بقلم روبرت لورانس كون
مع حلول الذكرى السنوية الـ10 لمبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، أقدم تقييما استرجاعيا وتوقعات مستقبلية.
في الواقع، لقد كنت أتتبع مبادرة الحزام والطريق حرفيا منذ بدايتها. أتذكر يوم 7 سبتمبر 2013، عندما أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو يقف على منبر في جامعة نزارباييف في قازاقستان، عن رؤية الصين لبناء "حزام اقتصادي لطريق الحرير" - على البر، عبر المنطقة الأوراسية، وإشراك آسيا الوسطى والربط مع أوروبا. وفي الشهر التالي، وفي خطابه أمام البرلمان الإندونيسي، اقترح شي "طريق الحرير البحري للقرن الـ21" - فوق الماء، من الصين إلى جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. لقد تحدثت في أول منتديين لمبادرة الحزام والطريق: 2014، في أورومتشي، منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم، "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الجديد"، وعام 2015، في تشيوانتشو بمقاطعة فوجيان، "طريق الحرير البحري للقرن الـ21".
لقد أصبحت مبادرة الحزام والطريق بشكل متزايد ركيزة للسياسة الخارجية الصينية. وهي تستفيد من خبرة الصين التي لا مثيل لها ومزاياها التنافسية في بناء البنية التحتية: السكك الحديدية والطرق والموانئ والمطارات ومحطات الطاقة والاتصالات السلكية واللاسلكية. ليس هناك ما هو أكثر أهمية بالنسبة للبلدان النامية من البنية التحتية، والأساس الذي تقوم عليه كل اقتصاديات التنمية هو البنية التحتية.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، وقعت الصين أكثر من 200 وثيقة تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق مع أكثر من 150 دولة و30 منظمة دولية، ما يشمل أكثر من ثلاثة أرباع دول العالم. وأنشأت الصين أكثر من 3000 مشروع تعاون. وتتدفق البضائع الصينية إلى أكثر من 300 ميناء.
وفقا لورقة سياسة البنك الدولي لعام 2019، فإن مبادرة الحزام والطريق مفيدة إلى حد كبير. فأولا، سوف يرتفع الدخل العالمي بنسبة 0.7 بالمائة (في عام 2030 نسبة إلى خط الأساس)، وهو ما سيترجم إلى قرابة نصف تريليون دولار بأسعار عام 2014 وأسعار الصرف في السوق. ثانيا، على الصعيد العالمي، يمكن أن تساعد مبادرة الحزام والطريق في انتشال 7.6 مليون شخص من براثن الفقر المدقع و32 مليون شخص من براثن الفقر المتوسط.
وفي كتاب أبيض صدر مؤخرا، تقول الصين إنه على مدى العقد الماضي، "ساهمت البلاد بقوتها في بناء مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك". وفي مراجعة رسمية، كتب نائب رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، التي تشرف على مبادرة الحزام والطريق، أن البلاد تلتزم "بمبادئ التشاور المكثف والمساهمة المشتركة والمنافع المشتركة" و"مفاهيم الانفتاح والتدابير الخضراء والنزاهة، وتهدف إلى تحقيق معايير عالية واستدامة وإفادة معيشة الناس". وتتبع مبادرة الحزام والطريق نهجا من 5 محاور: التواصل السياساتي، وربط البنية التحتية، والتجارة دون عوائق، وتمويل رأس المال، والترابط بين الشعوب.
