طوكيو 12 مارس 2023 (شينخوا) على الرغم من المعارضة الشديدة داخل البلاد وخارجها، إلا أن اليابان لا تزال تعتزم المضي قدما في خطتها الرامية إلى تصريف مياه الصرف الملوثة نوويا في المحيط الهادئ من محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية المعطلة وذلك في ربيع أو صيف هذا العام.
يرى السكان المحليون، ولا سيما العاملون في صناعة صيد الأسماك، أن تصريف المياه هذا سيعصف بموارد رزقهم ويقوض كل الجهود التي بذلوها على مدى أكثر من عقد من الزمان لإحياء هذه الصناعة، ناهيك عن الاحتجاج الدولي على هذا القرار غير المسؤول.
-- جهود عقد من الزمان تذهب سدى
ذكر توشيميتسو كونو، رئيس جمعية سوما فوتابا التعاونية لمصائد الأسماك في محافظة فوكوشيما، "نحن نعارض تصريف المياه"، مضيفا بقوله "بمجرد تصريف المياه الملوثة، علينا أن تبدأ من جديد الجهود التي بذلناها على مدى عقد من الزمان".
وتعتبر هذه المجموعة، التي تضم 846 عضوا، الأكبر في المحافظة الشمالية الشرقية، وهي المنطقة الأشد تضررا من زلزال بلغت قوته 9 درجات وموجات تسونامي تلته في 11 مارس 2011.
ثم تعرضت محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية لانصهار قلب عدد من وحدات مفاعلاتها ليتسبب ذلك في إطلاق الإشعاع، وهو ما أدى إلى وقوع حادث نووي من المستوى 7، وهو أعلى مستوى على المقياس الدولي للحوادث النووية والإشعاعية.
فهذه المحطة تولد كميات هائلة من المياه الملوثة بالمواد المشعة من تبريد الوقود النووي في مباني المفاعلات، والتي يتم تخزينها حاليا في حوالي ألف صهريج تخزين.
وقد ذكرت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية (تيبكو) المشغلة للمحطة مرارا أن المياه المعالجة، التي تعتزم تصريفها، مخففة وفقا لمعايير السلامة الوطنية.
وبدوره، قال هارو أونو، وهو صياد في ميناء شينكيماتشي الصغير الواقع شمال المحطة إن "مياه الصرف سامة مهما خففتها، لأنها تحتوي على مواد مشعة".
وتساءل الرجل البالغ من العمر 70 عاما قائلا "لقد قام البحر على رعايتنا. إنه موطن السمك وليس سلة مهملات للبشر! فلماذا نلوث المحيط؟"
شعر الصياد الذي ينتمي للجيل الثالث وفقد منزله وشقيقه الأصغر خلال موجات تسونامي، بالغضب لأن التصريف قد يدمر كل شيء عندما يتعافى قطاع الصيد المحلي تدريجيا.
فبعد مرور 12 عاما على حادثة عام 2011 التي أصابت صناعة صيد الأسماك في فوكوشيما بصدمة، لا يزال صيادو الأسماك المحليون يعانون.
وذكر كونو أن كميات السمك التي يتم صيدها في المنطقة تعادل الآن 20 في المائة فقط من حجمها قبل زلزال عام 2011، على الرغم من أن أسعار الأسماك تعافت إلى ما يتراوح بين 70 و80 في المائة من مستوياتها ما قبل الزلزال.
وفي نفس السياق، أشار الصياد المحلي كينيشيرو أوهيرا إلى أن "جميع الصيادين يعارضون تصريف المياه"، مضيفا بقوله "بمجرد تصريف المياه الملوثة، ستذهب جميع الجهود، التي بذلناها نحن الصيادين على مدى أكثر من عشر سنوات لاستعادة ثقة المستهلكين، سدى".
وفي استطلاع للرأي العام أُجري في وقت سابق من هذا الشهر، أعرب 90.5 في المائة من سكان فوكوشيما عن اعتقادهم بأن تصريف مياه الصرف الملوثة نوويا في المحيط من شأنه أن يلحق الضرر بسمعة منتجات المنطقة.
ومن جانبه ذكر كينيتشي أوشيما، الأستاذ في جامعة ريوكوكو، أن "السكان المحليين يعملون بجد لإعادة تنشيط مصائد أسماك في فوكوشيما. وكل هذه الجهود ستذهب أدراج الرياح إذا تجاوزت حتى ولو سمكة واحدة من ملايين الأسماك التي تم صيدها الحد الإشعاعي.
أما تاكيشي كوماتسو، وهو أحد مربي المحار في محافظة مياجي المجاورة، فقال "إننا نعيش قبالة البحر كمنتجين أو مستهلكين"، معربا عن قلقه من أن تتسبب مياه الصرف في تلوث المحار وتُعرض سلامة الغذاء والأطفال في المنطقة للخطر.
-- المياه المعالجة محل شك كبير
أشار أوشيما إلى أنه على عكس المواد الكيميائية الخطرة العادية، فإن المواد المشعة لن تختفي دون معالجة كيميائية لأن قدرة الطبيعة على التنقية الذاتية محدودة.
وتابع الخبير في الاقتصادي البيئي قائلا إن "الحقيقة التي لا جدال فيها" تكمن في أن هذه المواد المشعة لم تكن لتُنتج بدون الحادث النووي.
