القاهرة 18 مايو 2023 (شينخوا) تستضيف مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية غدا (الجمعة) الدورة الـ32 من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة وسط متغيرات عديدة شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة أبرزها عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وتكتسب القمة العربية المقبلة أهمية كبرى في ظل أوضاع جديدة في المنطقة بما يجعلها نقطة تحول في العلاقات بين الدول العربية، وفق محللين عرب وصينيين.
ويرى المحللون أن القمة ستعير اهتماما كبيرا للقضية السورية مع عودة دمشق إلى مقعدها في جامعة الدول العربية وتلقي الرئيس السوري بشار الأسد دعوة للمشاركة في القمة.
كما تؤشر استضافة السعودية للقمة العربية للمرة الثانية خلال خمس سنوات إلى تزايد مكانتها في العالم العربي خاصة مع تحركاتها الدبلوماسية الأخيرة النشطة في المنطقة، بحسب المحللين.
ــ قضية سوريا... بؤرة مواضيع القمة
قرر مجلس جامعة الدول العربية في اجتماعه الطارئ في السابع من مايو الجاري بالقاهرة على المستوى الوزاري، استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة للجامعة، بعد تعليق عضوية دمشق في الجامعة لأكثر من عقد.
وبعد ثلاثة أيام من قرار الجامعة، تلقى الرئيس بشار الأسد دعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للمشاركة في قمة جدة.
وكان آخر حضور للرئيس بشار الأسد في قمة عربية في العام 2010، والتي أقيمت في مدينة سرت الليبية.
ومنذ أواخر العام الماضي، بدأت رياح التغيير تهب على المنطقة بموجة من الأنشطة الدبلوماسية النشطة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية بعد تجميد عضويتها فيها في نوفمبر من العام 2011 على خلفية الأزمة التي شهدتها البلاد.
ولدى وصوله إلى جدة الاثنين، قال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد "إننا لا ننظر إلى الماضي، وإنما إلى المستقبل"، لافتا إلى أن هناك الكثير من التحديات التي يجب مناقشتها منها الصراع العربي الإسرائيلي ومسألة المناخ.
وفي 18 أبريل الماضي، استقبل الرئيس بشار الأسد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله في دمشق في أول زيارة لمسؤول سعودي إلى سوريا منذ 12 عاما.
وجاءت زيارة وزير الخارجية السعودي لدمشق بعد أيام من زيارة قام بها نظيره السوري للمملكة في ظل انفتاح عربي على العلاقات مع دمشق بعد سنوات من القطيعة.
وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان في كلمة له الاثنين خلال اجتماع أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري لقمة جدة، "أنتهز هذه الفرصة للترحيب بعودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية متطلعا للعمل مع الجميع لتحقيق ما نصبو إليه قيادات وشعوبا".
وعلى الرغم من الملفات العديدة على طاولة القمة المقبلة، إلا أن القضية السورية ستكون محل اهتمام.
وقال الناطق الرسمي للتيار الشعبي بتونس محسن النابتي، "ربما الحدث الوحيد في القمة العربية هو عودة سوريا وهو نقطة تحول مفصلية في العلاقات العربية-العربية، وبعودتها تطوى مرحلة كاملة من الاشتباك الداخلي العربي-العربي وندخل مرحلة أكثر هدوءا وتوازنا".
فيما رأى مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان الصينية سون ده قانغ أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية تظهر أن معظم الدول العربية تعي بأن الحوار والتفاوض السياسي هما الخيار الصحيح لحل النزاعات الإقليمية.
ورغم قرار جامعة الدول العربية استئناف مشاركة وفودها في اجتماعات الجامعة، مازالت هناك دول عربية رافضة لعودة العلاقات مع سوريا وأخرى لديها تردد تجاه سوريا في ظل الخشية من رود الفعل الأمريكية، بحسب الأمين العام لمركز الفارابي للدراسات السياسية مختار غباشي.
ــ تعزيز العمل العربي المشترك
بالإضافة إلى القضية السورية، توجد ملفات أخرى كبرى أمام قمة جدة منها الأزمة السودانية والقضية الفلسطينية.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله خلال الاجتماع التحضيري للقمة المقبلة الذي عقد الأربعاء إن العالم يمر بتحديات كبيرة تفرض التوحد لمواجهتها، معتبرا أن على الجميع ابتكار آليات جديدة لمواجهة التحديات التي تواجه الدول من خلال العمل المشترك.
