30 مايو 2023/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/لاحظ المستهلكون الصينيون ارتفاع سعر الكوكا كولا مجدّدا في المحلّات التجارية مؤخرا، حيث سجل كل علب الكوكا كولا ارتفاعا في السعر بـ 0.1 إلى 0.3 يوان. وقد فسّرت وسائل إعلام هذا الارتفاع بنقص مادة الصمغ العربي. لكن ما هو سبب نقص هذه المادة، وعلاقاته بالصراعات في السودان؟
هناك قلة من الناس يعرفون بأن الصمغ العربي السوداني يستعمل كمادة أولية في العديد من المشروبات الغازية والحلويات والنبيذ الأحمر ومستحضرات التجميل والصابون وغيرها من المنتجات، وأن السودان تستحوذ على أكثر من 70٪ من الإنتاج العالمي للصمغ العربي.
قال السفير السوداني السابق في واشنطن عندما واجه السودان عقوبات تجارية أمريكية في عام 2007، رافعاً لعلبة كوكا كولا، ومخاطبا الصحفيين: "إذا أوقفنا تصدير الصمغ العربي الآن، فلا أحد سيكون باستطاعته شربها مستقبلا."
لقد أدى اندلاع الصراع في السودان مؤخراً الى إلحاق ما يشبه الشلل بسلسلة توريد الصمغ العربي، الأمر الذي لم يضع الشركات العالمية العملاقة مثل كوكا كولا ونيستلي تحت ضغط من الزيادات المحتملة في التكلفة فحسب، بل أضرّ بملايين السودانيين الذين يعتمدون على هذه الصناعة في كسب العيش. وبحسب آخر البيانات، قام السودان في عام 2021 بتصدير ما يقرب من 88 ألف طن من الصمغ العربي، مما يدرّعائدات من النقد الأجنبي تصل إلى 110 مليون دولار أمريكي. وفي الوقت الحالي، تجاوز الصمغ العربي النفط ليصبح المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي في السودان. ونظرا لأهميته في صناعة الأغذية والمشروبات والصناعات الكيماوية اليومية، فقد أدرجت الولايات المتحدة الصمغ العربي كـ"سلعة معفاة" خلال العقود التي فرضت فيها عقوبات إقتصادية على السودان.
يعتبر الصمغ العربي مادة تفرزها الأشجار، وينتج أساسا في ما يعرف بمنطقة "حزام الصمغ" بأفريقيا، الذي يعبر تشاد وإثيوبيا وإريتريا ودول أخرى، لكنتبقى السودان الدولة التي تستفرد بنصيب الأسد في إنتاجه.وتختلف أسعار الصمغ العربي اختلافا كبيرا حسب النوعية. وعلى سبيل المثال، تبيع شركة صمغ السودان، وهي شركة سودانية لتصنيع الصمغ العربي، سلعًا عالية الجودة يصل سعرها إلى 3000 دولار أمريكي للطن.
وفي هذا الصدد، قال داني حداد، رجل أعمال بريطاني يعمل في مجال الصمغ العربي، ولديه مصنع للتنقية والمعالجة، إن أسعار الصمغ التي يقدّمها التجار السودانيون قد ارتفعت بـ 50٪ بعد اندلاع الحرب في السودان، مضيفا بأن الأسعار ترتفع من يوم إلى آخر.
وأشارت وسائل إعلام أمريكية إلى أن مخزون الصمغ في السوق الدولية لن ينفذ بشكل فوري، نظرا لوجود كمّيات مخزنة لدى التجار الوسطاء، لكنها نبّهت إلى أن استمرار الحرب في السودان، سيدفع نحو ارتفاع سعر الصمغ العربي بشكل سريع، وسينتقل هذا التأثير إلى السلع الاستهلاكية بسرعة.
وبالنسبة لبعض الشركات، على غرار كوكا كولا وبيبسي، فهي لايمكنها الاستغناء عن الصمغ العربي. كما يصعب عليها إيجاد بدائل أخرى بسرعة. ورغم أن أيا من عمالقة السلع الاستهلاكية، لم تعترف بوضوح بأن مصدر زيادة الأسعار يأتي من زيادة أسعار الصمغ العربي. لكن متحدثة باسم شركة نستله قالت لوسائل الإعلام إن الشركة تعمل بالفعل على مجموعة من الإجراءات المضادة، تحسّبا لحدوث اختناقات مستقبلية في سلسلة توريد الصمغ العربي.
قد يتحوّل نقص الصمغ العربي إلى مصدر إزعاج بالنسبة للمستهلكين في جميع أنحاء العالم نظرا لتأثير ذلك على ارتفاع أسعار السلع الأساسية. لكن هذا أهون بكثير من تبعات مشاكل تصدير الصمغ العربي على حياة ملايين السودانيين. حيث تشير تقديرات وسائل إعلام بريطانية وهولندية، إلى أن حوالي مليون أسرة في السودان تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على صناعة الصمغ العربي، تشمل 5 ملايين شخص، الكثير منهم بدخل سنوي يقل عن 900 دولار أمريكي.
وبالرغم أن موانئ السودان قد حافظت على وتيرة تصدير عادية نسبيا أثناء الحرب، إلا أن تصدير الصمغ العربي يحتاج للمرور عبر العاصمة الخرطوم، التي ترزح تحت تبادل كثيف لنيران الحرب. وبالنسبة للسودانيين في مناطق الإنتاج، فإن الحرب قد زادت الطين بلّة، بعد تدهور البيئة في "حزام الصمغ" الواسع الممتد على حوالي 500 ألف كيلومتر مربع في السودان، نتيجة للتغيّرات المناخية، حيث تسبّب ارتفاع درجة حرارة الأرض في جفاف وتصحر التربة، وخلّف أضرارا أخرى، لم يتوقف مداها عند إنتاج الصمغ العربي، بل تجاوزتها إلى معيشة المزارعين، التي أصبحت أصعب من أي وقت سابق.