وذكر "لا أعتقد أنه من المناسب تصريف هذه المواد المشعة الإضافية"، مضيفا بقوله إنه "لا يوجد في المقابل تقييم لتأثير المواد المشعة على المدى الطويل على النظام البيئي البحري وحياتنا".
وشكك في فعالية النظام المتقدم للمعالجة بالسوائل لدى شركة تيبكو، قائلا إن النويدات بخلاف التريتيوم لم تتم إزالتها بعد في حوالي ثلثي إجمالي 1.3 مليون طن من مياه الصرف النووي من محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية.
وأشار إلى أن "تيبكو تصر على أنها سوف تستطيع التعامل مع القضية، ولكن مصداقية مثل هذه التصريحات تحتاج إلى مزيد من التتبع والمراقبة نظرا لعدم وجود سابقة"، مشددا على أن مسألة ما إذا كان الثلث المعالج من مياه الصرف النووية يستوفي المعايير هي مسألة تفتقر أيضا إلى المراجعة من قبل منظمة تابعة لطرف ثالث.
وأعرب عن اعتقاده بأن العلاج المناسب وغير المكلف يتمثل في مواصلة تخزين مياه الصرف النووي المعالجة في الخزانات وانتظار التريتيوم الذي يبلغ عمره النصفى 12.3 عام ليتحلل إلى أقل من واحد في الألف من مستواه الحالي خلال أكثر من 120 عاما. أما الطريقة الأخرى فتتمثل في إحكام الغلق عليه تحت الأرض لحين تصلبه والانتظار لأكثر من 100 عام، وعند هذه النقطة يمكن النظر في مزيد من طرق المعالجة.
وبما أن شركة تيبكو هي المسؤولة عن الحادث في المقام الأول، فلا ينبغي لها أن تختار كيفية التخلص من المياه على أساس حسابات التكلفة. بل يتعين عليها بدلا من ذلك أن تقلل من التأثير على البيئة والناس، حسبما أشار أوشيما.
-- احتجاج دولي على خطة متهورة
والأكثر من رد الفعل الشديد في الداخل هو أن خطوة اليابان أثارت قلقا بالغا في مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي أدى إلى توليد معارضة قوية من جانب العديد من البلدان والمنظمات الدولية.
يشعر الأكاديميون والمدافعون عن البيئة بالقلق ويرون أن دفع اليابان أحادي الجانب للخطة متهور وضار، مستشهدين في ذلك بعدم وجود نموذج تجريبي عملي للخطة وتهديدها المحتمل للمجتمع والبيئة البحرية.
إن البلدان المعرضة للمياه الملوثة هي تلك البلدان الجزرية الواقعة في المحيط الهادئ والتي صارت تحمل ذكريات مؤلمة منذ أن أجرت البلدان الغربية مجموعة مذهلة من التجارب النووية في المحيط الهادئ منذ منتصف القرن العشرين، ما أدى إلى تلوث إشعاعي مروع وكوارث بيئية.
في هذا الصدد، قال هنري بونا، الأمين العام لمنتدى جزر المحيط الهادئ "يجب أن نمنع العمل الذي سيقودنا أو يضللنا نحو كارثة تلوث نووي كبرى أخرى على أيدي الآخرين"، مشددا على أنه من الأهمية بمكان بالنسبة للمحيط الهادئ ألا تمضي اليابان قدما في تصريف هذه المياه.
ويدعو قادة دول جزرية متعددة في المحيط الهادئ الحكومة اليابانية إلى أن توقف فورا خططها الرامية إلى تصريف النفايات النووية في المحيط الهادئ.
فقد أشار القائم بأعمال رئيس وزراء فيجي مانوا كاميكاميكا إلى أن فيجي في حالة تأهب قصوى منذ أن أعلنت اليابان عن خطة التصريف المقرر للمياه، متسائلا عما إذا كانت المياه المعالجة بواسطة النظام المتقدم لمعالجة السوائل آمنة، و"لماذا لا يعاد استخدامها في اليابان لأغراض بديلة، في التصنيع والزراعة على سبيل المثال؟".
كما قال عالم الاجتماع النيوزيلندي كارلي بورش إن "لشعوب المحيط الهادئ حق أساسي في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة. فمن خلال المضي قدما في هذه الخطة الرامية إلى تصريف مياه الصرف المشعة دون مشاورات يقودها المجتمع ومناقشات علمية جادة ومداولات عامة، فإن تيبكو والحكومة اليابانية تظهران تجاهلا مباشرا لسيادة شعوب المحيط الهادئ وحقها في تقرير مصيرها.
وسلط ديفيد كروفتشيك، كبير المحاضرين في الفيزياء بجامعة أوكلاند، الضوء على أن الخطر المتمثل في صرف منتجات الانشطار النووي بشكل عشوائي في المحيط يتلخص في أنها قد تجد طريقها إلى السلسلة الغذائية، محذرا من ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان.
وقد أشار لي سونغ، ممثل الصين الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن القضية مثيرة للجدل بشكل كبير وتحتاج إلى معالجة مدروسة وحكيمة من قبل المجتمع الدولي والدول الأعضاء في الوكالة.
وذكر آهن جاي -هون، مدير الطاقة والتغير المناخي في الاتحاد الكوري لحركة البيئة، أن "المحيط الهادئ لا يخص اليابان بل الجميع"، مضيفا أن الملوثات ستتدفق إلى الدول المجاورة حيث تم بالفعل إطلاق العديد من المواد المشعة وأحدثت تلوثا (للنظام الإيكولوجي البحري).