أدى التأثير غير المباشر والامتداد لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في الآونة الأخيرة، إلى ضخ زخم قوي لإصلاح العلاقات في منطقة الشرق الاوسط، التي شهدت زيارة وزير الخارجية السوري المملكة العربية السعودية لأول مرة منذ 12 عامًا، وإحراز عملية السلام اليمنية تقدمًا إيجابيًا، وقرار قطر والبحرين استئناف العلاقات الدبلوماسية، وتحسن العلاقات الثنائية بين تركيا ومصر.
تلبية لتطلعات شعوب الشرق الأوسط
لا ينفصل حركة "موجة المصالحة" في دول الشرق الأوسط عن القوة الداخلية الدافعة، حيث أصبح السعي إلى التنمية داخلياً والاسترخاء خارجياً اتجاه السياسات الداخلية والخارجية للعديد من دول المنطقة.
أشارت سون شيا، الباحثة المشاركة في معهد الدراسات الدولية التابع لأكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية في مقابلة صحفية مع صحيفة الشعب اليومية، إلى أن شعوب الشرق الأوسط بحاجة ماسة إلى بيئة إقليمية سلمية ومستقرة. والجهود الصينية لتعزيز المصالحة بين دول الشرق الأوسط، تتماشى مع تطلعات الشعوب للسلام والتنمية في الشرق الأوسط. مضيفة:" تواجه دول الشرق الأوسط حاليًا تحديات في العديد من الجوانب: من ناحية الأمن الإقليمي، أظهرت الولايات المتحدة اتجاهًا واضحًا للانكماش الاستراتيجي في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وتحول اهتمامها إلى آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا. ومع سحب الولايات المتحدة لعدد كبير من القوات العسكرية من الشرق الأوسط، تدهور الوضع الأمني في المنطقة، وتعرضت المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى لهجمات متكررة من قبل قوات الحوثي، كما يصعب ضمان سلامة الممرات الملاحية الهامة لنقل النفط والغاز الطبيعي والحبوب والسلع الأخرى المستوردة في دول الخليج. ومن ناحية التنمية الاقتصادية، فإن العديد من دول الشرق الأوسط في طور التحول الاقتصادي، على أمل التخلص من الاعتماد على عائدات تصدير الوقود الأحفوري، وتعزيز التنويع الاقتصادي والارتقاء الصناعي. وفيما يخص الأمن غير التقليدي، فإن التخفيف من تغير المناخ، وحماية الموارد المائية المحدودة، وضمان الأمن الغذائي، كلها قضايا ملحة تواجه دول الشرق الأوسط. "
أفاد تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، أن تقرير مسح جديد أجرته منظمة استطلاع الرأي الدولية "الباروميتر العربي" يظهر أن شعوب الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تفقد الثقة في الاستقرار الاقتصادي الذي تحققه الأنظمة الديمقراطية الغربية. ويعتقد المحللون في الشرق الأوسط أن نطاقاً واسعاً من قادة دول الشرق الاوسط يعترفون بأن الاتحاد والعمل معا أساس التعامل مع الازمة والتغلب على الصعوبات. وفي المستقبل، ستنطلق المزيد من البلدان بشكل أساسي من احتياجاتها الإنمائية عند صياغة السياسات، ولن تقف في خط المواجهة كما كان من قبل.
تقديم أفكار جديدة للتنمية السلمية
بشر الشرق الاوسط تحت وساطة الصين النشطة ب "موجة سلام" ذات تأثيرات بعيدة المدى. قالت سون شيا:" أولاً، عززت دول الشرق الأوسط استقلاليتها السياسية واعتمدت بشكل أساسي على قوتها للتعامل مع قضايا الأمن الإقليمي، مما يؤدي إلى الاستقرار والسلام على المدى الطويل في الشرق الأوسط. ثانيًا، ستساعد المصالحة بين العديد من دول الشرق الأوسط في تعزيز التنمية الاقتصادية الشاملة لمنطقة الشرق الأوسط، ويمكن للبلدان تعزيز تكامل مزاياها، كما سيحقق التكامل الاقتصادي الذي طال انتظاره لدول الشرق الأوسط اختراقًا. "
وأشار الكاتب السعودي والخبير في الشؤون الدولية، الشعباني إلى أن الصين كدولة رئيسية مسؤولة، قدمت مساحة أوسع وأفكارًا أكثر إبداعًا لتطلعات التنمية لدول الشرق الأوسط.
ومن جانبه، قال العمري، كاتب عمود في صحيفة الوطن السورية، إنه في إطار مبادرة الأمن العالمي، نفذت الصين تعاونًا أمنيًا مع دول ومنظمات دولية حول العالم، وروجت بشكل فعال لرسو المفاهيم الأمنية وتكامل المصالح، وخير مثال على ذلك إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران. وعلى الصعيد السياسي، سيكون للمصالحة بين السعودية وإيران أثر إيجابي على حل الأزمات والصراعات المختلفة في سوريا والعراق ودول أخرى، وهو انعكاس حقيقي لجهود الصين النشطة في الحفاظ على الأمن العالمي.
أصدرت الصين رسميًا في فبراير من هذا العام، "ورقة مفاهيم مبادرة الأمن العالمي"، والتي تضمنت 20 توجهًا رئيسيًا للتعاون استجابة لأبرز المخاوف الأمنية الدولية وإلحاحها في الوقت الحالي، وطرح مقترحات وأفكار حول مبادرة منصة وآلية التعاون. وفي الوقت الحاضر، أعربت أكثر من 80 دولة ومنظمة دولية عن تقديرها ودعمها لهذه المبادرة. وكتبت المبادرة بوضوح في أكثر من 20 وثيقة ثنائية ومتعددة الأطراف حول التبادلات الصينية مع الدول والمنظمات ذات الصلة.
وقال وانغ جين، الأستاذ المساعد في معهد الشرق الأوسط بجامعة نورث وسترن الصينية، إن مبادرة الأمن العالمي تقدم رؤية جديدة للسلام والتنمية في الشرق الأوسط وبقية العالم، وتختلف عن ممارسة بعض الدول المتمثلة في شد فصيل ضد فصيل آخر، وعلى أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تشارك الصين بنشاط في التسوية السياسية لمختلف القضايا الساخنة وفقًا لرغبات واحتياجات الدول المعنية من خلال تعزيز محادثات السلام كنهج رئيسي، وبموقف عادل وعملي. وفي مواجهة الوضع الدولي المضطرب والتطور المتسارع للوضع، تقف الصين انطلاقا من المصالح المشتركة للبشرية جمعاء ومجتمع المصير المشترك للبشرية، للتنفيذ بحزم مبادرة الأمن العالمي وتوفير الحل الصيني للعالم للقضاء على العجز الأمني، مما يدل على مسؤولية الصين في الحفاظ على السلام العالمي. "