بكين 4 يوليو 2023 (شينخوا) تتجه الأنظار إلى الاجتماع الثالث والعشرين لمجلس رؤساء دول منظمة شانغهاي للتعاون الذي يعقد اليوم (الثلاثاء) افتراضيا في الهند. ويأتي الاجتماع وسط رغبة متزايدة وملحوظة من بلدان عدة لإقامة علاقات مع المنظمة. وخلال جلسة مجلس وزراء خارجية دولها الأعضاء مؤخرا، وقع الأمين العام للمنظمة تشانغ مينغ على مذكرة تفاهم مع ممثلي أربع دول، من بينها الكويت والإمارات العربية المتحدة، لمنحها صفة شريك حوار.
وبذلك ارتفع إلى 6 عدد الدول العربية التي وافقت منظمة شانغهاي للتعاون على قبولها كشركاء حوار وهي مصر والمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت.
يعتبر بلا شك انضمام "الشركاء الجدد" أحد أبرز النقاط اللامعة والمثيرة للاهتمام. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا باتت المنظمة تحظى بجاذبية متنامية بين الدول العربية؟
-- التعاون خيار ضروري
في الواقع، التعاون بين المنظمة والدول العربية ليس ظاهرة وليدة اللحظة. في عام 2017، أنشأت الأمانة العامة لمنظمة شانغهاي للتعاون اتصالات مع ممثلي جامعة الدول العربية في بكين. وفي قمة دوشنبه، العاصمة الطاجيكية، عام 2021، تم التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن التعاون بين المنظمة وجامعة الدول العربية. وقد فتحت هذه الخطوة الفارقة الباب أمام انضمام الدول العربية إلى منظمة شانغهاي للتعاون كشركاء حوار.
وأشار تشانغ مينغ إلى أن الغرض الأساسي لمنظمة شانغهاي للتعاون هو التعاون. واسترشادا بـ"روح شانغهاي"، تتفاعل الدول الأعضاء مع بعضها البعض على أساس الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة التامة، وتسعى للتعاون في إطار المنظمة بناء على التفاهم والتشاور. وهذا التعاون بحد ذاته يوفر الأجواء المناسبة لتعزيز الثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء وبناء علاقات طيبة.
وقالت نورهان الشيخ، أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن انضمام مصر كشريك حوار لمنظمة شانغهاي للتعاون سيعود على مصر بفوائد كثيرة، موضحة أن التعاون في الملف الأمني ومكافحة الإرهاب في إطار المنظمة سيكون أوسع وتبادل المعلومات سيكون أكبر.
وفي الواقع، منذ تأسيس منظمة شانغهاي للتعاون في عام 2001، تم تحديد مكافحة الإرهاب كهدف رئيسي واتجاه أساسي.
وقال خير ذيابات، الأستاذ بقسم الشؤون الدولية في جامعة قطر، لوكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا، إن الدول العربية التي أصبحت شركاء حوار للمنظمة يمكنها التعاون مع دول الأعضاء في المنظمة في مكافحة الإرهاب والتطرف والانفصالية، وهو أمر يعود بالنفع على الاستقرار والأمن على صعيد الأوطان.
وفسر علي الخشيبان، وهو كاتب ومحلل سياسي في جريدة ((الرياض))، النمو الكبير الذي حققته منظمة شانغهاي في أعداد المنتمين إليها كشركاء حوار ومراقبين إلى اضطراب المشهد السياسي والأمني الدولي ورغبة الدول في البحث عن مسارات أخرى تخدم إعادة الاستقرار وترسيخ الأمن.
-- آفاق جديدة للتنمية
بالإضافة إلى الاعتبارات المتعلقة بالأمن والاستقرار، يعتقد الخبراء العرب أن المنظمة توفر فرصا تنموية جديدة بما لها من تأثير إيجابي على التعاون الاقتصادي وتدفق التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء.
وقال الكاتب والخبير السوري عمر المقداد في مقابلة مع وكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا إن المنظمة تغطي أكثر من 60 بالمائة من مساحة اليابسة في أوراسيا وما يقرب من نصف سكان العالم وتحتوي ثروات هائلة تحرك الاقتصاد العالمي وتخدم التنمية المستدامة.
وصرح الكاتب والخبير السوري عمر المقداد بأن انضمام الدول العربية إلى المنظمة من شأنه أن يعود بفوائد كبيرة جدا عليها سواء في الجانب السياسي والتوجه نحو عالم متعدد الأقطاب ومعالجة أزمات المنطقة بحكمة وعقلانية أو لجهة الفوائد الاقتصادية والتنمية المتبادلة ونمو الاقتصادات العربية.
وشاطره الرأي أحمد إبراهيم، الخبير في القضايا الدولية في المملكة العربية السعودية، مضيفا أن المملكة تعمل على تسريع وتيرة "التطلع إلى الشرق" وتتوقع تعميق التعاون مع الدول الأعضاء بمنظمة شانغهاي للتعاون في مختلف المجالات وخاصة في المجالين الاقتصادي والتجاري.
