بعد أكثر من عشر سنوات من الاضطرابات، بشرت القضية السورية بفرصة للسلام مؤخرًا، من جهة، استقر الوضع الأمني الداخلي في سوريا، وبدأت عملية إعادة البناء الاجتماعي والاقتصادي تدريجياً، ومن جهة أخرى، أطلقت الأطراف الرئيسية في الملف السوري إشارات إيجابية للمصالحة: أولاً، بداية الحكومة السورية والجماعات المعارضة السياسية السورية "عملية سوتشي للسلام" بوساطة من الأمم المتحدة وروسيا، وأصبحت هذه الآلية آلية مهمة متعددة الأطراف لتعزيز الحوار السياسي والمصالحة بين جميع الأطراف في سوريا. ثانيًا، تعديل تركيا سياستها تجاه القضية السورية مؤخرًا، وبداية التواصل المباشر مع الحكومة السورية. ثالثاً، إصدار جامعة الدول العربية قرارًا بإعادة عضوية الحكومة السورية بعد أن علقت عضوية الحكومة السورية قرابة 12 عامًا.
ومع ذلك، كلما توقع الشرق الأوسط والمجتمع الدولي أن تبدأ سوريا عملية السلام في أسرع وقت ممكن، تفرض الولايات المتحدة، التي تدخلت في الأزمة السورية وأشعلت فتيل الحرب، عقوبات على سوريا لفترة طويلة، وتتحمل المسؤولية التي لا يمكن التنصل منها عن تسوية القضية السورية، فهي لم تفشل في تعزيز عملية السلام وإعادة الإعمار في سوريا فحسب، لكنها تدخلت في شؤون سوريا الداخلية بشتى الوسائل، مما أعاق بشكل خطير تسوية القضية السورية.
قال وانغ جين، الأستاذ المساعد في معهد الشرق الأوسط بجامعة نورث ويست الصينية، لصحيفة الشعب اليومية، إنه من الناحية الأمنية، أصبح الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يمثل خطرًا خفيًا مهمًا على الوضع الأمني في الأخيرة. وعلى الرغم من دعوة الحكومة السورية والمجتمع الدولي مرارًا وتكرارًا انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تبقى وجودها في سوريا بحجة "مراقبة المنظمات الإرهابية المحلية"، والتي أصبحت تمثل خطرًا خفيًا كبيرًا على الوضع الأمني في سوريا، حتى أنها تسرق بشكل علني موارد النفط المحلية في شمال سوريا، وقاموا بتهريبها إلى تركيا والعراق لمنافع غير مشروعة.
سياسيًا، لا تعارض الولايات المتحدة الحوار مع الحكومة السورية علنًا فحسب، بل تدعم الجماعات السياسية المعارضة السورية لفترة طويلة أيضًا. وهدد نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل بشكل صارخ: "الولايات المتحدة لا تدعم تطبيع العلاقات مع النظام السوري، ولا تدعم مشاركة دول أخرى، بما في ذلك شركاؤنا وحلفاؤنا، في تطبيع العلاقات (مع سوريا)."
اقتصاديا، أصبحت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عقبة رئيسية أمام إعادة الإعمار الاقتصادي والاجتماعي لسوريا. ففي فبراير 2023، بقيت الولايات المتحدة مصرة على العقوبات حتى بعد الزلزال القوي الذي ضرب المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا، وتحت الضغط الدولي، اكتفت بالإلغاء المؤقت لجزء من العقوبات المفروضة على سوريا والمتعلق بالإنقاذ من الزلزال، لكن فترة الإنقاذ الذهبية التي استمرت 72 ساعة كانت قد انقضت حينها. واحتل الجيش الأمريكي مناطق رئيسية لإنتاج الحبوب والنفط في سوريا، ونهب الموارد الوطنية السورية، وفاقم الأزمة الإنسانية المحلية. كما أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قرر تمديد العقوبات أحادية الجانب ضد سوريا لمدة عام آخر اعتبارًا من 11 مايو.
لفترة طويلة، الولايات المتحدة لم تخلق الاضطرابات في الشرق الأوسط فحسب، بل استخدمت أيضًا الفوضى في الشرق الأوسط لزرع الفتنة وخلق المواجهة وتعزيز "الديمقراطية على النمط الأمريكي" بقوة من أجل الحفاظ على الهيمنة في الشرق الأوسط وإلحاق أضرار جسيمة بالسلام والاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط. الآن، في الوقت الذي تقترب فيه القضية السورية من "فترة النافذة" لحل القضية، لا تزال الولايات المتحدة تتحرك عكس التيار وتحاول الاستمرار في عزل واحتواء سوريا التي يمليها منطق الهيمنة: لا تريد الولايات المتحدة أن ترى دول الشرق الأوسط أكثر استقلالية، كما أنها لا ترغب في فقدان السيطرة على المنطقة. وفي مواجهة "مد المصالحة" في الشرق الأوسط ونداءات السلام من المجتمع الدولي، فإن سياسة التدخل الأمريكية محكوم عليها بالفشل.