يصادف اليوم الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق. حيث شنت الولايات المتحدة في 20 مارس 2003 غارات جوية عنيفة على العراق تحت راية "مكافحة الإرهاب" و "الديمقراطية. وعلى الرغم من أن واشنطن استطاعت أن تطيح بنظام صدام حسين بسرعة، معتمدة على قوتها العسكرية الضاربة، إلا أنها فتحت أيضًا "صندوق باندورا": الحرب لم تغرق العراق والشرق الأوسط في اضطرابات طويلة الأمد فحسب، بل تسببت أيضًا في انتشار نحو أوروبا والولايات المتحدة. كما تسبب غزو العراق في خسائر اقتصادية فادحة للولايات المتحدة، ووضع سمعتها الدولية محلّ تساؤل. بالإضافة إلى ذلك، أسهمت الحرب في تعميق الصدع داخل التحالف عبر الأطلسي وصعود الشعوبية في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي أنذرت بمعضلة الحوكمة العالمية. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تكرس هيمنتها وعقلية الحرب الباردة، ولا تأخذ موعظة من دروس التاريخ.
في بعض أجزاء الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، لا تزال آثار الحرب شاهدة على وحشية الغزو. وبالإضافة إلى الدمار المادي، تركت الحرب ذكريات مؤلمة يصعب نسيانها في نفوس الشعب العراقي، وخاصة الشباب. ومن القصف المستمر من قبل الجيش الأمريكي في عام 2003، إلى الصراع الطائفي الناجم عن تطبيق الولايات المتحدة لـ "نظام المحاصصة السياسية" في العراق في عام 2007، إلى "الحصار" اللاحق للمنظمات المتطرفة مثل "الدولة الإسلامية". انتشرت الهجمات وانتشر الذعر معها في كامل أرجاء العراق والشرق الأوسط.
في هذا السياق، قال حيدر التميمي، رئيس معهد التاريخ بمؤسسة بيت الحكمة، في مقابلة مع مراسل غلوبال تايمز في 18 مارس الجاري، إن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة بدعاوى واهية، قد تسببت في أضرار لايزال العراق يعانيها حتى الآن. موضحا، بأن الهدف من هذه الحرب هو خدمة الاستراتيجية الأمريكية، لكنها قتلت أكثر من 200 ألف من الأبرياء في العراق وشردت قرابة 10 ملايين شخص.
وبداية عام 2023، أعلنت الحكومة العراقية أن ربع سكان البلاد، أو ما يقرب من 11 مليون شخص، يعيشون تحت خط الفقر. كما لا يزال العراق يعاني تبعات الصراع السياسي الطويل. وذكرت الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية أن القضايا الأمنية، مثل القنابل المزروعة على جوانب الطرق والمنظمات المتطرفة، وقضايا المعيشة مثل عدم كفاية الكهرباء وضعف الرعاية الطبية، لا تزال تعصف بالشعب العراقي. متسائلة، "هذا بلد غني بالموارد الطبيعية، ولا ينبغي أن يكون على هذا النحو."
أحدث الغزو الأمريكي للعراق فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية عارمة في العراق، مما وفر أرضًا خصبة للإرهاب، وأدى إلى "صعود" سريع للمنظمات المتطرفة في الشرق الأوسط. مما شكل تهديدات أمنية للمنطقة والعالم، إعادة كتابة الخريطة السياسية للشرق الأوسط. وبحسب تقرير "شبكة الحوار الإخبارية" الأسترالية، بدأ تنظيم الدولة الإسلامية، منذ 2013، باحتلال مناطق واسعة من سوريا والعراق. لكن قبل غزو الولايات المتحدة وحلفائها للعراق، لم تكن هناك تقارير عن تواجد إرهابي في العراق، ولكن بحلول منتصف عام 2014، كان الإرهابيون يسيطرون على ثلث أراضي العراق.
وقال تشو فنغ، العميد التنفيذي لكلية العلاقات الدولية في جامعة نانجينغ، لمراسل غلوبال تايمز إن الولايات المتحدة أصبحت أكثر عدوانية في الشرق الأوسط، وهذا يظهر إلى حد ما أن الاستراتيجيات الدبلوماسية والأمنية للولايات المتحدة والغرب لا تمثل الحل الصائب لإدارة الأمن العالمي. ويجب على جميع الدول أن تسلك مسارًا أمنيًا جديدًا للحوار بدلاً من المواجهة، والشراكة بدلاً من التحالف، والفوز المشترك بدلا من المعادلة الصفرية.
أمريكا لم تتعلم الدرس
تسبب الغزو الأمريكي للعراق في إلحاق إضرار جسيمة بالبلد المنكوب بالحرب والعالم، فهل استوعبت واشنطن الدرس؟ قال تشو فنغ إنه بعد اندلاع حرب العراق، كان هناك بالفعل صوت في الولايات المتحدة ينتقد السياسات الأمريكية، معتقدًا أن السياسة الخارجية الأمريكية كانت تتحرك باستمرار نحو الهيمنة أحادية القطب. وبشكل عام، لم تشهد السياسات الأمريكية والرغبة الأمريكية في الهيمنة تغيّرا إلى اليوم، ولاتزال واشنطن تتمسك بتفكيرها الإمبراطوري.
في هذا الصدد، قال بيلر، الباحث البارز في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون في الولايات المتحدة، إن الأكاذيب أصبحت جزءًا مهمًا من السياسة الأمريكية. حيث لم تدخر إدارة بوش أي جهد في الترويج للحرب داخل الشعب الأمريكي، مما أدى إلى اعتقاد الجمهور خطأ أن صدام حسين قد شارك في هجمات "11 سبتمبر". وقد تكرر سيناريو التضليل هذا في حادثة البالون الصيني أيضا.
وأشار التميمي إلى أن الوضع الدولي الحالي يظهر أن الولايات المتحدة لم تتعلم من التاريخ كما يتضح من الأزمة الأوكرانية. حيث قد أثار توسع الناتو باتجاه الشرق غضب روسيا وأدى إلى صراعات عسكرية عنيفة، سلطت الضوء مرة أخرى على المشكلة المزمنة في السياسة الدولية للولايات المتحدة، وهي الاعتماد المفرط على القوة العسكرية لحل النزاعات الدولية.
ويعتقد تشانغ شنغ جون بأن "حقوق الإنسان" تبقى مبرّرا من بين عدة مبرّرات تعودت الولايات المتحدة على استخدامها لتحقيق أهداف سياسية قصيرة المدى. في حين تسيطر فكرة الهيمنة على التفكير الاستراتيجي الأمريكي، مدعومة بالتفوق العسكري. ويرى خبراء، أن أمريكا لن تتخلّى عن فكرة الهيمنة طالمات ظلت في وضع التفوق العسكري.