بكين 3 مارس 2023 (شينخوا) من أجل دفع التسوية السياسية للصراع الروسي-الأوكراني الجاري قدما، أصدرت وزارة الخارجية الصينية الشهر الماضي وثيقة توضح موقف بكين بشأن هذه القضية.
وقدمت الصين في هذه الوثيقة مقترحا من 12 نقطة لإنهاء الصراع في أوكرانيا من خلال معالجة أعراض الأزمة وأسبابها الجذرية، وأكدت مجددا على ضرورة إنهاء الصراع عن طريق الحوار والتفاوض.
وقد حظي مقترح السلام، منذ تقديمه، بالترحيب من جانب العديد من بلدان المجتمع الدولي. وأشاد ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بوثيقة الموقف واصفا إياها بأنها "مساهمة مهمة".
غير أن بعض الساسة الغربيين لم يلتفتوا إلى المقترح متهمين الصين بالانحياز، ورفضوا محتويات الوثيقة معتبرين أنها لم تأت بجديد.
وقوبلت هذه الادعاءات بالدحض من قبل خبراء وباحثين في العديد من البلدان، إذ رأوا أن المقترح أثبت التزام الصين بالموضوعية والنزاهة فضلا عن دورها كدولة كبرى مسؤولة في أوقات التحديات العالمية الخطيرة.
وقالوا إن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو، في ظل استمرار تفاقم الصراع، هم الذين يتشبثون بعقلية الحرب الباردة ويواصلون تغذية الأزمة لخدمة مصلحتهم الخاصة.
-- مقترح السلام الصيني بشأن أوكرانيا حيادي وقابل للتطبيق
قال علي الحفني، الأمين العام للمجلس المصري للشؤون الخارجية وسفير مصر سابقا لدى الصين، إن الوثيقة الصينية تعكس سياسة ورؤية واضحة للعلاقات الدولية لطالما تبنتها الصين على مدار تاريخها.
وذكر أنه موقف محترم ومسؤول لدولة لها حضور كبير على الساحة الدولية، سواء اقتصاديا أو سياسيا.
ومن جانبه قال صائب الرواشدة، المحلل السياسي في مؤسسة الصحافة الأردنية، إنه في الذكرى الأولى لتصعيد الأزمة، أصدرت الصين وثيقة توضح موقفها بشأن هذه القضية، آملة في دفع ايجاد حل مبكر للأزمة من خلال الحوار السلمي.
وذكر أن موقف الصين يتفق مع تطلعات الشعوب المحبة للسلام في جميع أنحاء العالم.
ولفت الرواشدة إلى أن بعض الدول الغربية أخفقت على الدوام في لعب دور بناء في تخفيف التوترات الناجمة عن الأزمة الأوكرانية. وفرضت عقوبات باستمرار على روسيا فيما أخذت تزود أوكرانيا بالوقود، وهو ما أدى إلى تأجيج الأزمة.
وقال إن الدافع وراء ذلك يتلخص في إضعاف روسيا وأوكرانيا والاستفادة من الصراع. وهذه عقلية نمطية للحرب الباردة، والضحايا الحقيقيون هم أبناء شعبي البلدين، الذين عانوا من صدمة الأزمة.
وأضاف أن ارتفاع التضخم ونقص الغذاء الناجمان عن الصراع في أوكرانيا مازالا يتسببان في آلام. والعالم سيصبح أكثر اضطرابا وانعداما للاستقرار إذا استمر الغرب في التحريض.
وأشار ريتشارد جرينيل، السفير الأمريكي الأسبق لدى ألمانيا، في مقال نُشر على موقع ((كاليفورنيا غلوب)) الإخباري أن الصين قدمت "نقطة انطلاق يمكن تصورها" لإنهاء الصراع في حين أن "موظفي وزارة الخارجية الأمريكية المخضرمين كانوا غاضبين من مرور عام دون طرح خطة أمريكية لحل سلمي".
وكتب يقول إن البيت الابيض يفكر "صباحا وظهرا وليلا" في كيفية تقديم مزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وحتى الآن، قدمت الولايات المتحدة جولات عديدة من المساعدات إلى أوكرانيا والدول الحليفة، بلغ إجمالي قيمتها حوالي 113 مليار دولار أمريكي. ووعدت واشنطن وحلفاؤها بالفعل بتقديم ما يقرب من 700 دبابة وآلاف العربات المدرعة وألف منظومة مدفعية وذلك من بين مساعدات أخرى لأوكرانيا.
وقد قال خوليو ريوس، مدير مرصد متابعة السياسة الصينية في إسبانيا، إن الدول الغربية مهتمة على ما يبدو بالإبقاء على الصراع أكثر من الدفع من أجل تحقيق وقف لإطلاق النار وبدء المفاوضات من أجل التوصل إلى حل سياسي.
وأضاف أن نهج الصين يسمح للعالم برؤية حل قابل للتطبيق وسوف تدعمه الدول التي تقدر الصالح العام للعالم بأسره.
-- مخطط الهيمنة الغربي معروف للجميع
يرى العديد من المراقبين أن الأسباب التي جعلت الساسة في بعض الدول الغربية يشعرون بالاستياء من مقترح السلام الذي قدمته الصين واضحة للغاية.