وعلى مدى العشر سنوات، شيدت الصين ستة ممرات اقتصادية دولية رئيسية: الجسر البري الأوراسي الجديد، الذي تشكل حول الخط الرئيسي للسكك الحديدية الدولية العابرة لأوراسيا من مقاطعة جيانغسو الصينية إلى روتردام في هولندا؛ والممر الاقتصادي بين الصين ومنغوليا وروسيا؛ والممر الاقتصادي بين الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا، من شينجيانغ الصينية عبر آسيا الوسطى إلى الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة العربية؛ والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، من كاشغر في شينجيانغ بالصين إلى ميناء جوادر في باكستان؛ والجسر القاري لجنوب غرب آسيا، أو الممر الاقتصادي بين بنغلاديش والصين والهند وميانمار؛ والممر الاقتصادي بين الصين وشبه جزيرة الهند الصينية، من مقاطعة يوننان بجنوب غرب الصين ومنطقة قوانغشي ذاتية الحكم لقومية تشوانغ إلى وعبر فيتنام ولاوس وكمبوديا وميانمار وتايلاند وماليزيا وسنغافورة.
المشاريع الكبرى: خط جاكرتا-باندونغ الذي افتتح للتو، وهو أول خط سكة حديد فائق السرعة في إندونيسيا، والذي يحمل اسم "ووش"؛ وخط سكة حديد المجر وصربيا؛ وخط السكة الحديدية الصيني اللاوسي؛ وميناء بيرايوس في أثينا باليونان. والمشروع الرئيسي لمبادرة الحزام والطريق هو قطارات الشحن بين الصين وأوروبا، مع 84 مسارا عاملا، تصل إلى 211 مدينة في 25 دولة أوروبية، ما يعزز الترابط ويقوي التجارة على طول الطرق.
مبادرة الحزام والطريق الصينية ليست مؤسسة خيرية. وتقول الصين إنها تسعى إلى "الربح للجميع"، وهو ما يعني أن الصين تربح أيضا. وتربح الصين من خلال الوصول التفضيلي إلى مصادر واسعة من المواد الخام (كالنفط)؛ وأعمال كبيرة لشركاتها الضخمة المملوكة للدولة المتخصصة في البناء؛ وفتح أسواق جديدة لمنتجاتها بغية تقليل الاعتماد التجاري على الولايات المتحدة وأوروبا؛ والدعم الجيوسياسي في الأمم المتحدة وأماكن أخرى للقضايا الخلافية. الصين تفكر على المدى الطويل جدا.
لو كنت أروي قصة تشير إلى أن مبادرة الحزام والطريق كلها "ورود وهتافات"، وأن المبادرة لا تواجه أي مشاكل، فإني بذلك أتفوه بالأكاذيب. فالتحديات كثيرة، بما فيها تأخر المشاريع وسوء اختيار المشاريع والصدامات الثقافية والإرهاب ومقاومة الدول الغربية. ومع ذلك، فإن كل دولة نامية تقريبا تريد انخراطا أكبر، وليس أقل، ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية. فكلهم بحاجة إليها.
وهذا هو السبب في أن الصين تدرك التحديات وتستمع إلى الانتقادات وتجري تصويبات مرحلية. بعد حشد قرابة تريليون دولار، وبعد إنشاء أكثر من 3000 مشروع تعاون، تعمل بكين على إصلاح سياساتي شامل.
وأدى تباطؤ الاقتصاد العالمي وزيادة أسعار الفائدة وارتفاع التضخم، الذي تفاقم بسبب الوباء والمشاكل الطبيعية للبرامج الجديدة، إلى جعل البلدان النامية تكافح من أجل خدمة ديونها. وقد اتهم بعض المسؤولين ووسائل الإعلام الغربية الصين بتعمد هيكلة ممارساتها الإقراضية لمصادرة أصول ضمن "دبلوماسية فخ ديون" محسوبة، وهي تهمة دحضها محللون غربيون. في عام 2019، بعد مراجعة 40 حالة من إعادة التفاوض على الديون الخارجية للصين، وجدت مجموعة "روديوم"، وهي مزود أبحاث رائد، أنه في حين أن إعادة التفاوض على الديون والضائقة بين البلدان المقترضة كانت شائعة، إلا أن مصادرة الأصول كانت نادرة الحدوث. ورغم ثقلها الاقتصادي، كان نفوذ الصين في المفاوضات محدودا.
