بكين/جوهانسبرغ 18 أغسطس 2023 (شينخوا) في مارس 2013، وفي إطار أول جولة خارجية له كرئيس للصين، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ أفريقيا وحضر القمة الخامسة لمجموعة بريكس التي عُقدت في جنوب إفريقيا، حيث طرح المبادئ التوجيهية لسياسة الصين تجاه أفريقيا، وأوضح رؤاه الخاصة لتعزيز آلية بريكس.
بعد عشر سنوات، ستُعقد قمة بريكس في القارة الأفريقية مرة أخرى. وسيحضر الرئيس شي القمة الـ15 لمجموعة بريكس التي ستُعقد في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا ويقوم بزيارة دولة إلى جنوب إفريقيا في الفترة من 21 إلى 24 أغسطس. أثناء وجوده في البلاد، سيترأس شي حوار قادة الصين وأفريقيا بالمشاركة مع رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا
خلال السنوات العشر بين القمتين اللتين عقدتا في جنوب أفريقيا، نمت مجموعة بريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، لتصبح إطارا شاملا ومتعدد المستويات يلعب دورا حيويا على الساحة العالمية. ومن ناحية أخرى، تم إثراء الصداقة بين الصين وأفريقيا مع ازدهار تعاونهما في جميع النواحي.
ولأن العالم يواجه العديد من أوجه عدم اليقين ويمر بتغييرات متسارعة لم يشهد لها مثيلا منذ قرن من الزمان، يأمل المراقبون أن تؤدي زيارة شي المرتقبة والاجتماعات في جنوب أفريقيا إلى مواصلة ضخ الحيوية في آلية بريكس ودخول مرحلة جديدة من التعاون بين الصين وأفريقيا والتعاون بين بلدان الجنوب.
-- كتابة فصل جديد في تطور مجموعة بريكس
لدى إشارته إلى أن مجموعة بريكس أتاحت للدول النامية فرصة لتعزيز تأثيرها وإيصال أصواتها في الحوكمة العالمية، قال كافينس أدهيري، الباحث في العلاقات الدولية والمقيم بكينيا، إن "الانضمام إلى مجموعة بريكس يسمح للدول بالانضمام إلى مجموعة تسعى إلى النهوض بالتعددية القطبية ونظام دولي أكثر إنصافا".
في الواقع، قبل 22 عاما، عندما صاغ الاقتصادي البريطاني جيم أونيل مصطلح "بريك" -- وهو عبارة عن اختصار للحروف الأولى لأسماء أربع دول وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، لم يكن ليتصور كيف يمكن لنهضة هذه الاقتصادات الناشئة أن تعيد تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي والحوكمة العالمية.
مع انضمام جنوب أفريقيا رسميا إلى المجموعة لتصبح عضوا فيها عام 2011، تم توسيع مجموعة بريك لتصبح مجموعة بريكس التي تمثل حاليا حوالي ربع إجمالي الناتج المحلي العالمي وحوالي 40 في المائة من سكان العالم.
وقد تطورت لتصبح أكثر منصات التعاون فيما بين بلدان الجنوب تأثيرا ومحركا هاما للنمو العالمي، حيث تعمل ثلاث ركائز رئيسية على تعزيز آليتها، وهي التعاون السياسي والأمني، والتعاون الاقتصادي والمالي، فضلا عن التبادلات الثقافية والشعبية.
ويشكل إنشاء بنك التنمية الجديد في عام 2015 معلما رئيسيا للتعاون بين مجموعة بريكس. ويهدف البنك ومقره شانغهاي إلى حشد الموارد لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في مجموعة بريكس والاقتصادات الناشئة الأخرى.
أظهرت الأرقام الصادرة عن البنك في وقت سابق من هذا العام أنه وافق على ما يقرب من مائة مشروع بقيمة إجمالية تبلغ 33.2 مليار دولار أمريكي، هو ما يساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الأعضاء فيه. كما قام البنك بتعزيز مؤهلاته الخضراء والمستدامة، حيث تركز حوالي 40 في المائة من مشاريع البنك على التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه.
ومن جانبه قال أنيل كيشورا، نائب رئيس بنك التنمية الجديد وكبير مسؤولي المخاطر فيه، إن "بنك التنمية الجديد يعد واحدا من أحدث بنوك التنمية متعددة الأطراف في العالم. وفي غضون فترة قصيرة مدتها ثماني سنوات، رسخ بنك التنمية الجديد نفسه كبنك تنموي رئيسي عالمي متعدد الأطراف".
