تشهد الصين خلال الفترة الأخيرة زيارات مكوكية لافتة لممثلي مجتمع الأعمال ورؤساء كبرى الشركات العالمية. وفي يوم 30 مايو 2023، هبطت طائرة خاصة على متنها الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، في العاصمة الصينية بكين في أول زيارة له الى الصين منذ ثلاث سنوات. وفي غضور 24 ساعة فقط، التقى إيلون ماسك مع ثلاثة وزراء صينيين، من وزارة الخارجية الصينية، ووزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، ووزارة التجارة. ويعتبر الغرض من زيارة ماسك الى الصين واضحاً: " الاستعداد لمواصلة توسيع الاعمال في الصين ومشاركة فرص التنمية". كما أعرب لاكسمان ناراسيمهان الرئيس التنفيذي لشركة ستاربكس الجديد الذي تولى الرئاسة في شهر مارس من هذا العام، ووصل الى الصين في نفس اليوم، عن أمله في أن تصبح الصين أكبر سوق لستاربكس في المستقبل.
وافتتحت الدورة التاسعة عشرة لقمة جي بي مورغان العالمية للصين في شانغهاي في 31 مايو، جمعت أكثر من 2600 مشارك من 37 دولة ومنطقة حول العالم. قال جيمي ديمون، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة جي بي مورغان تشيس، إن قمة جي بي مورغان العالمية للصين جذبت العديد من المستثمرين العالميين للتجمع في شانغهاي، مما يعكس ثقتهم في تنمية الصين وشنغهاي. مضيفا أن شركة جي بي مورغان تشيس حققت في السنوات الأخيرة تقدمًا كبيرًا في العديد من الأعمال في شنغهاي. مؤكدا عزم الشركة على الزيادة من مخطط أعمالها في شنغهاي.
كما ارسلت التقارير الصادرة عن العديد من غرف التجارة الأجنبية في الصين مؤخرًا إشارات مماثلة. ووفقًا لمسح أجرته غرفة التجارة الأمريكية في الصين، فإن 66٪ من الشركات الأمريكية في الصين ستحافظ على الاستثمار في الصين أو تزيده في العامين المقبلين. وذكر تقرير صادر عن غرفة التجارة الأوروبية في الصين أن ما يقرب من 60٪ من الشركات التي شملها الاستطلاع ستزيد من نفقات البحث والتطوير في الصين في السنوات الخمس المقبلة "بشكل معتدل" أو "تزيد بشكل كبير". كما كشف استطلاع أجرته الغرفة التجارة الأسترالية في الصين عن أن أكثر من 60٪ من الشركات الأسترالية تعتبر الصين في المرتبة الأولى الثلاث لوجهات استثمارية في العالم.
ومؤخراً، يلعب السياسيون الأمريكيون والغربيون "حيلاً جديدة" بعد ما شعروا أن نظرية "فك الارتباط وكسر السلسلة" لا يمكن الدفاع عنها. على سبيل المثال، أكد الإعلان عن قمة مجموعة الدول الصناعية السبع التي اختتمت مؤخرًا على الحاجة إلى التعامل مع "إزالة المخاطر" في الصين بدلاً من "الفصل"، كما دعا بعض المسؤولين الأمريكيين إلى أن "إزالة المخاطر" تعني "سلاسل التوريد المرنة والفعالة" و "ضمان عدم اكراهنا من قبل أي دولة".
ومع ذلك، فإن ما يسمى بـ "إزالة المخاطر" هو مجرد نبيذ عتيق في زجاجات جديدة، وإن تنفيذ ما يسمى بـ "إزالة المخاطر" مع الصين كهدف هو في الأساس "فك الارتباط" مع الصين.
في الواقع، للحديث عن "إزالة المخاطر"، يجب علينا أولاً أن نفهم ما هي المخاطر وأين المصدر. وتتمثل أحد المخاطر الرئيسية التي تواجه الاقتصاد العالمي اليوم في التنمر الذي يقوض مبادئ اقتصاد السوق والقواعد الاقتصادية والتجارية الدولية، ويعمم مفهوم الأمن القومي، ويقوم بقمع الشركات من البلدان الأخرى بشكل غير معقول.
منذ وقت ليس ببعيد، نشرت مساعد وزير الخارجية الصيني والمتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشون ينغ صورتين للمقارنة على وسائل التواصل الاجتماعي: من ناحية، الرئيس التنفيذي لشركة تيك توك، شو شوزي في مواجهة العديد من العدسات في جلسة الاستماع المخصصة لاستجوابه في أمريكا. ومن ناحية أخرى، الرئيس التنفيذي لشركة "آبل"تيم كوك، وهو يستقبل بترحيب حار خلال زيارته للصين. وتساءلت هوا قائلة: أي دولة أكثر انفتاحا على الشركات الأجنبية؟
إذن، من الذي يخلق "المخاطرة"؟ الجواب واضح.
تخصص الشركات متعددة الجنسيات بصفتها مستفيدة من العولمة الاقتصادية وتحرير التجارة، الموارد على مستوى العالم بناءً على قوانين اقتصاد السوق من أجل تعظيم الأرباح. وإن اتباع الشركات هراوة السياسيين بشكل أعمى، سيحكم عليها بالخسارة.
يمكن للشركات الأجنبية الذكية معرفة معنى الاستثمار في الصين: الصين "سوق عالمي" بمجموع اقتصادي يزيد عن 120 تريليون يوان وأكثر من 1.4 مليار مستهلك، وهي ثاني أكبر سوق استهلاكي للسلع الأساسية في العالم، وأكبر سوق للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت، مع اتجاه واضح لرفع مستوى الاستهلاك. كما تعد الصين "مصنعًا عالميًا" يتمتع بقدرات إنتاج وتصنيع قوية ونظام صناعي كامل، حافظت على مكانة أكبر دولة تجارة السلع في العالم لست سنوات متتالية، وهي مشارك مهم ومشرف على سلسلة التوريد العالمية للسلسلة الصناعية.
"في النهاية، ما تحصل عليه الولايات المتحدة اقتصاديًا من الصين لا يمكن تعويضه أساسًا." ذكرت مجلة "فورتشن" الأمريكية في 31 مايو، على سبيل المثال لا الحصر: حوالي 90٪ من المكونات النشطة في الأدوية والمضادات الحيوية الأمريكية، و40٪ من الملابس و48٪ من المنتجات الإلكترونية تأتي من الصين. وفي نفس اليوم، نقلتصحيفة “ديلي ميرور” الألمانية عن الخبراء قولهم إن حوالي مليون وظيفة في ألمانيا تعتمد على الصادرات إلى الصين، وأن أكثر من 5500 شركة ألمانية نشطة في الصين، وإن الصين أكبر سوق في العالم، ومهمة جدًا للصناعة الألمانية، وبحاجة إلى الاستثمار المباشر. وهذا مربح للجانبين.
الاستثمار في الصين هو فرصة وليس تحديًا، ووضعًا يربح فيه الجميع وليس مواجهة، وتأمينًا وليس مخاطرة. وأن الشركات الأجنبية تعرف ذلك بوضوح. اليوم، ومع تحسين قدرات الابتكار في الصين وتحسين بيئة الأعمال، يقوم المزيد من الشركات الأجنبية "بفتح متاجر ومصانع" في الصين، وإنشاء مراكز البحث والتطوير وحتى المقرات، والاندماج بنشاط في عملية التنمية عالية الجودة في الصين. وإن "الانفصال" عن الصين يعني الانفصال عن الفرص، والمستقبل، وبمعنى ما عن العالم.