في عام 2020، وبعد بعض المخاوف والترددات، انضمت الصين إلى الجهود الدولية لتخفيف عبء الديون، التي أطلق عليها اسم الإطار المشترك وأقرتها مجموعة العشرين، بهدف التنسيق بين الجهات الدائنة في مفاوضات الديون. ووجد تحليل أجراه مركز أبحاث السياسات الاقتصادية في 2022 أن الصين أصبحت أهم لاعب رسمي في إعادة التفاوض على الديون السيادية الدولية. ومنذ 2008، رتبت الجهات الدائنة الصينية ما لا يقل عن 71 عملية إعادة هيكلة للديون المتعثرة - أي أكثر من ثلاثة أضعاف عدد عمليات إعادة الهيكلة السيادية مع الدائنين من القطاع الخاص، وأعلى من العدد الإجمالي لعمليات إعادة الهيكلة في نادي باريس. وكثيرا ما يتطلب النهج الذي تتبناه الصين في حل الأزمات إعادة هيكلة متسلسلة للديون.
وتعتبر منطقة جنوب شرق آسيا محورية في رؤية مبادرة الحزام والطريق الصينية. وتشمل المشاريع الكبرى خط السكة الحديدية فائق السرعة الذي يبلغ طوله 1035 كم في لاوس؛ وخط سكة حديد جاكرتا وباندونغ فائق السرعة الذي افتتح للتو بطول 142 كم في إندونيسيا؛ ومشروع خط سكة حديد الساحل الشرقي بطول 665 كم في ماليزيا قيد الإنشاء.
وتجلب الأساليب الجديدة لتمويل مشاريع مبادرة الحزام والطريق، وخاصة من خلال البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي أسسته الصين وصندوق طريق الحرير، معايير مالية عالمية المستوى، بما فيها العناية الواجبة الصارمة وهياكل التمويل المتقدمة المصممة خصيصا للتدفقات النقدية المتوقعة لكل مشروع.
والمسؤولون الصينيون عازمون على استخلاص الدروس من مشاريع مبادرة الحزام والطريق المبكرة لتحسين مشاريع المبادرة المستقبلية عبر تشديد عملية الاختيار وجعل المشاريع أكثر إنتاجية وتعديل الهياكل المالية وجعل المشاريع أكثر حذرا والسيطرة على المخاطر المتنوعة لجعل المشاريع أكثر قابلية للتطبيق. إن الشيء الوحيد الذي لا يخضع للتصويب المرحلي هو رؤية الرئيس شي جين بينغ لمبادرة الحزام والطريق نفسها، التي أطلق عليها "مشروع القرن". ومن الجدير بالذكر، أن مبادرة الحزام والطريق قد أُدرجت في دستور الحزب الشيوعي الصيني.
وتركز التصويبات المرحلية في الصين على إدراك المخاطر وتقييمها وإدارتها ومنعها، بما في ذلك عدم اليقين السياسي وتدهور الظروف الأمنية، مع تزايد تواتر عمليات الخطف والسطو والهجمات المسلحة والهجمات الإرهابية. ويشمل أيضا حساسيات الصين العالية تجاه القضايا المحلية، مثل الاختلافات الثقافية، بما في ذلك التوترات بين العمال الصينيين والمحليين، والتصنيع المحلي، وخاصة مساعدة البلدان المضيفة على تطوير صناعاتها الخاصة، حتى لا يشعروا بأنهم باتوا يعتمدون عن غير قصد على الصين كمثل ما يسمى مستعمرة اقتصادية "استعمارية جديدة". ويُنصح مسؤولو مبادرة الحزام والطريق بإجراء تقييمات شاملة للمخاطر قبل "التحول إلى العالمية" وإطلاق المشاريع: يجب عليهم وضع أنظمة مراقبة للمخاطر والتحكم بها مسبقا لتحقيق "الكشف المبكر والإنذار المبكر والوقاية المبكرة".
