شهدت إسرائيل مؤخرا أسوأ أزمة سياسية في تاريخها، بعد موجة الاحتجاجات على الإصلاح القضائي الذي أيدته الحكومة الإسرائيلية. وتحت ضغط المتظاهرين، اضطرت حكومة نتنياهو إلى الإعلان عن تأجيل مؤقت للإصلاح. ومع ذلك، فقد أثرت الاضطرابات الأخيرة بشكل غير متوقع على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية. حيث وجه بايدن وأعضاءه إدارته انتقادات لاذعة لخطة التعديل القضائي التي طرحها نتنياهو، وطالبوه بالتخلي عنها. من جهته، ردّ نتنياهو وبعض أعضاء حكومته اليمينية المتطرفة على الانتقادات الأمريكية، وصرح بن غافير "إن إسرائيل ليست نجمة إضافية على العالم الأمريكي"، مؤكدا على رفضه التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لإسرائيل.
وفي هذا الصدد، نشر دينغ لونغ، الأستاذ في معهد الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، مقالا بصحيفة "غلوبال تايمز"، أشار فيه إلى أن الولايات المتحدة نادراً ما تتدخل في الشؤون الداخلية لحلفائها بشكل علني. وأن النزاعات بين الولايات المتحدة وإسرائيل عادة ما تُحل في الغرف المغلقة. معتبرا أن ما حدث مؤخرا، يعد حالة نادرة وتصدعًا واضحًا في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. حتى أن بعض الأصوات الإسرائيلية أبدت موقفا غاضبا من الولايات المتحدة، واعتبرت أن "الولايات المتحدة تشن ثورة ملونة في إسرائيل وتساعد إيران على تخريب إسرائيل".
ويُرجع دينغ لونغ توتر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية مؤخرًا، إلى الأسباب التالية:
أولا، تتسم العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ببعدها الحزبي القوي. إذ يشير آخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب، إلى أن 85% من الجمهوريين يدعمون إسرائيل، مقابل 64 % من الديمقراطيين. وبشكل عام، يمتلك الحزب الجمهوري الأمريكي واليمين الإسرائيلي مواقف متشابهة، على مستوى الدين والأيديولوجيا والسياسة تجاه الفلسطينيين. وتميزت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بالتناغم أثناء إدارة ترامب، التي قدّمت دعما قويا لإسرائيل. وبالإضافة إلى قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والإعلان عن "صفقة القرن" للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين بما يخدم الجانب الإسرائيلي. فقد دفعت إدارة ترامب إسرائيل نحو إمضاء "اتفاقية إبراهيم"، ودعمت عملية التطبيع مع الدول العربية. في المقابل، لا تجد الإدارة الديمقراطية في كثير من الأحيان صدى لدى الحكومة الإسرائيلية اليمينية. ولذلك، حينما تلتقي إدارة بايدن بالحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية، فإن الخلافات تصبح لا مفرّ منها.
ثانيًا، تستخدم إدارة بايدن دبلوماسية القيم للتعامل مع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. ومن وجهة نظر إدارة بايدن، فإن الإصلاح القضائي الذي اقترحته إدارة نتنياهو يعد اجراءا مناقضا للديمقراطية، ومحاولة من قبل إدارة نتنياهو لاحتكار السلطة.
وتنظر الولايات المتحدة إلى إسرائيل على أنها "قلعة الديمقراطية" في الشرق الأوسط. وبالمقارنة مع بقية حلفائها في الشرق الأوسط، تجد إسرائيل تبجيلا أكبر من الولايات المتحدة، بسبب القواسم المشتركة على مستوى الأيديولوجيا والنظام السياسي. وفي ظل احتضانها لـ"قمة الديمقراطية"، لا ترغب الولايات المتحدة في البقاء مكتوفة الأيدي أمام ما تعتبره "تراجعا ديمقراطيا" في إسرائيل. كما أنها لم توجه دعوة لنتنياهو للمشاركة في القمّة.
ثالثًا، هناك خلافات واضحة بين الجانبين حول القضية الفلسطينية. حيث واصلت إدارة بايدن سياسة الحزب الديمقراطي الثابتة في الحفاظ على توازن نسبي بين فلسطين وإسرائيل. وهو ما ينعكس في عدم تخليها عن "حل الدولتين"، والتعاطف مع الفلسطينيين، ومعارضة نية إسرائيل إضفاء الشرعية على المستوطنات غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية. ورغم أن صعود القوى المناهضة لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي لن يخدم العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، إلا أنه سيساعد على دعم القوى العادلة في المجتمع الدولي لدعم "حل الدولتين".
أخيرًا، لا تتماشى الاضطرابات الداخلية في إسرائيل مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فمع إتمام المصالحة السعودية الإيرانية، برزت موجة "مصالحة" في الشرق الأوسط، وتحسنت البيئة الجيوسياسية لإيران وسوريا، "خصوم" الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل ملحوظ. في هذا الوقت، تثير حكومة نتنياهو التجاذبات الداخلية والصراع مع الفلسطينيين، مما يجعل الولايات المتحدة في موقف سلبي. وعلى هذا الأساس، تطالب الولايات المتحدة بشدة حكومة نتنياهو بسحب خطتها الإصلاحية ووقف ضم المستوطنات.
غير أن دينغ لونغ يعتقد أنه على الرغم من وجود تصدّع في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، إلا أن ذلك لا يمثل تحولًا جوهريًا في التحالف بين البلدين. حيث لايزال البلدان يتقاسمان العديد من المصالح المشتركة، على غرار احتواء إيران. وهذا من الأسباب التي دفعت حكومة نتنياهو للتنازل عن الإصلاح القضائي.