائطا ستائريا قابلا للتنفس بدلا من مكيفات الهواء. كما تعهد المركز بأن يكون منطقة خالية من القش البلاستيكي.
وأشاد مصطفى كريم، عضو هيئة التدريس بكلية الري والهندسة الهيدروليكية في جامعة القاهرة، بمشروعات مبادرة الحزام والطريق في مصر مثل مشروع منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة والقطار الكهربائي الخفيف في القاهرة.
وقال كريم "لا تهدف هذه المبادرات إلى تعزيز النقل والتنمية الحضرية فحسب، بل تهدف أيضا إلى تقليل الانبعاثات ودعم أهداف مصر للتنمية المستدامة".
وبالشراكة مع الصين، تعمل إثيوبيا على تسخير إمكاناتها الهائلة في مجال الطاقة الشمسية من خلال إطلاق مركز أبحاث لتسريع تطوير الطاقة المتجددة في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا.
وفي يونيو هذا العام، وبدعم مالي من وزارة التجارة الصينية، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع وزارة المياه والطاقة في إثيوبيا، والمركز الإداري لجدول أعمال القرن الـ21 للصين، وهو كيان تابع لوزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية، وجامعة الصين الزراعية، بتنفيذ مشروع تحت عنوان "التعاون الثلاثي في مجال الغاز الحيوي والكتلة الحيوية والطاقة الشمسية--الانتقال إلى استخدامات الطاقة المستدامة في الصناعة الزراعية بين الصين وإثيوبيا".
ويدعم المشروع في المقام الأول نشر تكنولوجيا الطاقة المتجددة وتوسيع النمو القادر على التكيف مع المناخ في إثيوبيا.
وقالت ميلاكو مولوالم، باحثة بارزة في العلاقات الدولية والدبلوماسية في معهد إثيوبيا للشؤون الاستراتيجية "لذلك، تسهم مبادرة الحزام والطريق في تقليل الانبعاثات الكربونية في إثيوبيا".
ومع بدء التحول الأخضر في الصين، أكدت بكين على التعاون بين بلدان الجنوب في مشاريع الطاقة المتجددة. وقد تم توسيع نطاق نقل التكنولوجيا من الصين إلى دول مبادرة الحزام والطريق.
وقال إدواردو ريغالادو، كبير الباحثين في المركز الدولي لأبحاث السياسات في كوبا، إنه طوال السنوات العشر من وجود "المبادرة التعاونية"، تم إنجاز جزء كبير من العمل فيما يتعلق بالطاقة الشمسية والموارد المائية المبنية في بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
--الحفاظ على الأراضي والمياه بدلا من التصحر
وادعى البعض أن مبادرة الحزام والطريق ستحلق أضرارا لا يمكن إصلاحها للأرض والمياه. ومع ذلك، فقد توصل الخبراء والأشخاص المشاركون في المشاريع الفعلية في البلدان المضيفة إلى نتيجة مختلفة.
وقال أدير "كينيا تعد إحدى الدول الأفريقية التي تتعلم بشكل متزايد من تجارب الصين التي تحسد عليها فيما يتعلق بالسيطرة على التصحر".
ويعمل العلماء الكينيون في مركز الأبحاث الصيني-الأفريقي المشترك مع نظرائهم من معهد شينجيانغ للبيئة والجغرافيا للمساعدة في التصدي لتحدي التصحر ليس فقط في كينيا ولكن أيضا في بلدان شمال أفريقيا.
وقال جوناثان تابالانغا، خبير العلاقات الدولية والمحاضر في جامعة كافنديش في أوغندا، إن طريق كمبالا-عنتيبي السريع في أوغندا هو مثال آخر.
وأضاف "إذا نظرت إلى جسر نامبيغيروا، الأطول في البلاد (1.5 كم)، فإنه قد حافظ على البيئة. لم يسكبوا الرمال، أو مخلفات التربة في المستنقعات، ولكنهم أنشأوا جسرا بحيث تظل مستويات المياه كما هي. وتابع "إنهم يهتمون دائما بقضايا البيئة".
ومن الأمثلة الأخرى التي ذكرها تابالانغا هو مشروع كينغفيشر النفطي الذي تم بناؤه بالشراكة مع الشركة الوطنية الصينية للنفط البحري في أوغندا. ويقع المشروع في بيئة إيكولوجية وسكنية معقدة، وقد تفانت الشركة في توظيف الوسائل التكنولوجية لتقليل تأثير المشروع على البيئة المحيطة.
وفي منطقة أوروميا في إثيوبيا، ساعد مشروع غينالي-داوا الثالث متعدد الأغراض للطاقة الكهرومائية الذي بنته الصين في مكافحة التصحر من خلال توفير الكهرباء للمجتمعات المحلية المجاورة التي كانت تعتمد على الحطب لتلبية احتياجاتها من الطاقة.