وتعقد هذه الدورة للقمة العربية في توقيت مناسب لمعالجة ملفات كبيرة تطرح على الطاولة، بحسب مساعد وزير الخارجية الفلسطيني السابق لشؤون آسيا وإفريقيا مازن شامية.
ويشهد السودان منذ منتصف أبريل الماضي مواجهات مسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع كما شهد قطع غزة جولة توتر جديدة مع إسرائيل انتهت بوقف إطلاق النار بوساطة مصرية، وبالإضافة إلى ذلك هناك ملفات أخرى من أبرزها المصالحة بين السعودية وإيران.
وقال مدير مكتب البحوث السياسية بمعهد غرب آسيا وإفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية تانغ تشي تشاو إنه قد يتم إحداث صوت موحد تجاه الأزمة السودانية، لدفع تحقيق وقف إطلاق النار.
وفيما يتعلق بالمصالحة مع إيران، قد يعرب العالم العربي عن موقف داعم للسعودية. وبشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سيواصل العالم العربي التعبير عن دعمه لفلسطين، لكن من الصعب التوصل إلى تسوية جذرية لهذه القضية المزمنة خلال زمن وجيز، بحسب تانغ.
ويؤمل أن تظهر قمة جدة عالما عربيا أكثر تضامنا واستقلالا مع التطورات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، ومنها عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية والمصالحات بين دول الإقليم.
ويعد العمل العربي المشترك أساسا مهما لحل الأزمات القائمة ومواجهة التحديات الجديدة بشكل أفضل لكل الدول العربية.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم رباعية إن "هناك ملفات عديدة أمام القمة بشأن إعادة ترميم النظام الإقليمي العربي، وهذا يبدأ بتفكيك الأزمات القائمة وما يواكب ذلك من إجراءات بناء ثقة ومصالحة على مستوى الإقليم، وما يتبعه من تحول في العلاقات الإقليمية من الصراع والتنافس الى علاقات التعاون".
وأشار عميد كلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الأجنبية في بكين ليو شين لو إلى أن المصالحة بين السعودية وإيران لها دور نموذجي قوي في المنطقة بأسرها، وفي سياق عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، فإن لدى قمة جدة أساسا قويا للتوصل إلى سلسلة من التوافقات ذات الصلة.
ــ تطلع إلى دور أكبر للسعودية
تعد قمة جدة هي القمة الثانية التي تستضيفها السعودية خلال خمس سنوات، حيث استضافت المملكة الدورة الـ29 للقمة في مدينة الظهران في العام 2018.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة طارق فهمي إن "السعودية لديها إمكانيات وقدرات كبيرة وتريد أن تنجح القمة العربية، والقمة المقبلة في السعودية هي قمة مهمة تأتى فى توقيتها، والرياض تؤكد حضورها الإقليمي والدولي وتسعى لتقريب وجهات النظر ولعب دور الوسيط".
وقبل أسبوع، وقع طرفا الأزمة السودانية في مدينة جدة على اتفاق مبادئ أولي بوساطة سعودية.
ورأى مازن شامية أن ما جرى ويجري يؤشر إلى تزايد دور وثقل السعودية، مضيفا أن السعودية في الوقت الحالي مؤهلة أكثر من أي وقت مضى لأخذ دور أكبر وأوسع مما كانت تأخذه سابقا.
وقال المحلل السياسي السوداني المقيم في قطر طارق الشيخ، "لاشك ان المملكة قد اتخذت عدة خطوات تمهد جميعها لأن تلعب دورا أكبر على الصعيد الدولي، مثل مساعيها للانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس، وتستشعر في ذلك ضرورة لعب دور أكبر بحكم ثقلها الاقتصادي والسياسي، وتماشيا مع التوجه العالمي نحو إعادة صياغة منظومة عالمية متعددة الأقطاب بديلا عن منظومة القطب الواحد، وبلا شك فإن المملكة هي الآن عمليا اللاعب الرئيسي في المنطقة العربية".