بقلم: روبرت لورانس كون
إن المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني لعام 2023، أعلى هيئة لسلطة الدولة في الصين، ينظر إلى الوراء لاستعراض الأمور وإعداد التقارير عنها، بينما يتطلع إلى الأمام واضعا نصب عينيه عملية الصياغة والتنفيذ. على الرغم من أنه حدث سنوي، إلا أنه يكتسي أهمية خاصة هذا العام، حيث بدأ في تنفيذ سياسات وبرامج المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، الذي يضع الخطة للعقود القليلة المقبلة. وتتمثل الرؤية الكبرى، كما يقول الرئيس شي جين بينغ، في "بناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة من جميع النواحي ودفع إحياء النهضة العظيمة للأمة الصينية قدما على نحو شامل".
ومن الأهمية بمكان أن تلتزم الصين بتعزيز شكلها الخاص من الديمقراطية، والذي تسميه "الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية". فالديمقراطية في الصين ليست سرابا لفظيا: إنها واحدة من الصفات الست الطموحة التي يقترحها الرئيس شي جين بينغ لوصف هدف الصين المتمثل في إحياء النهضة العظيمة للأمة. وتنطوي الديمقراطية في النظام الذي يقوده الحزب على مختلف ردود الفعل والآليات التفاعلية، وخاصة مجالس نواب الشعب على مختلف المستويات، وتستلزم أيضا ضمان مستويات معيشة مناسبة لجميع المواطنين الصينيين.
تتلخص الرؤية الأساسية للديمقراطية الصينية النمط في العمليات الرسمية لمجالس نواب الشعب، والتي تبلغ أوجها مع انعقاد المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني. فالمجلس الوطني لنواب الشعب الوطني، المخول بسن القوانين، يجتمع كله في مارس من كل عام، لكن لجانه المختلفة، وخاصة لجنته الدائمة، تجتمع على مدار العام لتخطيط وإعداد تشريعات مختلفة تحدد برنامج العمل السياسي للعام.
يتم انتخاب نواب مجالس الشعب وفقا للنظام الصيني، الذي يخضع دائما لقيادة الحزب، بالطبع. وحتى عام 2022، كان هناك أكثر من 2.6 مليون نائب بمجالس نواب الشعب في الصين: على مستوى الدولة والمقاطعات والبلديات والمحافظات والبلدات، مع انتخاب جميع نواب مجالس الشعب على مستوى المحافظات والبلدات مباشرة من قبل الناخبين.
يُسمى انتخاب نواب المجلس الوطني لنواب الشعب بالمنطلق الأساسي للشعب ليكون سيد البلاد، ويمارس سلطة الدولة ويدير شؤون الدولة. إنها الحلقة الأولى في السلسلة الكاملة للديمقراطية الشعبية خلال العملية برمتها.
وإن المرشحين لاختيارهم كنواب والموصى بهم من قبل أكثر من عشرة ناخبين يتمتعون بنفس الوضع القانوني الذي يتمتع به المرشحون الموصى بهم من قبل مختلف الأحزاب والمنظمات الشعبية، وفقا للقانون الانتخابي للمجلس الوطني لنواب الشعب ومجالس نواب الشعب المحلية. وقد يُفاجئ البعض بأن الحزب يشجع الانتخابات التنافسية بحيث يُتاح للناخبين والممثلين خيارات أكثر؛ وتكون اللجان التي يقودها الحزب مسؤولة عن فحص أو التحقق من مؤهلات المرشحين والنواب قبل الانتخابات وبعدها.
ولتيسير عملية التصويت النزيه، توفر خزانة الدولة الأموال الانتخابية لمجالس نواب الشعب على جميع المستويات؛ ويكفل الاقتراع السري حرية اختيار الناخبين؛ ويعاقب بشدة على السلوكيات التي تقوض الانتخابات.
ويمكن أن تتخذ الرقابة من قبل الناخبين على النواب أشكالا مختلفة، مثل الاستماع إلى تقارير النواب، وتوجيه الانتقادات، وتقديم الآراء والمقترحات، وحتى عن طريق استدعاء النواب.
