روابط ذات العلاقة
الأمتان العربية والصينية تتمتعان بحضارات عريقة أسهمت في تقدم مسيرة الحضارة البشرية، وتؤمنان بأن الأرض التي نعيش عليها هي البيت المشترك للجميع، وأن العالم يعود للجميع، وأن هذا الشعور بالمشاركة يتزايد مع مرور الزمن، حتى غدا ترابطا حميميا يمثل مجتمعا ذا مستقبل ومصير مشتركين للبشرية جمعاء. ومع مرور الزمن أيضا، أخذ عالمنا يشهد تغيرات غير مسبوقة منذ قرن من الزمان، ويواجه تحديات صعبة تستوجب عملا مشتركا لمواجهتها ومعالجتها. الصينيون والعرب يعيشون مع الأمم الأخرى في هذا العالم الذي أضحى يماثل قرية صغيرة بفضل ما يشهده من تقارب وترابط وتكامل، ويسعون مع مَن يؤمنون بالمصير المشترك للبشرية، لإيجاد حلول ومعالجات للمشاكل والتحديات التي يواجهها عالمنا اليوم. الأمتان الصينية والعربية تؤكدان دوما على التنسيق بين الانسجام والاختلاف، وضرورة الجهود الحثيثة والتعاون المتبادل، وتروّجان لأفكار مثل أن الأرض ملك مشترك للجميع والعالم يعود للكل أيضا، وعلى هذه الأسس، فإن الجميع مسئولون عن هذه الأرض وهذا العالم، ويجب أن يتشارك الجميع في إدارة شئون العالم، ولا يترك تقرير مصير العالم بيد مجموعة قليلة من الدول المُتنفذة.
فكر بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية
هذا الفكر طرحه الرئيس الصيني شي جين بينغ، المعروف عنه الشعور بالمسئولية والتحلي بالنظرة السياسية الاستراتيجية الثاقبة، في عام 2013، ونظرا لأهميته الكبيرة، فقد تم تضمينه مرات عديدة في وثائق الأمم المتحدة وجمعيتها العامة في نوفمبر عام 2022. وهذا الفكر يُعتبر قبسا من حكمة الصين وأحد الحلول التي تطرحها لمعالجة المشاكل والتحديات التي تواجه العالم. الهدف الأساسي لفكر الرئيس شي هذا، هو تعزيز السلام العالمي، ودفع التنمية المشتركة. وهذا الفكر وهدفه وتوجهه تأتي جميعا في صلب نظرة الصين كبلد كبير مسئول، وتطلعاتها نحو العالم واستعدادها لتشاطر تجاربها التنموية ومنافعها وربطها مع تنمية البلدان الأخرى.
وبما أن العرب والصينيين يعيشون على هذه الأرض، البيت المشترك للجميع، فهم يرتبطون بمستقبل ومصير مشتركين، وكلا الجانبين يشعران بهذا الترابط وبضرورة العمل المشترك الحثيث والوثيق نحو الهدف المشترك وهو جعل كوكبنا أكثر أمنا وسلاما وأوثق ترابطا كعائلة واحدة كبيرة تسعى لتحقيق أحلامها. العرب والصينيون بينهما الكثير من المشتركات التي أسهمت بتعزيز العلاقات التقليدية الطيبة على مدار مئات السنين، وفي التاريخ الحديث، وهذه المشتركات يمكنها أن تسهم كثيرا في بناء مجتمع المصير المشترك بين الجانبين. أبرز ما يميز العلاقات الصينية – العربية هي أنها ودية لم تشبها شائبة على مدار تاريخها الممتد لألفي عام على الأقل، منذ طريق الحرير القديم. ومن مزايا هذه العلاقات أيضا أنها ظلت قائمة على الاحترام المتبادل للسيادة وخيارات التنمية المتلائمة مع ظروف كل جانب، والسعي الجاد نحو التحرر والاستقلالية والسلام والأمن والتنمية وتلبية متطلبات العصر. وعلى ضوء هذه الحقائق، فإن تاريخ العلاقات بين الجانبين مليء بالأمثلة المضيئة في صفحات العلاقات الدولية. الجانبان تبادلا الدعم والمساندة والتفاهم على طول مسيرة النضال من أجل التخلص من الاستعمار والتحرر من التبعية، وتعزيز صوت ودور البلدان النامية في المحافل الدولية. لذلك، فالأرضية ممهدة للعمل المشترك بين الجانبين لبناء مجتمع مصير مشترك أوثق بينهما.
