بكين 13 مايو 2023 (شينخوا) "تخزن البضائع الثمينة للعديد من الدول الأجنبية هنا، فالتربة غنية ومنتجة وتنتج محاصيل وفيرة. كما توفر أشجار الغابات غطاء نباتيا كثيفا، كما أن الأزهار والفاكهة بها وفيرة".
واقتباسا من "سجلات تانغ العظمى للمناطق الغربية" التي كتبها الراهب البوذي الصيني شيوان تسانغ عام 646، وهي سرد لرحلته التي استمرت 19 عاما عبر الصين والمناطق المجاورة، يصور شيوان تسانغ بوضوح مدينة سمرقند الغنية بالموارد، وهي واحدة من أكثر نقاط العبور أهمية على طريق الحرير القديم الذي يربط الشرق بالغرب.
ويشهد الخط الأسطوري الذي تم تفعيله منذ أكثر من 2000 عام، على التفاعلات بين الصين وآسيا الوسطى من خلال تجارة البضائع وتدفق الأفكار. ورغم تلاشي آثار أقدام قوافل الجمال حاليا، إلا أن التعاون والتبادلات بين الجانبين ظلا وازدهرا أكثر من أي وقت مضى.
ــ سبل العيش والحياة الأفضل
الماء هو الحياة، ومع الماء كل شيء ممكن. لكن بالنسبة للمزارعين القرغيزيين مثل إيفجيني ياكوفليف، كان هناك وقت أصبح فيه الحصول على المياه بمثابة معضلة كبيرة.
وقال ياكوفليف، الذي يزرع المحاصيل منذ 15 عاما في قرية تسمى كارا-أوي، التي تقع على الشاطئ الشمالي لبحيرة إيسيك-كول في قيرغيزستان، "المياه ليست كافية. (لدينا) طوابير مستمرة. من الصعب للغاية الحصول على المياه في الوقت المناسب".
يمتلك ياكوفليف أربعة هكتارات من الأراضي، يرعى فيها نحو 1000 شجرة من أشجار الكرز والتفاح والكمثرى، بالإضافة إلى البرسيم والشعير. في كل صيف، يحتاج ياكوفليف إلى سقي نباتاته ثلاث مرات على الأقل يوميا، لكن نظام الري القديم الذي بُني منذ عقود لم يكن قادرا على توفير كمية كافية من المياه.
لحل مشكلة المياه في كارا-أوي والقرى الأخرى على حد سواء، بدأت حكومة قيرغيزستان في مايو 2018 مشروعا مخصصا من منحة صينية لإعادة بناء نظام الري في البلاد.
وفي إطار المشروع، بنت شركة المجموعة الصينية المحدودة لهندسة السكك الحديدية رقم 5 خزانا في كارا-أوي بسعة 470 ألف متر مكعب من المياه، حيث زُرع إجمالي 330 هكتارا من الأراضي البور، وتم زيادة إمدادات المياه على مساحة تزيد على 1000 هكتار.
وقال أرستانبيك زوندوباييف، رئيس جمعية مستخدمي المياه في كارا-أوي، "قبل بناء الخزان، كان الأمر صعبا للغاية فيما يتعلق بالمياه ... الآن بات الأمر أفضل. نحن ممتنون للبناة".
إن ضمان حياة كريمة للشعوب يعني تجاوز الماء والغذاء والضروريات اليومية الأخرى للتطرق إلى تجربة الحياة. على سبيل المثال، من خلال جعل التنقلات آمنة وسليمة. وهذا بالضبط ما تتعاون الصين وقيرغيزستان بشأنه. فمنذ عام 2001، تم بناء وإعادة بناء حوالي 300 كم من الطرق وأكثر من 10 جسور بجهود مشتركة من الجانبين.
