بقلم/ نيو سونغ، باحث بمعهد الشرق الأوسط التابع لجامعة شنغهاي للدراسات الدولية
أعلنت مصر وتركيا مؤخراً عن أنهما ستستأنفان العلاقات الدبلوماسية وتعيدان تعيين السفراء بينهما، الأمر الذي سيكسر الجمود في العلاقات بين البلدين دام ما يقرب 10 سنوات. وقد لعبت مصر بميزتها الدبلوماسية بفاعلية وأجرت محادثات خماسية في مدينة شرم الشيخ الساحلية مع الوضع بين فلسطين وإسرائيل كموضوع رئيسي.
إن "كسر الجليد " للعلاقات المصرية ـ التركية، ومواجهة مصر للتحديات وصعوبات القضية الفلسطينية الاسرائيلية لم يكن عرضياً من حيث التوقيت، ولكنهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالتطبيع الكامل للعلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران. ويمكن القول إن العودة السريعة للعلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، والعلاقات المصرية التركية، والتقدم الصعب للعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية تشكل الجوانب الرئيسية لـ " مدّ المصالحة " الحالي في الشرق الأوسط.
بداية مدّ المصالحة في الشرق الأوسط: استئناف العلاقات السعودية ـ الإيرانية
أصدرت الصين والمملكة العربية السعودية وإيران بيانًا مشتركًا في مساء يوم 10 مارس الجاري، تضمن جوهره الاتفاق على استئناف العلاقات السعودية ـ الايرانية رسميًا.
الواقع، أن العلاقة بين السعودية وإيران تحولت من مواجهة شرسة إلى مصالحة شاملة، وقد ظهرت بوادر مبكرة على ذلك. في يناير 2021، استأنفت العديد من الدول العربية بقيادة السعودية العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ووقعت "إعلان العلا"، مما يعني أن السعودية قد خففت من "احتواء" إيران في منطقة الخليج. ومنذ ذلك الحين، بذل العراق وسلطنة عمان أيضًا جهودًا كبيرة لحل الصراع بين ا السعودية وإيران.
إن أهمية استئناف العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران لا تعود على منطقة الشرق الأوسط فحسب، وإنما للعالم بأسره ايضاً. كما أن المصالحة بين السعودية وإيران سيساعد على تخفيف الوضع العام في الشرق الأوسط. وكدولة رئيسية في الخليج والشرق الأوسط، تطور الصراع بين السعودية وإيران منذ فترة طويلة إلى ألعاب جماعية، وتفاعلت بشكل منهجي مع الحروب في اليمن وسوريا وليبيا ودول أخرى. وكانت أزمة قطع السعودية العلاقات الدبلوماسية مع قطر سابقاً إلى حد ما نتاجًا للتأثير غير المباشر لنزاعات السعودية الايرانية.
وبناءً على ذلك، ستساعد المصالحة السعودية الايرانية على تهدئة سلسلة من القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، وستساعد بشكل كبير على القضاء على العجز الأمني والتنموي في الشرق الأوسط.
اتساع مد المصالحة في الشرق الاوسط: مصر وتركيا تجريان اتصالات دبلوماسية
زار وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو القاهرة وأجرى محادثات مع وزير الخارجية المصري سامح شكري يوم 18 مارس الجاري. و تعد زيارة جاويش أوغلو أول زيارة يقوم بها وزير خارجية تركي لمصر منذ أكثر من عشر سنوات. وبعد المحادثات، صرح وزيرا خارجية مصر وتركيا علنا أن البلدين اتفقا على إعادة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء في أقرب وقت ممكن، ودفعا رئيسي الدولتين إلى إجراء محادثات في النصف الثاني من هذا العام. وفي 20 مارس، صرح جاويش أوغلو أن تركيا بدأت عملية تعيين سفيرها في مصر.
