غزة 17 أغسطس 2023 (شينخوا) في تنامي ملحوظ، أطلق غزيون مبادرات شعبية خيرية بهدف مساعدة العائلات الفقيرة في القطاع المحاصر منذ أعوام في محاولة للتغلب على واقعهم المأساوي الذي يعانون منه في ظل ارتفاع نسبة الفقر والبطالة.
ولجأ مجموعة من أصحاب المحال التجارية والبقالة في الأيام الأخيرة لإعفاء عائلات فقيرة (مديونة) من دفع الديون المستحقة عليهم، فيما تبرع آخرون بمساعدات نقدية وعينية في خطوة اعتبروها بأنها "مساهمة بسيطة للتخفيف من الأعباء المالية عن تلك العائلات التي بالكاد تستطيع توفير لقمة العيش".
وأعفى رجب نصير، صاحب محل لبيع الفواكه والخضراوات من بلدة بيت حانون أقصى شمال القطاع، أخيرا عشرات العائلات الفقيرة من سداد أي من ديونهم المستحقة بقيمة 2000 دولار أمريكي، من خلال تمزيق دفتر مدون به جميع الديون على سكان يعيشون في منطقته.
ويقول نصير (50 عاما) لوكالة أنباء ((شينخوا)) "هناك العديد من العائلات التي تراكمت عليها الديون والتي لم ولن تتمكن من سدادها في يوم من الأيام بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه السكان في القطاع".
ويضيف نصير "بسبب الديون، بالكاد تستطيع تلك العائلات التعامل بارتياح مع محيطها لأنها تشعر دوما بأنها مطالبة بتسديد الأموال التي بالكاد يتمكنون من الحصول على بعض منها من خلال المساعدات النقدية والتي لا تكفي حتى لشراء المستلزمات الأساسية لأطفالهم".
لذلك، يشرح نصير "أطلقت مبادرة خيرية مع مجموعة من التجار في بلدتي لتسوية جميع الديون المالية على السكان المحليين ولنؤكد لإخواننا الفقراء بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة واقعهم المرير وبأننا قادرون من خلال هذه المبادرات التخفيف عنهم الأعباء النفسية الناتجة عن وضعهم الاقتصادي الصعب".
السبب ذاته، دفع شاهر أبو عودة صاحب محل لبيع الهواتف الخلوية الذكية لإعفاء العشرات من زبائنه من سداد ديون متراكمة عليهم منذ شهور طويلة بقيمة 8000 دولار أمريكي.
ويقول أبو عودة (43 عاما) لوكالة أنباء ((شينخوا)) "جميع السكان في القطاع (الغني والفقير) تأثروا سلبا بسبب تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية ولكن العائلات الفقيرة كانوا الأكثر تضررا سواء كان على الصعيد الاقتصادي أو النفسي".
ويضيف "لذلك، يجب علينا جميعا دائما الشعور بالآخرين من جيراننا وأهلنا والتخفيف عنهم من خلال إطلاق مبادرات خيرية من وقت لآخر"، مشيرا إلى أن هذه المبادرات ترسخ مفهوم "التكافل الاجتماعي" بين أبناء الشعب الواحد الذي يعاني من "الاضطهاد والحصار وقلة فرص العمل وارتفاع نسب البطالة".
إلى جانب إعفاء محمد الشرفا، تاجر ملابس بمدينة غزة العائلات الفقيرة من ديونها، أعلن عن تقديمه لزي مدرسي لـ200 طالب مدرسي مجانا كتبرعات عينية لهم تمكنهم من الالتحاق بالعام الدراسي المقبل.
ويقول الشرفا لـ((شينخوا)) "للأسف الشديد، بعض العائلات لا تستطيع إرسال أطفالها للمدارس بسبب عدم قدرتهم على توفير مستلزماتهم الأساسية مثل الزي والقرطاسية اللازمة للدراسة".
ويؤكد الشرفا أهمية تكاتف جميع شرائح المجتمع في القطاع (سواء تجار أو حتى أفراد يملكون الأموال) من أجل السماح لجميع الطلاب بالذهاب للمدارس واستكمال تعليمهم.
وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة منذ العام 2007 عقب سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عليه بالقوة بعد جولات من الاقتتال المسلح مع القوى الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
إلى جانب ذلك، شنت إسرائيل العديد من الحروب واسعة النطاق، أوقعت آلاف القتلى والجرحى، بالإضافة إلى آلاف من المرضى النفسيين نتيجة الضغوط النفسية التي تعرضوا لها ودمار كبير في المباني والبنية التحتية.
نتيجة لذلك، يعاني 45 % من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون من البطالة، و 53 % من الفقر و 64.4 % من انعدام الأمن الغذائي، فيما يعتمد 80 % منهم على المساعدات الدولية، وفقا لسجلات فلسطينية وبيانات الأمم المتحدة، تم إصدارها في مناسبات مختلفة.
من جهتها، قالت تساهيل أبو جزر من مدينة رفح جنوب القطاع لـ((شينخوا)) إن المساعدات التي تتلقاها من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والشؤون الاجتماعية بالكاد تمكنها من توفير الطعام لأطفالها السبعة فقط.
وأضافت أبو جزر أن "الحياة لا تقوم بشكل أساسي على الطعام فقط، ولكن هناك مستلزمات أخرى تحتاجها الأسر الفقيرة، مثل العيش فى منزل صحي وتوفير كافة متطلبات الحياة الكريمة لأطفالنا".
وتابعت أبو جزر بينما تشكو صعوبة الحال بأنها لن تكون بحاجة لتلقي المساعدات من أي جهة كانت لو "توفر العمل لزوجها الذي يعاني من البطالة منذ سنوات طويلة".
حاليا، تشرح السيدة ذات البشرة القمحية "لولا المبادرات الخيرية التي يطلقها التجار وأهل الخير في غزة، لما تمكنت من إرسال أبنائي إلى المدرسة لعدم قدرتي على شراء أي من المستلزمات اللازمة للزي المدرسي ولا حتى القرطاسية".
ودعت إلى تكثيف مثل هذه المبادرات التي تستهدف التخفيف عن الفقراء، كما دعت أصحاب رؤوس الأموال والتجار إلى العمل على توظيف الشباب الخريجين والعاطلين عن العمل من أجل الاستفادة من الطاقات لديهم.
من جانبه، أشاد الخبير الاقتصادي سمير أبو مدللة بالمبادرات التي انطلقت في غزة الأيام الماضية بشكل فردي، معتبرا إياها خطوة مهمة من شأنها تعزيز الترابط المجتمعي في القطاع الذي يعاني أوضاعا اقتصادية صعبة.
ومع ذلك، يقول أبو مدللة لـ((شينخوا)) إن المبادرات لا تحل سوى 2 % من الأزمة التي يعاني منها السكان في القطاع، مشددا على ضرورة إيجاد حلول حقيقية للتغلب على حالات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي الذي يستشري في القطاع مع مرور الأعوام.