روابط ذات العلاقة
قد تكون التنمية المشتركة بين الجانبين الصيني والجزائري هي من أكثر سمات العلاقة الصينية الجزائرية أهمية، لا سيما وأن الجزائر اليوم تبحث عن طريق تنموي يناسب ما تهدف إلى تحقيقه من تقدّم وتنمية.
عندما طرحت الصين مبادرة الحزام والطريق عام 2013، كانت تدرك تمام حجم الحاجة العالمية إلى بناء المزيد من الطرق والجسور للتواصل والوصول، ليس فقط التواصل الاقتصادي والسياسي، وإنما التواصل الحضاري بأنواعه كافة، وانطلاقا مما نؤمن به بأن المستقبل يُصنع من خلال تكثيف العمل في الزمن لحاضر تمهيدا للوصول إلى مستقبل آمن، عملنا على تكثيف الترابط والتواصل بين الصين ومختلف الدول، لا سيما العربية منها، وقد كان التعاون الصيني الجزائري ملفتا طيلة السنوات الماضية، وتحديدا العام الفائت، إذ تم التوقيع على خطة خمسية للتعاون الاستراتيجي الشامل الصيني-الجزائري (2022-2026).
تعد هذه الاتفاقية ثاني خطة تعاون استراتيجي شامل مدتها خمس سنوات يوقعها الجانبان منذ إقامة شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين في عام 2014، بهدف زيادة تعزيز التعاون الصيني الجزائري في مختلف المجالات، مثل الاقتصاد، والتجارة، والطاقة، والزراعة، والعلوم، والتكنولوجيا، والفضاء، والصحة، والتبادلات الشعبية والثقافة وغيرها، وتعزيز المواءمة بين استراتيجيات التنمية في البلدين.
تميزت العلاقة بين الجزائر وبكين بجانبها التاريخي، إذ تعتبر الصين أول بلد اعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة، التي أُعلن عن تشكيلها خلال حرب التحرير الجزائرية في عام 1958، وذلك قبل أي دولة عربية أخرى. ومع حلول عام 2016 أصبحت الصين المصدِّر الأول للجزائر متجاوزة بذلك دولا أوروبية أخرى مثل فرنسا، التي ظلت لفترة طويلة المصدّر الرئيسي للجزائر، نظراً لأسباب تاريخية وسياسية.
اقتصاديا
شهدت العلاقات الصينية الجزائرية مؤخرا منحى تصاعديا، إذ أنجزت الشركات الصينية مشاريع مهمة في الجزائر، منها: الطريق السريع شرق غرب بقيمة وصلت إلى حوالي 20 مليار دولار، وجامع الجزائر بقيمة تقارب مليار دولار. وفي مارس من العام الماضي، بدأت الصين باستثمار بقيمة 7 مليارات دولار في قطاع الفوسفات لإنتاج 5.4 ملايين طن من المخصبات الزراعية، كما حصلت 3 شركات صينية على مشروع منجم غار جبيلات لاستخراج خام الحديد بقيمة ملياري دولار في المرحلة الأولى.
تعد الصين أول ممول تجاري للجزائر منذ عام 2019 بما يعادل 9 مليار دولار، وقد ازدادت المبادلات التجارية من مليار دولار عام 2003 إلى أكثر من 9 مليار دولار بين عامي 2019-2020. وكذلك فإن رصيد الاستثمارات الصينية في الجزائر قد خضع لنمو متسارع، إذ ارتفعت من 1.9 مليار دولار أميركي خلال الفترة 1979-2002 إلى 22 مليار دولار خلال الفترة 2005-2016.
وكان قد أشار موقع "تعقّب الاستثمار الصيني العالمي" (China Global Investment Tracker)، وهو موقع استخبارات أعمال، أنشأه معهد المشاريع الأمريكية (American Enterprise Institute) ومؤسسة التراث (Heritage Foundation)، لقياس الوجود الصيني في العالم، إلى أن الصين حصلت في الفترة من يناير 2005 إلى يونيو 2016، على 29 عقداً في الجزائر بقيمة إجمالية تصل إلى 22.2 مليار دولار.
وعلى الرغم من أهمية البيانات السابقة على الصعيد الاقتصادي في العلاقات الصينية إلا أنّ آفاق تلك العلاقات تبدو أوسع وأمتن من الاستثمار والتجارة، وها هي زيارة الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" خير شاهد على ذلك، وهو ما أعلنته وزارة الخارجية الجزائرية أيضا بأن هذه الزيارة تأتي في إطار "تعزيز العلاقات المتينة والمتجذرة وتقوية التعاون الاقتصادي بين البلدين". إذ من المتوقع أن ينتج عن الزيارة توافقا في عدد من المجالات بما في ذلك الاقتصادية والسياسية والثقافية، مثل الزراعة والأمن الغذائي والتكنولوجيا والطاقة المتجددة والبنية التحتية واستغلال الموارد الطبيعية والتعليم العالي والبحث العلمي.