وبدأت مبادرة الحزام والطريق كرؤية إستراتيجية للصين لربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى. ثم توسعت إلى جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. وبعد ذلك إلى أمريكا اللاتينية -- حقا إلى العالم النامي بأسره. واليوم، مع مجموعة واسعة من المشاريع والأنشطة، تجسد مبادرة الحزام والطريق طموح الصين الاقتصادي العالمي وبصمتها المتنامية. ويقال بأن المبادرة تمثل السياسة الخارجية للصين، المكلفة بتحقيق أهداف إستراتيجية، مثل تدويل الرنمينبي وتأمين الموارد الطبيعية من النفط للطاقة إلى الليثيوم للبطاريات.
واستشرافا للمستقبل، إلى جانب التحكم في المخاطر ومنعها، ستركز مشاريع مبادرة الحزام والطريق بشكل أكبر على العلوم والتكنولوجيا وعلى التحول الصناعي والاستفادة من المزايا الصناعية وسلسلة الإمداد في الصين. مع وجود 41 فئة صناعية رئيسية و207 فئة وسيطة و666 فئة صغيرة، فإن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي لديها جميع الفئات الصناعية الموجودة في التصنيف الصناعي للأمم المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن تكنولوجيات الصين باتت الآن على مستوى عالمي في مركبات الطاقة الجديدة، والسكك الحديدية عالية السرعة، والمعدات الهندسية البحرية، والطاقة الريحية والكهروضوئية، ونقل الطاقة وتحويلها. ومن شأن ذلك أن يوفر الفرص لتحقيق تعاون صناعي رفيع المستوى مع دول مبادرة الحزام والطريق.
ويشدد الرئيس شي على أن مشاريع مبادرة الحزام والطريق يجب أن تشمل مجالات نمو جديدة مثل المجالات الصحية والبيئية والرقمية، بما يعزز تبادل المعلومات وبناء القدرات في التنمية المستدامة منخفضة الكربون. في المجال الرقمي، تدعو الصين إلى نماذج أعمال جديدة للتعاون الخاص بمبادرة الحزام والطريق: المدن الذكية وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية والتجارة الإلكترونية. ويمكن للمدفوعات عبر الهاتف المحمول، حيث الصين رائدة في هذا المجال، أن تقود "التحول إلى العالمية" وتعزز القدرة التنافسية للتجارة الإلكترونية على طريق الحرير، وبالتالي زيادة تأثير الصين الدولي. ومع استمرار تطور مشاريع المبادرة، لتصبح أكثر تقنية وأكثر استهدافا، ستظهر فرص عمل جديدة، خاصة للشركات الخاصة.
ولتحسين جودة المشروع، ستعمل الشركات المملوكة للدولة بجهد أكبر لتأمين التمويل. واليوم، أصبحت السياسة البنكية في الصين أكثر تفاديا للمخاطر، ويتعين على الشركات المملوكة للدولة أن تصبح أكثر تقاسما للمخاطر. وهناك حالة حديثة في كينيا، حيث قامت الشركات الصينية المملوكة للدولة ببناء طريق سريع في نيروبي في إطار "شراكة بين القطاعين العام والخاص" مع الحكومة.
وتشير التقديرات إلى أنه في السنوات العشر المقبلة، ستزيد دول مبادرة الحزام والطريق حجم التجارة بمقدار 2.5 تريليون دولار أمريكي، مما يعزز العولمة الاقتصادية ويقلل من عدم المساواة العالمية. كما أنه سيسهل إعادة الاصطفاف الجيوستراتيجي، وإصلاح النظام الدولي. هذه هي خطة الصين.
إنني أتطلع قدما إلى مواصلة تتبع مبادرة الحزام والطريق لعشر سنوات أخرى. /نهاية الخبر/
ملحوظة المحرر: حاز روبرت لورانس كون، المفكر العام والخبير الإستراتيجي بمجال الشركات الدولية، على وسام الصداقة للإصلاح الصيني (2018). وهو أيضا رئيس مؤسسة (كون).
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وكالة أنباء ((شينخوا)).