وفي السنوات الأخيرة، تعمل المنطقة النموذجية المحلية للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومنظمة شانغهاي للتعاون في مدينة تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الواقعة شرقي الصين بنشاط على توسيع مجالات التعاون مع الدول العربية. وقامت المنطقة بجهود كبيرة للتواصل مع شركات رائدة في السعودية مثل مجموعة عجلان واخوانه القابضة وتعزيز التعاون الاستثماري في مجال الابتكار التكنولوجي، وتوسيع نطاق الأعمال إلى سوق الشرق الأوسط. وفي المجمل، تتمتع المنطقة والدول العربية بقاعدة تعاون قوية وإمكانات ضخمة للتطور إلى شريكين استراتيجيين مهمين لبعضهما البعض.
وعلى هذا النحو، أكد خبير أسواق المال المصري عمرو وهيب لمنصة ((فورتشن العربية)) على قوة المنظمة الاقتصادية لمصر وباقي الدول العربية الأعضاء التي تهدف إلى توسيع قاعدة الاستثمارات من خلال فتح نوافذ جديدة داخل المنظمة التي تضم العديد من القوى الاقتصادية الكبرى مثل الصين.
وأشار أيضا إلى أن انضمام المزيد من الدول العربية إلى هذه المنظمة يساعد على التحرر من سيطرة الدولار على حركة التجارة الدولية.
وفي قمة العام الماضي، وافق قادة الدول الأعضاء على خارطة طريق لتوسيع نسبة التسوية بالعملات المحلية للدول الأعضاء تدريجيا. وفي مايو من هذا العام، أشار تشانغ مينغ إلى أن تنفيذ مهام خارطة الطريق قد بدأ، وأن الدول الأعضاء تناقش إنشاء بنك تنمية منظمة شانغهاي للتعاون وحساب خاص بها.
-- التعددية اتجاه كبير
في الوقت الحالي، تزداد الرغبة في الدول العربية على تقرير شؤونها الوطنية بشكل مستقل. وتتصاعد دعوات الدول العربية لتعزيز التعددية العالمية في العالم.
وقالت سهام كمال، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب المصري، في مقابلة مع جريدة ((الشرق الأوسط))، إن الدول العربية يجب أن تسعى لتوسيع علاقاتها مع الدول الأخرى للتخلص من الضغط المفروض عليها من قبل الولايات المتحدة.
وقد أعاد تشانغ مينغ في مؤتمر صحفي مؤخرا التأكيد على أن منظمة شانغهاي للتعاون ليست تحالفا سياسيا أو عسكريا بل تعارض بشدة الهيمنة والاستبداد والتنمر، ولا تقوم أبدا بإنشاء "دوائر صغيرة"، بل تؤيد المشاورات والبناء المشترك والمشاركة على أساس ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، وتوفر منصة ونموذجا جديدا للتعاون متعدد الأطراف لتحسين الحوكمة العالمية.
ولهذا السبب، ترحب العديد من الدول العربية بمنظمة شانغهاي للتعاون.
وقد رد سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، على انضمام الإمارات كشريك حوار لمنظمة شانغهاي للتعاون في مايو من هذا العام، معربا عن تأييده الثابت لمبدأ التعددية في المجتمع الدولي. وأكد أن المنظمة تلعب دورا حاسما في بناء جسور التعاون بين الدول الأعضاء لتحقيق الأهداف المشتركة.
ويشير ناصيف حتي، وزير للخارجية اللبنانية السابق، في مقالة له بصحيفة ((الشرق الأوسط))، إلى أن منظمة شانغهاي للتعاون خير ما يعبر عن سمات النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب، مضيفا أنها "تعكس تحالفا يهدف للبناء على ما هي مصالح مشتركة تنتج عنها رؤية مشتركة للتعامل مع قضايا أساسية مهمة، وتعزيز التعاون فيما بينها بشأن هذه المصالح".
وبوصفها إحدى الدول المؤسسة للمنظمة، تلتزم الصين بالحفاظ على التعددية. وفي مارس من هذا العام، تم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران بوساطة الصين، وحظيت الصين بتقدير واسع من قبل دول المنطقة.
وقال أبو بكر الديب، مستشار المركز العربي للبحوث والدراسات والباحث في العلاقات الدولية، في مقابلة خاصة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا، إن منظمة شانغهاي للتعاون تساهم في كسر الاحتكار الغربي لقيادة العالم عبر الولايات المتحدة ومجموعة السبع الصناعية الكبرى، مؤكدا أن المنظمة تسعى لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب تسوده العدالة وتوزيع عادل للثروات، وتحقيق التنمية المستدامة في الدول العربية والإفريقية.