وقال أولان أوزباييف، نائب مدير إدارة تطوير البنية التحتية للنقل والطرق لدى مكتب عمدة بيشكك، "منذ أكثر من 20 عاما، نفذت شركة الصين للطرق والكباري، مشروعات ضخمة في قيرغيزستان فيما يتعلق بصناعة الطرق. خلال تنفيذ هذه المشروعات، وظفت الشركة أيضا مواطنين من قيرغيزستان تعلموا الكثير. آمل أن يستمر تعاوننا".
ولدى إشارتها إلى الطريق الممهد حديثا خارج باب منزلها الأمامي، قالت كاسيت أزاماتوفنا، وهي فتاة صغيرة تعيش في بيشكك، "هذا هو الشارع الذي أذهب من خلاله إلى المدرسة كل صباح رفقة أختي".
وقالت بصوت يملؤه الحماس "انظروا كم هو سلس وأنيق"!
ــ مواصلة التنمية الخضراء معا
ماكسات أبيلجازييف (33 عاما)، وهو قازاقي ولد ونشأ في جاناتاس، وهي بلدة فقيرة جنوبي البلاد كانت ذات يوم مركزا مزدهرا لتعدين الفوسفات وإنتاج الأسمدة.
في عام 2020، ترك أبيلجازييف وظيفته في الهندسة الإلكترونية في منجم فوسفات محلي، وأصبح متدربا في هندسة طاقة الرياح في مزرعة جاناتاس لطاقة الرياح التي بنتها الصين، وهي واحدة من أكبر المزارع من نوعها في آسيا الوسطى.
وقال أبيلجازييف، الذي تضاعف دخله خلال ثلاث سنوات، مبتهجا "لقد جلب أصدقاؤنا الصينيون المعدات والاستثمار والتكنولوجيا والخبرة إلى قازاقستان. كما نموا مواهب الطاقة النظيفة في بلادنا. لقد خلقت مشروعات طاقة الرياح فرص عمل وعائدات ضريبية لجاناتاس، ما أعاد المدينة إلى الحياة".
وفي حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا))، قال أبيلجازييف، الرجل المجد والمجتهد، والذي يعد حاليا مسؤولا كبيرا في مزرعة طاقة الرياح، إن الحلم بمستقبل أفضل هو الذي دفعه إلى قراره بتغيير مهنته.
وأوضح أن الطاقة النظيفة، بما في ذلك طاقة الرياح، هي ما يحمله المستقبل لجاناتاس، ولقازاقستان عموما، وهي ما ينبغي أن يبدو عليه المستقبل.
وفي مراسم افتتاح منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في مايو 2017، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ "علينا مواصلة الرؤية الجديدة للتنمية الخضراء ونمط للحياة والعمل يتسم بأنه أخضر ومنخفض الكربون ودائري ومستدام. نقترح إنشاء تحالف دولي للتنمية الخضراء للحزام والطريق، وسنقدم الدعم للدول المعنية بشأن التكيف مع تغير المناخ".
ولترجمة الأقوال إلى أفعال، عملت الصين على تكامل مبادرة الحزام والطريق بشكل كامل مع السياسة الاقتصادية الجديدة لقازاقستان (الطريق المشرق)، ودشنت 52 مشروعا للتعاون مع قازاقستان، من بينها مزرعة جاناتاس لطاقة الرياح التي تعد واحدة من المشروعات الرئيسية.
ودخلت مزرعة طاقة الرياح حيز التشغيل عام 2021 بقدرة بلغت 350 مليون كيلووات في الساعة من الكهرباء سنويا، ومن المتوقع أن توفر نحو 110 آلاف طن من الفحم القياسي سنويا وتقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مقارنة بمحطات الطاقة الحرارية.
وتعد محطة الطاقة الشمسية بقدرة 100 ميجاوات، والموجودة في بلدة كابتشاغاي في منطقة ألماتي جنوب شرقي قازاقستان، مشروعا آخر مميزا للتعاون الأخضر بين الصين وآسيا الوسطى، حيث تعد المحطة، التي استثمرت فيها وبنتها بشكل مشترك شركة صينية وشركاء من قازاقستان، واحدة من أكبر مشروعات توليد الطاقة الكهروضوئية في البلاد، ما يقلل من انبعاثات الكربون بواقع 160 ألف طن سنويا.