كما تم تنفيذ العديد من المشاريع الصغيرة مثل بناء الجسور والخنادق كجزء من الجهود المبذولة لمنع التآكل وتدهور الأراضي أثناء بناء مشروع السكك الحديدية بين أديس أبابا وجيبوتي.
وقالت مولوالم "إن المجتمعات التي تعيش في مزارع الرياح التي بنتها الصين في أجزاء مختلفة من إثيوبيا لم تعد تسهم أيضا في التصحر في سعيها للحصول على الطاقة".
--هيكل إدارة بيئي جيد الإعداد
منذ بدايتها، يتم تصوير مبادرة الحزام والطريق بأنها "الحزام والطريق الأخضر" حيث تلتزم الحكومة الصينية بالاستدامة وحماية البيئة والمعايير البيئية الدولية.
وفي عام 2015، أصدرت الحكومة الصينية خطة عمل مبادرة الحزام والطريق، والتي تحدد رؤية وإطار مبادرة الحزام والطريق وتؤكد على أهمية حماية البيئة والاستدامة في مشاريع المبادرة.
كما أنشأت الصين والدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق أطرا لإجراء إرشادات تقييم الأثر البيئي لمشاريع مبادرة الحزام والطريق، ما ساعد على ضمان معالجة المخاوف البيئية أثناء تخطيط المشروعات وتنفيذها.
وفي منتدى مبادرة الحزام والطريق الأول في عام 2017، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ على أنه "ينبغي بذل الجهود لتعزيز التعاون في مجال الحماية الإيكولوجية والبيئية وبناء نظام بيئي سليم لتحقيق الأهداف التي حددتها أجندة 2030 للتنمية المستدامة".
ووقعت الصين مذكرة تفاهم مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن بناء الحزام والطريق الأخضر للفترة 2017-2022، وتوصلت إلى اتفاقيات بخصوص التعاون البيئي مع أكثر من 30 دولة ومنظمة دولية، وأطلقت مبادرة شراكة الحزام والطريق بشأن التنمية الخضراء مع 31 دولة، وشكلت تحالف الحزام والطريق الدولي للتنمية الخضراء مع أكثر من 150 شريكا من أكثر من 40 دولة.
وقالت مولوالم "قبل بدء أي مشروع لمبادرة الحزام والطريق في إثيوبيا، تقوم حكومة إثيوبيا وخبراء من الصين بإجراء تقييم للتنوع البيولوجي، ودمج المبادئ المتعلقة بالحفاظ على التنوع البيولوجي في إطار التمويل الأخضر لمبادرة الحزام والطريق، وتعزيز الدعم القائم على العلم، وتعزيز اتساق المعايير والقواعد المتعلقة بحفظ التنوع البيولوجي".
وقال تابالانغا "كل هذه المشاريع الدولية، وبينها المشاريع الصينية، التي تنفذها شركات عالمية تخضع جميعها لتقييم الأثر البيئي قبل أن تتشكل المشاريع. لذلك، أعتقد أن الغرب سيخرج ويجادل بأن معظم هذه المشاريع تؤثر على البيئة بالسلب وهذا أمر خاطئ".
وقال باروا، مستشهدا بمشروعات مثل جسر بادما والطريق السريع المحدث، ونفق بانغاباندو شيخ مجيب الرحمن، ومحطة داشركاندي لمعالجة مياه الصرف الصحي، إن "جميع مشاريع التنمية التي تم تنفيذها هنا في وقت سابق أظهرت" تأثيرها الإيجابي خاصة في المجال البيئي في بنغلاديش، ولا تشكل تهديدا لبيئتنا".
--مشاريع خضراء وتمويل أخضر
علاوة على ذلك، عززت الصين التمويل الأخضر، بما في ذلك السندات الخضراء وممارسات الاستثمار الأخضر، لتمويل المشاريع الصديقة للبيئة ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق.
ويقوم التمويل الأخضر بتوجيه الأموال إلى مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية، ما يساعد على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتخفيف الأثر البيئي والمساهمة في مزيج طاقة أكثر استدامة.
ومن الممكن أيضا أن تدعم الاستثمارات في التمويل الأخضر مشاريع البنية الأساسية التي تركز على التقنيات والممارسات التي تتسم بكفاءة استخدام الطاقة.
وقال أدير "يشمل ذلك تشييد المباني التي تتسم بمعايير عالية من حيث كفاءة الطاقة وتنفيذ حلول البنية التحتية الذكية. ومن الأمثلة على ذلك مركز نيروبي للتجارة العالمي".
علاوة على ذلك، يشجع التمويل الأخضر على دمج التقنيات والتصاميم التي تقلل من البصمة الكربونية.
وقال أدير "يمكن أن يشمل ذلك استخدام مواد منخفضة الكربون، وتحسين أنظمة النقل، واعتماد ممارسات البناء المستدامة. ومن الأمثلة التي تم تنفيذها في كينيا في إطار مبادرة الحزام والطريق، خط السكك الحديدية القياسي بين مومباسا ونيروبي، وطريق نيروبي السريع".