ولا بد أن يتكيف انتخاب نواب المجلس الوطني لنواب الشعب مع العصر. فقد تحولت نسبة ممثلي الريف والحضر من 8:1 في عام 1953 إلى 1:1 اليوم، وهو ما يكفل المساواة بين المناطق الحضرية والريفية. ويتم إجراء تعديلات لضمان وجود عدد مناسب من النواب من جميع المناطق، والمجموعات الإثنية، والطبقات الاجتماعية، والقطاعات الصناعية، والدوائر الحكومية والعسكرية.
فلقرابة عقد من الزمان، أخذت أركز على فهم مدى اهتمام الصين بمواطنيها الأكثر فقرا، وكيف أعطى الحزب الشيوعي الصيني، وخاصة تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ، الأولوية لالتزامه الشامل برفع مستويات المعيشة -- تحسين سبل العيش -- لجميع لقطاعات السكانية الشاسعة والمتنوعة في البلاد، وخاصة من خلال "حملة التخفيف المستهدف من حدة الفقر" التي أطلقها الحزب الشيوعي الصيني.
وكمثال على غياب الفهم، عندما شاهد أحد الأمريكيين المحنكين فيلما وثائقيا قدمته وكتبته عن حملة الصين للتخفيف من حدة الفقر، قال "لم أكن أعلم أن القيادة الصينية تهتم على الإطلاق بفقرائها".
أظهر هذا الفيلم الوثائقي وعنوانه ((أصوات من الخطوط الأمامية: حرب الصين ضد الفقر))، كيف نفذت المستويات الخمسة للتنظيم المحلي للحزب الشيوعي الصيني (المقاطعة والبلدية والمقاطعة والبلدة والقرية) توجيهات القيادة. يبدأ الفيلم الوثائقي بصوتي وأنا أقول "بالنسبة للرئيس شي جين بينغ، القضاء على الفقر هو أهم مهامه"، ويختتم الفيلم الوثائقي ببث أحد المقتطفات من تصريح بارز للرئيس شي قال فيه "إن الجهود التي كرستها للتخفيف من حدة الفقر كانت أكبر مقارنة بأي شيء آخر". وعلى حد علمي، لم يقدم أي زعيم وطني آخر مثل هذا الالتزام، وهذا الإعلان، للتخفيف من حدة الفقر.
عندما يكتب المؤرخون في المستقبل سجلات عصرنا، فإن إحدى القصص البارزة قد تدور حول جهود التخفيف المستهدف من حدة الفقر في الصين.
وبالنسبة للرئيس شي، ما كان بوسع الصين أن تحقق هدفها المتمثل في التحول إلى مجتمع رغيد الحياة على نحو معتدل في عام 2020 لو ظل أي من مواطنيها في فقر مدقع.
على الرغم من أن الصين أعلنت القضاء على جميع أشكال الفقر المدقع في نهاية عام 2020، فإن الفقر النسبي لا يزال يمثل مشكلة رئيسية، مع وجود فوارق كبيرة بين المناطق الحضرية والريفية والساحلية والداخلية. لذلك مع بداية عام 2021، انتقل الرئيس شي دون تردد ودون إعطاء الكثير من الوقت للاحتفال أو الراحة، انتقل من التخفيف من حدة الفقر إلى النهوض بالريف. علاوة على ذلك، في وقت لاحق من العام، أعطى شي الأولوية لـ"الرخاء المشترك" كمبدأ توجيهي سياساتي شامل للصين لتحقيق دولة اشتراكية حديثة في شتى النواحي بحلول منتصف القرن، عام 2049، الذي يوافق الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
وبينما يغطي الرخاء المشترك سياسات متنوعة، فإن غرضه الخالص هو تحسين حياة المواطنين والمزارعين والعمال الريفيين، بمن فيهم العمال المهاجرون.
لقد احتفلت الصين بحق بنجاح حملتها للتخفيف من حدة الفقر، التي انتشلت نحو 100 مليون شخص من براثن الفقر المدقع. ولكي تحقق الصين الحلم الصيني المتمثل في إحياء نهضة الأمة، فإن القضاء على الفقر المدقع أمر ضروري -- ولكنه ليس كافيا. إذ يتعين على الصين أن تستمر في مكافحة الفقر من خلال الحد من الفقر النسبي الذي لا يزال كبيرا وسد فجوة الثروة التي لا تزال كبيرة، وخاصة بين المناطق الريفية والحضرية.