تحديات العالم المتغير
في عالم اليوم المليء بالتغيرات والتقلبات والتحديات، لا يمكن لبلد ولا إقليم بمفرده أن يواجه آثار هذه التحديات، ولا يمكن له أن يعيش بمعزلٍ عنها. الأحادية ليست مستدامة، والتعددية هي تيار العصر وهي السبيل لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية جمعاء. تقنيات العلوم والاتصالات الحديثة جعلت عالمنا متزايد الترابط ومتزايد التكامل أكثر من أي وقت مضى، وأصبح الفضاء الإلكتروني منصة للجميع، وهذا يحتّم على البشرية أن تعمل بصورة مشتركة لتحقيق الأمن والأمان لهذه العلوم ومنتجاتها العملية. وهذا لن يتحقق إلا بتعاون الجميع بقلب وعقل منفتحين وبالاحترام والمساواة والعدالة وتشاطر ثمار التنمية العلمية والاقتصادية. ليس الفضاء الإلكتروني وحده الذي يستوجب التعاون الدولي المشترك، فهناك الكثير من المجالات تستوجب مثل هذا التعاون العملي المنفتح الشامل والشفاف، منها على سبيل المثال لا الحصر تغير المناخ، والصحة العامة، وحماية البيئة وحياة البشر وتناغمهم مع الطبيعة.
هل يمكن للعرب والصينيين بناء مجتمع مصير مشترك بينهما
نعم بكل تأكيد، فالعرب والصينيون بإمكانهم العمل الوثيق لبناء مجتمع مصير مشترك أوثق بينهم، وذلك بفضل الأسس المتينة للعلاقات بين الجانبين، والمشتركات التاريخية والمعاصرة، وبفضل أرضيات صلبة مثل الاحترام المتبادل والحوار والتنسيق الفعّالين والترابط العملي للسياسات التنموية، والعلاقات الرسمية والشعبية الآخذة بالتطور والتنامي، وبفضل منصات فعالة مثل منتدى التعاون الصيني – العربي، وآليات تعاونية وتشاورية وتنسيقية أخرى على المستويات القيادية والوزارية والمؤسساتية والشعبية.
لقد ظل العرب والصينيون أصدقاء حميمين وشركاء وثيقين على الدوام، ويمكن اعتبار علاقاتهما مثالا حسنا للنوع الجديد المنشود للعلاقات بين الدول، على أساس الاحترام المتبادل وتعاون المنفعة المشتركة، وتنسيق الاستراتيجيات على الصعيدين بين الجانبين وعلى المستوى الدولي.
هناك علاقات اقتصادية قوية متنامية بين الصين والدول العربية، وخاصة بمجال الطاقة والاستثمار. الصين حاليا هي أكبر شريك تجاري وتعاوني مع الدول العربية. في عام 2021، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية، أكثر من 330 مليار دولار، وفقا لأرقام من إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا في الخارجية الصينية. وبصفته أحد الشركاء المهمين للصين من حيث النفط الخام، بلغ التبادل التجاري بين العراق والصين 53.7 مليار دولار في عام 2022، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والمملكة العربية السعودية، 116 مليار دولار.
إن معظم متطلبات بناء مجتمع مصير مشترك بين الصين والدول العربية موجودة، وأبرز ما تتطلبه عملية البناء هذه، وهي قد بدأت ومستمرة بزخم جيد فعلا، هو هذا النوع من العلاقات الدولية القائم بين الجانبين العربي والصيني. وأبرز مزايا هذا المجتمع المشترك المنشود هو تمسكه بتعاون المنفعة المشتركة لجميع الأطراف المشاركة فيه. لا بد للتعاون من أن يحقق المنفعة للجميع، وإلا سيفقد معناه الحقيقي. وأبرز ما يسعى إليه هذا المجتمع المشترك المنشود هو التمسك بالتعددية وبالتنمية السلمية التي تبتعد تماما عن أي وسيلة تسبب ضررا للآخرين. الأمتان العربية والصينية أمتان مسالمتان لم تسعيا أبدا لعدوان ضد أحد، أو التطاول ولو على شبر واحد من أرض لأحد، بل كلا الأمتين قد عانت الأمرّين من عدوان وتنمر الآخرين، وخاصة القوى الغربية.
الأمتان العربية والصينية هما جزء من هذا العالم الواسع، ووجودهما ونموّهما أمران لا ينفصلان عن بقية العالم، وطالما أسهمت هاتان الأمتان بالكثير لتقدم مسيرة البشر وتعزيز التبادل الحضاري والثقافي بين الشعوب والاستفادة من تجارب بعضنا البعض. العرب والصينيون يدركون تماما أن التعاون الجاد المنفتح والمثمر هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات وكبح آثارها، ويحفظون في أذهانهم جيدا تلك التجربة القاسية التي خاضها العالم خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي شهدت الظهور المباغت لوباء كوفيد-19، وكيف أن التعاون بين الجانبين الصيني والعربي قد آتى ثماره ونجح في تجاوز تلك السنوات القاسية على العالم أجمع. الوباء، وتغير المناخ، والمشاكل الأمنية التقليدية وغير التقليدية، والتحديات الأخرى التي تلقي بظلالها على العالم أجمع، تؤكد ضرورة بناء مجتمع مصير مشترك بين الجانبين العربي والصيني، وللبشرية جمعاء.