وقال أبيلجازييف "من خلال مزيد من التعاون الأخضر، أعتقد أنه في المستقبل، ستكون السماء أكثر زرقة، وستكون المياه أكثر صفاءً، وستكون الأرض التي نعيش عليها أكثر نظافة".
ــ تلاقي الثقافات
وفي يوم خريفي منعش في سبتمبر 2022، عقد شي محادثات مع الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيايف في المركز الدولي للمؤتمرات في سمرقند، حيث قدمت الصين هدية صغيرة إلى أوزبكستان. واتضح أن الهدية عبارة عن نموذج مصغر لمدينة خيوة الأثرية، والتي تحتفل بالجهود المشتركة بين البلدين لترميم التراث الثقافي لطريق الحرير القديم.
وفي مقال موقع نُشر على وسائل الإعلام الأوزبكية قبل زيارة الدولة التي أجراها إلى أوزبكستان، قال شي "تم الانتهاء بنجاح من مشروع الحفاظ على المواقع التاريخية وترميمها في خيوة، وهو مشروع أُطلق خلال زيارتي إلى سمرقند في 2013، ما زاد سحر هذه المدينة القديمة".
وكما يقول المثل المأثور في آسيا الوسطى "سأقدم كيسا من الذهب من أجل زيارة خيوة".
وتقع خيوة في جنوب غربي أوزبكستان، وهي لؤلؤة مشرقة على طريق الحرير القديم، وقد بُنيت في القرن العاشر وأُدرجت على قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو في التسعينيات. ومع ذلك، بسبب سوء الترميم، تعرضت بعض المباني الأثرية القديمة لأضرار بدرجات متفاوتة.
وبعد زيارة شي لأوزبكستان عام 2013، أعلنت الصين وأوزبكستان أنهما سيعملان معا على ترميم مدرسة أمير تورا ومسجد حسن مراد قوشبيجي والمناطق المحيطة بهما في خيوة، حيث وصل فريق صيني إلى الموقع في مايو 2014، وبفضل الخبرة والتفاني في الحفاظ على التاريخ، تغلب أعضاء الفريق على الصعوبات وأكملوا بنجاح أعمال الترميم بأقل قدر من التدخل.
وقال عبد اللييف مشاريب سيداماتوفيتش، نائب مدير مركز تعزيز العلوم بأكاديمية أوزبكستان للعلوم، "يقوم زملاؤنا الصينيون بعملهم بعناية شديد، وبكل حب وإخلاص، ويحاولون إبقاء كل شيء في شكله الأصلي. إن التعاون الثقافي مع الصين لا يتوقف عند هذا الحد. إنه مستمر، وتم التركيز على أعمال الترميم باعتبارها أحد الاتجاهات الرئيسية لهذا التعاون".
حقا، فإن الترميم المشترك لمدينة خيوة واحد من العديد من الملامح الثقافية والتبادلات الشعبية بين الصين ودول آسيا الوسطى. كما يوجد مثال رائع آخر، هو ورشة لوبان في دوشنبه، وهي عبارة عن برنامج ورشة مهنية صينية لتدريب المواهب في طاجيكستان، حيث تعد الورشة، التي دخلت الخدمة رسميا في نوفمبر 2022، الأولى من نوعها في آسيا الوسطى.
وقال شهريور سادولوزودا، نائب رئيس الجامعة التقنية بطاجيكستان، "تم الاعتراف بورشة لوبان الصينية باعتبارها علامة تجارية دولية للتعليم المهني في جميع أنحاء العالم. ونعتقد أن الورشة ستكون ذات فائدة كبيرة للجامعة في تدريب المواهب في القياس والطاقة الخضراء والتدفئة، كما يمكن أن تعزز التعاون والتبادلات بين جامعات البلدين على نحو شامل".