شهدت الصين منذ نهاية العام الماضي زيارات مكوكية لكبار السياسيين الأوروبيين، وتضمن القائمة الطويلة، المستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل. وفي ظل هذا الجو، تجرى التبادلات في مختلف المجالات بين الصين وأوروبا على قدم وساق. كما تظهر هذه التبادلات بشكل كامل أن الجانبين لديهما رغبة قوية في التواصل والتبادل، ولديهما مصالح مشتركة واسعة وعميقة.
بناء الثقة المتبادلة وإزالة الشكوك من خلال الاتصالات رفيعة المستوى
"تعقد الصين والدول الأوروبية كل أسبوع تقريبا مشاورات سياسية مع وزارة الخارجية في بكين للتحضير لتفاعلات متكررة رفيعة المستوى بين الصين وأوروبا في المرحلة المقبلة." قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، إن التبادلات بين الصين وأوروبا في مختلف المجالات قد استؤنفت بسرعة ويجري تنفيذها بطريقة شاملة.
"شهد التفاعل بين الصين وأوروبا تواتراً غير مسبوق في الآونة الأخيرة، مما يدل على حالة من الازدهار في العلاقات بين الجانبين في فترة زمنية قصيرة". قال تشن يانغ، نائب مدير المعهد الأوروبي التابع لمعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة، في لقاء مع صحيفة الشعب اليومية، إن هناك العديد من الموضوعات المشتركة بين الصين وأوروبا التي تحتاج إلى المناقشة وجهاً لوجه، وهناك العديد من التحديات المشتركة التي تحتاج تناولها معًا. وقد اختارت كل من الصين وأوروبا أسلوب الاتصال رفيع المستوى والتبادلات الصريحة من أجل إعادة بناء الثقة المتبادلة وتعزيز التعاون بين الجانبين بأكثر الطرق فعالية وبأكثر الوسائل المباشرة وفي أقصر وقت ممكن.
"ضغطت التبادلات بين الصين والاتحاد الأوروبي على زر التسريع منذ نهاية العام الماضي. " قال تسوي هونغ جيان، مدير قسم الدراسات الأوروبية في معهد الصين للدراسات الدولية، في لقاء مع صحيفة الشعب اليومية، إن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لذلك: أولاً، تعطل التعاون في بعض المجالات بين الصين والاتحاد الأوروبي تأثراً بالوباء في السنوات الثلاث الماضية. وفي ظل تحسن الوضع الوبائي، يأمل الجانبان في عودة التبادلات بين الصين والاتحاد الأوروبي إلى طبيعتها في أقرب وقت ممكن، والإفراج بشكل كامل عن تراكم التبادلات والحماس للتعاون. ثانيًا، يواجه الاقتصاد الأوروبي في الوقت الحالي تحديات شديدة وشكوكًا متزايدة مثل التضخم وأزمة الطاقة والمخاطر المالية. وفي هذا السياق، تم تسليط الضوء بشكل أكبر على أهمية الصين كشريك اقتصادي وتجاري رئيسي لأوروبا. واكتسبت أوروبا المزيد من الثقة في التعامل مع التحديات في المجال الاقتصادي والتجاري من خلال تعزيز التعاون مع الصين. ثالثًا، اقترحت الصين مبادرة أمنية عالمية في سياق الأزمة الأوكرانية، وأصدرت "موقف الصين من الحل السياسي للأزمة الأوكرانية". وقد حظيت هذه المقترحات التي تركز على حوكمة الأمن العالمي والإقليمي بردود إيجابية من العديد من الدول الأوروبية. وتأمل جميع الأطراف في أوروبا أن تنتهز فرصة زيارة الصين لمعرفة المزيد عن موقف الصين والعمل مع الصين لإيجاد حل فعال للأزمة الجيوسياسية في أوروبا.
واشار تشن يانغ إلى أن العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي استعيدت بشكل كامل، حتى أوسع وأعمق من ذي قبل، وتم تحسين العديد من حالات سوء التفاهم والاحتكاكات والمخاطر والسيطرة عليها، وتم فتح قنوات التفاعل بين الصين والاتحاد الأوروبي بشكل فعال، وحصلت الشراكة الاستراتيجية على دعم سياسي قوي ومتعدد النقاط.
ومن جانبه، قال تسوى هونغ جيان، إن الثقة السياسية المتبادلة أساس مهم للتعاون بين الصين وأوروبا، ولها تأثير واسع على التعاون في المجالات الأخرى. وأظهرت سلسلة التفاعلات الأخيرة بين الصين وأوروبا اتجاهين واضحين: الأول هو محاولة السيطرة على بعض الاختلافات في المجال السياسي التي نشأت بين الجانبين من قبل، وذلك لتجنب المزيد من توسع نفوذهم. والثاني هو تقليل تأثير التغييرات في المجالات السياسية لكلا الجانبين على المجالات الأخرى.