ومن ناحية أخرى، دعا أعضاء مجموعة بريكس إلى إقامة شراكة بشأن الثورة الصناعية الجديدة لتعميق التعاون في مجالات الرقمنة والتصنيع والابتكار.
خلال تطور مجموعة بريكس، لم تتردد الصين قط في المساهمة. ففي مارس 2013، حضر شي بصفته الرئيس الصيني قمة مجموعة بريكس للمرة الأولى في ديربان بجنوب أفريقيا. وخلال السنوات العشر التالية، بذل شي جهودا متضافرة مع قادة الدول الأعضاء الأخرى في مجموعة بريكس لدفع قمم بريكس إلى إنتاج سلسلة من النتائج الرائدة والقيادية والمؤسسية.
وقد ذكرت إيرينا كوكوشكينا، الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد العالمي في جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية، أن "الصين قدمت نموذجا يحتذى به في ممارسة التعاون متبادل المنفعة والقائم على قدم المساواة، ولعبت دور أمة عظيمة في مجموعة بريكس لتحقيق التوازن والاستقرار في العلاقات الدولية".
-- استكشاف فرص جديدة للصداقة بين الصين وأفريقيا
قال كينيث كريمر، كبير المحاضرين في جامعة ويتواترسراند، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن حضور الرئيس شي لاجتماع قادة دول مجموعة بريكس وزيارة الدولة التي سيقوم بها لجنوب أفريقيا لهما أهمية كبيرة. وإن هذه الزيارة ستسهم في توطيد العلاقات بين الدولتين".
وكما أشار كريمر، فقد شهدت العلاقات بين الصين وجنوب أفريقيا تطورا شاملا وسريعا على مر السنين. وقد تواصل زعيما البلدين بشكل متكرر مع بعضهما البعض في مناسبات ثنائية ومتعددة الأطراف أو خلال أحداث عبر شبكة الإنترنت، وهو ما ارتقى بالتعاون الثنائي إلى مستويات أعلى.
خلال محادثة هاتفية مع رامافوسا جرت في 9 يونيو، قال شي إن الصين وجنوب أفريقيا دولتان ناميتان كبيرتان ومهمتان، وتربطهما علاقات ودية خاصة مثل الأخوة.
وقد أظهرت البيانات الصادرة عن الصين أنه في النصف الأول من العام، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 28.25 مليار دولار أمريكي، بزيادة 11.7 في المائة على أساس سنوي.
وحافظت الصين على مكانتها كأكبر شريك تجاري لجنوب أفريقيا لمدة 14 عاما متتالية، بينما ظلت جنوب أفريقيا أكبر شريك تجاري للصين في أفريقيا لمدة 13 عاما متتالية.
لقد أصبحت العلاقات بين الصين وجنوب أفريقيا نموذجا يُحتذى به للعلاقات بين الصين وأفريقيا، والتعاون بين بلدان الجنوب، والوحدة والتعاون بين دول الأسواق الناشئة، وهو ما يقدم تجربة قيمة لبناء مجتمع أقوى ذي مستقبل مشترك بين الصين وأفريقيا.
خلال زيارته إلى أفريقيا في عام 2013، اقترح شي مفهوم الإخلاص والنتائج الحقيقية والتقارب وحسن النية، والنهج الصحيح للعدالة والمصالح، وهي المبادئ التوجيهية لسياسة الصين تجاه أفريقيا. وخلال العقد الماضي، وفي إطار تلك المبادئ، تم دفع العلاقات بين الصين وأفريقيا إلى المسار السريع للتنمية.
وفقا لوزارة التجارة الصينية، ظلت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 14 عاما متتالية. وقام الجانبان معا ببناء وتشغيل ما يزيد على 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، وما يقرب من 100 ألف كيلومتر من الطرق السريعة، ومجموعة من مشاريع البنية التحتية الهامة، بما في ذلك مطارات وأرصفة وجسور ومحطات توليد كهرباء.
في السنوات الأخيرة، توسع التعاون بين الصين وأفريقيا من الزراعة والبنية التحتية والتصنيع إلى صناعات جديدة مثل الاقتصاد الأخضر والصحة والتمويل والابتكار الرقمي.