ولعلّ أكثر ما يلفت النظر في العلاقات الصينية الجزائرية هي أنها علاقات متوازنة إذ أنها لا تفضي إلى إنشاء ميزان تجاري خاسر، فعلى الرغم من أن الصين تعد ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، إلا أنها لا تهدف إلى استغلال الدول الأخرى أو النيل من أمنها الاقتصادي، بل على العكس تماما إن الصين تؤمن بأهمية "التنمية المشتركة" تحقيقا للأمن، ففي الصين يوجد مقولة مشهورة ألا وهي: "حيث يوجد تنمية، يوجد أمان" فالجانب الأمني في عصرنا الحالي لا ينفكّ عن الجانب التنموي الاقتصادي، وبالتالي فإن الصين تهدف في شراكاتها مع الدول الأخرى إلى تحقيق الفائدة المشتركة لجميع الأطراف، بعيدا عن فرض الرؤى وإقامة علاقة تبعية.
على طريق التنمية المشترك
بعد أن عملت الصين على تحقيق تنمية اقتصادية في الداخل، وبعد النجاح في عملية "التحديث الصيني النمط" بدأت تعمل على مشاركة تجربتها في عملية التنمية مع الدول الأخرى، لا سيما وأنها كانت تنمية مستقلة بالاعتماد على الذات، بعيدا عن إتباع أي نمط أو قالب جاهز من الدول الأخرى، فعلى الرغم من جنوح الكثير من الدول إلى إتباع النمط الغربي وتقليده تقليدا أعمى في سبيل اللحاق بركب تطور العصر وتقدمه، إلا أنّ تجربة الصين أثبتت أن نمط التحديث يجب أن ينطلق من الظروف الوطنية لكل بلد، ليأتي متجانسا مع كل دولة وخصائصها ومشاكلها وميزاتها، ولذلك فإن إطلاق مبادرات تنموية مثل: "مبادرة الحضارة العالمية، مبادرة التنمية العالمية، مبادرة الأمن العالمي" لا تهدف إلى فرض شروط على الآخر، بل تطمح إلى إقامة عالم يسوده الأمن والسلام، فكما قال الرئيس الصيني "شي جينغ بينغ" : إطفاء مصابيح الآخرين لن يجعلك أكثر إشراقًا؛ إن سد طريق الآخرين لن يجعلك تذهب إلى أبعد من ذلك". وبذلك فإن تنمية الدول وتطورها عبارة عن مزيج من الاعتماد على الذات وتشارك الخبرات مع الدول الأخرى، لا سيما الدول التي تملك تجارب غنية في المجالات التنموية.
وأما اليوم ومن خلال التعاون الصيني الجزائري فإننا نطمح إلى تقديم المساعدة إلى تلك الدولة الصديقة، وإقامة علاقات تعاون وصداقة بناء على مبدأ "رابح-رابح"، فكما قال الرئيس الصيني: "لا بد لنا من العمل على إنعاش الاقتصاد وتحقيق تنمية عالمية أقوى وأكثر اخضرارا وصحة، والعمل سوية على دفع التنمية العالمية نحو مرحلة جديدة تتميز فيها بالتوازن والتناسق والشمولية" وهو السياق ذاته الذي طرح من خلال الرئيس الصيني مبادرة التنمية العالمية التي تقوم على المبادئ التالية: "التمسك بالأولوية التنموية، التمسك بوضع الشعب في المقاوم الأول، التمسك بالمنفعة والشمولية، التمسك بالتنمية المدفوعة بالابتكار، التمسك بالتعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة، التمسك بالتركيز على العمل".
خاتمة
كانت ولم تزل الصين تؤمن بأهمية العمل المشترك، مع الحفاظ على خصوصية كل دولة من خلال تحفيزها على إتباع طريق تنموي مستقل يتناسب مع خصائص تلك الدول، فتجربة النهوض الصيني كانت تجربة مليئة بالمصاعب، وقد تعلّمنا منها الكثير، وهو ما نأمل أن ننقله إلى باقي الدول الصديقة وفي مقدمتها الجزائر، فزيارة الرئيس الجزائري هذه تتزامن مع الذكرى الـ65 لإقامة العلاقات الدبلوماسية الصينية الجزائرية، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على الثبات والتمسك بالمضي قدما على طريق التنمية وصولا إلى الازدهار.