حقق الحوار بين السعودية وإيران في بكين نجاحًا كبيرًا وصدمة للعالم أيضاً، كما رحب المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بهذا الإنجاز وأعربوا عن توقعاتهم لآفاق السلام في الشرق الأوسط. وحتى نكون صادقين، هز العالم العديد من الأحداث الكبرى في السنوات القليلة الماضية، لكن معظمها أحداث حزينة عن الحروب والصراعات والكوارث، جعل اتجاه موقف المجتمع الدولي منقسماُ أكثر وأكثر. وحظي نجاح الحوار السعودي الايراني في بكين بتصفيق إجماعي كبير وهتافات من المجتمع الدولي -مثل هذا المشهد لم يُشاهد منذ فترة طويلة. وهذا النوع من الفرح والإثارة من القلب هو انعكاس حقيقي لتطلعات الناس في العالم اليوم.
اعتبر العداء بين السعودية وإيران طيلة الفترة الماضية، أنها "الحرب الباردة" في الشرق الأوسط من قبل العالم الخارجي، وقد أثر بشكل عميق على الوضع الأمني في هذه المنطقة. وحاولت بلدان كثيرة "التوسط"، لكن دون جدوى. ولأن السعودية وإيران تنتميان إلى فرعي الطائفتين السنية والشيعية، وأكبر دولتين على جانبي الخليج العربي، فإن "العقدة" بين السعودية وإيران متشابكة مع العديد من العوامل المعقدة مثل التاريخ والدين والجغرافيا السياسية، أصبح تخفيف الصراع بين البلدين في يوم من الأيام "مهمة مستحيلة". وليس من قبيل المبالغة القول إنه، قبل يوم واحد فقط من تحقيق الحوار السعودي الايراني هذه النتائج الايجابية، لم يكن العديد من الناس يعتقدون أن هذه العقدة كان من الممكن فكها. ولهذا السبب بالتحديد، لم يعرب البلدان المعنيان عن امتنانهما للصين لدورها الهام في الوساطة فحسب، وإنما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش أيضًا عن تقديره لذلك.
لماذا استطاعت الصين فعل ذلك؟ يعود السبب بالدرجة الأولى إلى الرغبة في السلام والتنمية، ولقد بدأت بالفعل في أرض الشرق الأوسط، كما أن هذه الرغبة تزداد، وتزداد قوة بذور السلام لاختراق جميع الحواجز، والحروب المدمرة، وهذا يتوافق إلى حد كبير مع مبادرة الأمن العالمي للصين ومبادرة التنمية العالمية. وكدولة رئيسية مسؤولة، تعاملت الصين دائمًا مع دول الشرق الأوسط بطريقة ودية، وكانت دائمًا قوة بناءة مهمة في تعزيز السلام ودعم التنمية في الشرق الأوسط. وعلى مر السنين، نشطت الصين في تعزيز السلام والأمن الإقليميين، واتخذت مبادرة للتحدث علنا عن حلول سياسية لقضايا النقاط الساخنة الإقليمية. وحوار السعودية وإيران مثال ناجح لمبادرة الأمن العالمي.
وقد نال حسن نية الصين وإخلاصها ثقة جميع الأطراف المعنية، كما تم الاعتراف بالحل الصيني من قبل جميع الأطراف وأظهر جاذبية قوية، ما يدل على أنه بغض النظر عن مدى تعقيد المشكلات ومدى حدة التحديات، فطالما هناك حوارات على قدم المساواة بروح الاحترام المتبادل، سنكون بالتأكيد قادرين على إيجاد حل مقبول للطرفين، وبغض النظر عن الطريقة التي تنظر بها إلى ذلك، فإن المصافحة السعودية الإيرانية في بكين تعد علامة فارقة، كما توفر عينة ونموذجًا لتسوية النزاعات المعقدة. ويمكن للناس في اليمن وسوريا وحتى أوكرانيا وغيرها من المناطق التي مزقتها الحرب في جميع أنحاء العالم أن يروا الأمل وفجر السلام في الحوار.
لاحظ بعض الرأي العام أنه على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين "رحبوا" على مضض بهذه النتيجة، إلا أن هناك العديد من الأصوات المتوترة في واشنطن، بل إنهم "منزعجون بشدة" من دور الصين كوسيط سلمي، وما يجب التأكيد عليه هو أن الصين تدعم دول الشرق الأوسط في التمسك بالاستقلال الاستراتيجي، وتعزيز التضامن والتنسيق، والتخلص من التدخلات الخارجية، وأخذ مستقبل المنطقة ومصيرها بأيديها. كما يجب أن يكون الحوار السعودي الإيراني في بكين بمثابة تحذير لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أي لخلق أزمات وصراعات، وممارسة جذب فصيل ضد آخر لن تكسب أبدًا قلوب الناس. وإذا استمرت واشنطن في هذا الاتجاه، فإنها ستصاب بمزيد من الإحباط، ليس في الشرق الأوسط فحسب، ولكن في أجزاء أخرى من العالم أيضًا.
لا توجد مصلحة ذاتية في وساطة الصين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية السعودية ـ الايرانية. نحن سعداء حقًا بالتقدم الذي أحرزته السعودية وإيران، كما نود أن نرى القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع الصين، للمواجهة بشكل صحيح، واحترام الدعوة إلى السلام والتنمية في الشرق الأوسط، وبذل جهود حقيقية وبناءة للتوصل إلى حل سياسي للخلافات في هذه المنطقة وحتى المزيد من مناطق العالم. ونحن نؤمن بأن تحقيق الحل السلمي من خلال الحوار وتحقيق التنمية من خلال السلام لهما القدرة على اختراق قلوب الناس في هذا العصر، وأن انتصار السلام وحده هو الانتصار الحقيقي.