ومن جانبه قال كوستانتينوس برهوتسفا كوستانتينوس، أستاذ السياسة العامة بجامعة أديس أبابا في إثيوبيا، إن العدالة السياسية والمنفعة الاقتصادية المتبادلة والتعاون المربح للجميع والتنمية المشتركة هي التي أرست الأساس لمستقبل مشترك لأفريقيا والصين.
-- صياغة مستقبل أكثر إشراقا للجنوب العالمي
تعقد قمة هذا العام تحت شعار (بريكس وأفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع المتبادل والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة)، حيث تسلط الضوء على كيف يمكن لهذه الاقتصادات الناشئة تعزيز الروابط مع قارة تضم عددا كبيرا من الدول التي تنتمي أيضا إلى الجنوب العالمي.
وثمة آمال كبيرة يعقدها الخبراء والمراقبون على نتائج القمة. ويتمثل أحد محاورها الرئيسية في توسيع عضوية المجموعة.
انطلاقا من انفتاح وشمول مجموعة بريكس، قرر عدد أكبر من الدول التقدم بطلب للانضمام إلى المجموعة، وهو ما يعكس تطلعا مشتركا من جانب الدول النامية إلى التركيز على تنميتها الخاصة، والسعي إلى الوحدة والتعاون، ومعارضة التدخل الخارجي.
وقال شيربا أنيل سوكلال، ممثل جنوب أفريقيا المعتمد لدى مجموعة بريكس، إن "22 دولة اتصلت رسميا بدول مجموعة بريكس لتصبح أعضاء كاملي العضوية في المجموعة. وهناك عدد مماثل من الدول التي طلبت بشكل غير رسمي أن تصبح أعضاء في مجموعة بريكس".
والصين، باعتبارها عضوا في الجنوب العالمي، ركزت دوما على الاحتياجات الأكثر إلحاحا للدول النامية. حيث اقترحت نموذج تعاون "بريكس بلس"، وأعربت عن دعمها لعملية توسيع عضوية مجموعة بريكس.
وقد قال شي خلال استضافته القمة الـ14 لمجموعة بريكس في بكين عبر رابط فيديو العام الماضي إن "دول بريكس لا تجتمع في نادٍ مغلق أو دائرة حصرية، ولكن في أسرة كبيرة من الدعم المتبادل والشراكة من أجل التعاون المربح للجميع".
وذكر شي أن "جلب دماء جديدة سيضخ حيوية جديدة في تعاون بريكس ويزيد من تمثيل المجموعة وتأثيرها"، مؤكدا أنه "من الأهمية بمكان دفع هذه العملية للسماح للشركاء ذوي التفكير المماثل بأن يصبحوا جزءا من أسرة بريكس في وقت قريب".
ومن ناحية أخرى، فإنه مع تصاعد الأحادية والحمائية، تتزايد الانتقادات الموجهة للقواعد الاقتصادية العالمية التي يهيمن عليها الغرب. وقد تكهن الخبراء بأن مجموعة بريكس ستتخذ المزيد من الإجراءات للنهوض بنظام اقتصادي أكثر عدلا، بما في ذلك إنشاء عملة مشتركة لمجموعة بريكس.
وفي هذا الصدد، قال دومينيك بريوس، وهو كاتب اقتصادي مستقل وخبير تكنولوجيا هندسية في جنوب أفريقيا، "أود أن أسمع المزيد من التفاصيل حول عملة بريكس المقترحة. إن تغيير التجارة بين جنوب إفريقيا والصين من كونها تجري بالدولارات الأمريكية إلى عملة لمجموعة بريكس سيكون بمثابة خطوة كبيرة في السياسة العالمية".
وأضاف بريوس أن إنشاء سوق عالمية خالية من الهيمنة سيكون موضع ترحيب.
أما كريمر فأشار إلى أن "العديد من بلدان الجنوب العالمي سعت إلى التكاتف من أجل العمل على إقامة نظام عالمي أكثر عدلا وشمولا...إن بريكس تلهم العديد من الدول للتكاتف مرة أخرى من أجل دفع هذه الرؤية قدما".
وقد ذكر تشارلز أونونايجو، مدير مركز الدراسات الصينية في أبوجا، أن مجموعة بريكس تتماشى مع اتجاه التعددية، مشيرا إلى أنه "من الواضح أن هذا الاتجاه له مستقبل عظيم. وآلية بريكس تعمل على دفعه في اتجاه إيجابي للغاية".