إن تحسين مستويات المعيشة في الريف يجسد رؤية الصين البعيدة المدى لعامي 2035 و2050 في أن تصبح أمة اشتراكية حديثة على نحول شامل، والتي تحددها تلك الصفات الستة الطموحة: مزدهرة وقوية وديمقراطية ومتقدمة ثقافيا ومتناغمة وجميلة. ويتوقف تحقيق هذه الصفات على نجاح النهوض بالريف. وبدون النهوض بالريف، لا يمكن أن يكون هناك استقرار اجتماعي، ولا ازدهار وطني، ولا إحياء لنهضة الأمة.
بينما تتم صياغة الرؤى الكبرى من قبل القيادة المركزية، يجب تنفيذها من قبل المسؤولين المحليين على مستوى القاعدة الذين ينفذون البرامج -- المسؤولون الذين تتضمن التحديات التي يواجهونها ضرورة السير باستمرار على الطريق، وقلة الراحة، وانخفاض مستوى الرفاه، والحد الأدنى من فرص الترقية -- بالإضافة إلى شكاوى متوقعة من القرويين في المستويات الدنيا وضغوط غير متواترة من المسؤولين في المستويات العليا. ولهذا السبب فإن السياسات الجديدة تعزز الاهتمام بالمسؤولين على مستوى القاعدة الشعبية: فتخفف من أعباءهم من خلال مكافحة الشكليات العقيمة، وتقلل من عدد الاجتماعات، وتقدم الحوافز لخدمة الناس، بما في ذلك ضمانات الرواتب وفرص التقدم الوظيفي.
كما تشمل المشكلات القاعدية التي تعوق بناء ريف مزدهر جودة الصناعات الريفية والبنية التحتية والخدمات العامة والثقافة المتحضرة والإيكولوجيا والحوكمة. وعلاوة على ذلك، يحذر كبار المسؤولين من دفع التراخي الناجم عن وجود فوائد، حيث يطالبون المسؤولين بتحفيز "الإرادة" و"الفكر" لدي ذوي الدخل المنخفض لكي يعملوا على تحسين حياتهم.
لقد أصبح تقليدا ذا مغزى في الصين أن الوثيقة الأولى التي تصدرها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومجلس الدولة كل عام، والتي يطلق عليها اسم "الوثيقة المركزية رقم 1" (التي تشير إلى الأولويات في السياسات)، تتعلق بتحديث الزراعة، وبناء المناطق الريفية، وتحسين حياة المزارعين. وتجسد الوثيقة رقم 1 اهتمام الصين بأفقر مواطنيها.
تؤكد الوثيقة رقم 1 هذا العام، 2023، مرة أخرى على كيفية دفع تحديث ثلاث فئات من العمل الريفي: الزراعة والمناطق الريفية والفلاحون. وتسهم هذه الوثيقة في استقرار الإنتاج وضمان توريد الحبوب وغيرها من المنتجات الزراعية الحيوية؛ وتعزيز بناء البنية التحتية الزراعية؛ وزيادة الدعم المقدم للعلوم والتكنولوجيا والمعدات الزراعية؛ وتوطيد الإنجازات التي تحققت في أهداف التخفيف من حدة الفقر وتوسيع نطاق هذه العملية؛ ودفع التنمية الرفيعة المستوى للصناعات الريفية.
إن النظر إلى الوراء والتطلع للأمام يشكل دائما إطار الدورات السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، ولكن هذا العام، تمثل الدورة السنوية معلما في مسيرة الصين الرامية إلى إحياء النهضة العظيمة للأمة. وبذلك، فإنها تبشر بقائمة جديدة من قادة الحكومة -- رئيس مجلس الدولة، ونواب رئيس مجلس الدولة، والوزراء -- المكلفين بالمهمة الجبارة المتمثلة في تحقيق هذه الغاية.
والتحديات التي تواجههم، على الصعيدين المحلي والدولي، لا تشكل سرا من أسرار الدولة.
إنها رؤية عظيمة. ولكنها مهمة جسيمة.
ملاحظة المحرر: حاز روبرت لورانس كون، المفكر العام والخبير الإستراتيجي بمجال الشركات الدولية، على وسام الصداقة للإصلاح الصيني (2018). وهو أيضا رئيس مؤسسة كون.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وكالة أنباء ((شينخوا)).