وقد شهدت العلاقة بين مصر وتركيا دفئًا سريعًا هذه المرة، إلى حد ما، مع بدء " مدّ المصالحة" في الشرق الأوسط التي أثارها استئناف العلاقات السعودية الايرانية، لكنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستعداد القوي لمصر وتركيا للخروج من المشاكل، ومرتبطة باستراتيجية التنمية الخاصة بمصر.
تعتبر مصر وتركيا دولتان رئيسيتان في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ولهما تأثير كبير في المنطقة والعالم. ومع ذلك، فإن المواجهة على مدى السنوات العشر الماضية والتأثيرات غير المباشرة على العديد من القضايا استنفدت القوة الوطنية لمصر وتركيا، وفشلت في تحقيق اختراق جوهري في القضايا ذات الصلة.
اشتدت المواجهة بين الفصيلين في ليبيا وتوطدت، وخلفها ظلال مصر وتركيا. وتتشابك المواجهة الحادة بين مصر وتركيا في الخلاف على النفط والغاز بشرق البحر المتوسط مع انقسام ليبيا. وأدركت مصر وتركيا أن التنمية هي الطريق لتعزيز القوة الوطنية والحفاظ على الاستقرار، وأن المصالحة هي السبيل الوحيد لتحقيق التنمية وتعزيز الأمن المشترك. وبالنسبة لمصر، يتوقع أن تنشئ بيئة إقليمية جيدة للترويج المتعمق لـ "رؤية 2030"، وذلك لتعزيز تحقيق الأهداف الاستراتيجية للبلاد مثل التنمية الخضراء والتحول الرقمي.
تموجات مد المصالحة في الشرق الاوسط:: تعثر العلاقات الفلسطينية ـ الاسرائيلية
استضافت مدينة شرم الشيخ بمصر يوم 19 مارس الجاري، اجتماعا خماسيا لدعم التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وعلى الرغم من أن المحادثات الخماسية في شرم الشيخ هي اتفاق تم التوصل إليه في المحادثات الخماسية في العقبة، الأردن في 26 فبراير، لكن انطلاقا من الزخم الذي أعلنته مصر عن تحقيق المصالحة بين مصر وتركيا في اليوم السابق، يتوقع أن تظهر المحادثات الخماسية بوضوح الرغبة في تخفيف حدة التوتر بين فلسطين وإسرائيل.
بعد وصول حكومة إسرائيل "الأكثر يمينية" في التاريخ إلى السلطة في نهاية عام 2022، أصبح الوضع بين فلسطين وإسرائيل خارج نطاق السيطرة بشكل متزايد، ويستمر الصراع بين الجانبين في التصاعد، وقد أثار ذلك قلقًا كبيرًا بين مختلف أصحاب المصلحة في العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وأصبح منع خروج الوضع بين فلسطين وإسرائيل عن السيطرة هو إجماع المجتمع الدولي والدول الكبرى في الشرق الأوسط.
وبالرغم من أن القضية الفلسطينية كانت شديدة التهميش والتعامل ببرود من قبل بعض الدول من قبل، إلا أن جوهرها الذي يعتبر جوهر قضية الشرق الأوسط والسبب الجذري لمشكلة الشرق الأوسط لم يتغير.
ومقارنة بالأردن، فإن مصر، كدولة رئيسية في المنطقة وزعيم تقليدي في العالم العربي، أطلقت دبلوماسية محلية مباشرة بعد استعادة العلاقات مع تركيا، لتعزيز تخفيف حدة الوضع بين فلسطين وإسرائيل، وهذا في حد ذاته يعكس نية مصر في استعادة وتعزيز نفوذها الدبلوماسي في سياق مد المصالحة في الشرق الأوسط.
إن العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية متشابكة بعمق، وتعطل المحادثات الخماسية في شرم الشيخ بشدة من قبل بعض القوى المتشددة داخل فلسطين وإسرائيل كان متوقعا أيضا، لكن وجود حوار مؤسسي بحد ذاته أمل في السلام.