التبادلات الاقتصادية والتجارية أكثر نشاطا
يصادف هذا العام الذكرى العشرين للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي، ويعتبر التعاون الاقتصادي والتجاري "حجر الصابورة" و "الدافع" للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي.
"من منظور التعاون الاقتصادي والتجاري، تم إطلاق الزخم المتراكم في التعاون بين الصين والاتحاد الاوروبي في السنوات الأخيرة من خلال سلسلة من التفاعلات المكثفة بين الجانبين." واشار تشن يانغ إلى ما قاله رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل ذات مرة، ومفاده أنه يجب أن تكون أوروبا أول من يقف على باب الصين عند فتح أبوابها بعد الوباء. وهذا يدل على أن أوروبا تتطلع إلى استئناف التبادلات الاقتصادية بين الصين وأوروبا. وفي الوقت الحاضر، وقعت الصين والاتحاد الأوروبي على سلسلة من اتفاقيات التعاون والطلبات الاقتصادية والتجارية الكبيرة، مما يعكس التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين على نطاق واسع وعالي الجودة. وباعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم، فإن التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي سيحقق نتيجة "1 + 1> 2"، مما يضخ الأمل في التوقعات الاقتصادية العالمية القاتمة.
" واجهت الصين وأوروبا مشكلة مشتركة في السنوات الأخيرة: إقامة توازن بين التنمية والأمن. وفي الوقت الحاضر، تمر أوروبا بمرحلة من التعميم الأمني، أي عرض القضايا الأمنية على مختلف المجالات، واقتراح الأمن الاقتصادي، والأمن التكنولوجي، والأمن الرقمي، وما إلى ذلك، مما يحد من مساحة تعاونها الاقتصادي والتجاري. " قال تسوي هونغ جيان، إنه من أجل حل هذه المشاكل، ينبغي على الصين والاتحاد الأوروبي القيام بأمرين: أولا، التعامل بإخلاص، وتعميق الشراكة الاستراتيجية، وعدم السماح لما يسمى بالمنافسة بالضغط على مساحة التعاون بين الجانبين. ثانيا، الحد من التأثير السلبي للتسييس والأمن على التعاون الاقتصادي والتجاري الطبيعي بين الجانبين، والتعاون لحل المشاكل العملية.
مواجهة التحديات من خلال التعاون
وفقًا لتقرير "الصدى " الفرنسية، قال ماكرون في تصريحات صحفية على متن طائرة العودة من زيارة رسمية للصين، إنه لمنع الدول الأوروبية من أن تصبح دولًا تابعة، من المهم جدًا لأوروبا إقامة حكم ذاتي استراتيجي. ويمكن أن تصبح أوروبا قوة "القطب الثالث" إلى جانب الصين والولايات المتحدة.
قال تشن يانغ:" إن تطوير العلاقات بين الصين وأوروبا يمكن أن يوفر للدول الاوروبية القوة اللازمة للتنمية الاقتصادية، والقدرة على تحقيق التوازن بين القوى الكبرى، والقدرة على المشاركة الفعالة في الحوكمة العالمية. وخاصة في الوقت الحاضر، يتم "اختطاف" الاقتصاد الأوروبي تدريجياً من قبل الولايات المتحدة في ظل التدهور الحتمي للعلاقات الأوروبية الروسية والالتزام الشديد للأمن الأوروبي والأمريكي. ويعتبر تطوير العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي خطوة أساسية بالنسبة لأوروبا للحفاظ على مكانتها الدولية وتحقيق الاستقلال الاستراتيجي. "
تحظى جهود الصين للدفع بالحل السياسي للأزمة الأوكرانية باعتراف عدد متزايد من الدول الأوروبية. وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في وقت سابق، إن إسبانيا تقيم بشكل إيجابي ورقة موقف الصين بشأن الحل السياسي للأزمة الأوكرانية وتقدر دور الصين البناء في هذا الصدد. كما صرح فون دير لاين وماكرون أن الصين ليست صانع الأزمة الأوكرانية، وأن الاتحاد الأوروبي يقدر جهود الصين لتعزيز تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية، ويتوقع أن تلعب الصين دورًا أكثر أهمية، ومستعدًا للتعاون مع الصين للعثور على طرق لتعزيز السلام والمحادثات.
"تظهر هذه الجولة من التفاعل بين الصين والدول الأوروبية أن السلام هو السعي المشترك للشعب الصيني وشعوب الدول الاوروبية، والأمن هو الشغل الشاغل لكل من الصين وأوروبا، والحفاظ على النظام الدولي مع الأمم المتحدة في صميمه وممارسته، والتعددية الحقيقية هي الأهداف المشتركة للصين وأوروبا ". قال تشن يانغ، إن أوروبا تدرك حقًا أن مشاركة الصين ضرورية لحل الأزمة العالمية، ويجب على أوروبا الاتصال والتواصل والتعاون مع الصين بدلاً من الاحتواء والعزل و "الانفصال".