قال لويس نديتشو، الباحث في معهد أفريكا بوليسي البحثي ومقره نيروبي، إن الغرب اعتاد على تحقيق "السلام" من خلال التدخل بتوفير المعدات الحربية والاستخبارات وإرسال قوات قتالية جوية، كل ذلك سيؤدي إلى سباق تسلح مدمر.
وذكر نديتشو أن الغرب ليس سعيدا برؤيته الصين وهي تلعب دورا أكبر بشكل متزايد على الساحة العالمية.
وقال آنغ تيك سين، المعلق السياسي في سنغافورة، لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن كلا من روسيا وأوكرانيا تكبدتا خسائر فادحة في الأرواح وعلى صعيد الاقتصاد، لكن العم سام، الذي يسعى إلى الهيمنة وينتهج سياسات القوة، وجد فرصة نادرة لمواصلة قيادة الناتو وزيادة تكثيف المواجهة بين الكتلات.
وذكر أن واشنطن تقوم في الواقع بتوسيع النشاط التجاري للمجمع الصناعي العسكري، مشيرا إلى أنه كلما كان العالم أكثر تقلبا واتسع السوق، زادت الموارد التي سيتمكن بها المجمع الصناعي العسكري من تصنيع أسلحة أكثر تطورا، ومن ثم خلق المزيد من الصراعات.
وقال المعلق إنها حلقة مفرغة رهيبة. وللأسف، العالم هو الذي يدفع ثمن طموحات أمريكا.
وذكرت ربيعة أختار، مديرة مركز الأمن والاستراتيجيات وبحوث السياسات بجامعة لاهور في باكستان، أنه عندما تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتسلح أوكرانيا حتى النخاع، فإن دولا مثل الصين هي التي يتعين عليها أن تتقدم لتذكير الجميع بما هو على المحك الآن.
ولفت فيليب بورتو، الباحث في المرصد البرازيلي المختص بشؤون السياسة الخارجية، إلى أن موقف الولايات المتحدة تجاه الصين فيما يتعلق بالقضية الأوكرانية يناقض نفسه. فمن ناحية، تشكك الولايات المتحدة وحلفاؤها في علاقات الصين مع روسيا وتهاجمها، ومن ناحية أخرى تطلب من الصين استخدام تلك العلاقات للعب الدور الذي يتطلعون إليه في الأزمة.
وقال عالم الاجتماع السلوفيني توماز مستناك إن الولايات المتحدة أثارت الصراع الروسي الأوكراني وحرضت عليه وأطالت أمده. وعلى المدى القصير على الأقل، الولايات المتحدة هي البلد الوحيد الذي استفاد من هذا الصراع.
وأشار ماستناك إلى أن تأثير الصراع على أوروبا كارثي. والاقتصاد الأوروبي يتعرض لضربة قوية، وأولا وقبل كل شيء، تواجه ألمانيا، المحرك الاقتصادي الأوروبي، "تراجع التصنيع" لديها.
ويرى من وجهة نظره أن هذا الوضع في أوروبا ليس ضررا جانبيا ناتجا عن الصراع، بل هو أحد أهداف الصراع الذي أثارته الولايات المتحدة. وسوف يجعل أوروبا غير ذات أهمية على الصعيد الاقتصادي.
-- موقف الصين موضع ترحيب على نطاق واسع
نظرا لأن العالم يواجه مثل هذا الصراع المطول وكذلك أزمات الغذاء والطاقة المتداخلة، فقد قوبل مقترح الصين، الذي يصر على ضرورة تعزيز محادثات السلام، بالترحيب على نطاق واسع.
فقد قال محمد رضا منافي، رئيس تحرير مكتب أخبار منطقة آسيا والمحيط الهادئ في وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية ((إرنا))، إن المبادرة التي طرحتها الصين مؤخرا لحل الأزمة الأوكرانية سياسيا جاءت في الوقت المناسب جدا ومفيدة للغاية، وإنها تتفق تماما مع قواعد الأمم المتحدة.
أما بامبانغ سوريونو، رئيس مركز دراسات الابتكار الآسيوي البحثي الإندونيسي، فقال إن وثيقة الموقف بناءة وضرورية وجاءت في الوقت المناسب.
وذكر المعلق السياسى البريطانى كارلوس مارتينيز أن وثيقة موقف الصين تعد مساهمة قوية فى مشروع بناء السلام في أوروبا. فبينما لا تنحاز إلى أي جانب، فإنها تسلط الضوء على العناصر الحاسمة اللازمة للتوصل إلى حل للأزمة الأوكرانية.
وأضاف قائلا إن وثيقة الموقف ترتبط ارتباطا وثيقا بوثيقة مفهوم مبادرة الأمن العالمي التي أصدرتها الصين في 21 فبراير الجاري، حيث ترتكز كلتا الوثيقتين بقوة على القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. فكلاهما يعكس رغبة عميقة في تحقيق السلام والازدهار العالمي؛ وفي تحقيق مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
وأكد مارتينيز أن الوثيقتين تعكسان فهما واضحا بأن السلام والازدهار يتطلبان إعادة توجيه العلاقات الدولية نحو التعددية والتعاون وعدم التدخل واحترام السيادة واحترام التنوع؛ وأن الهيمنة وعقلية الحرب الباردة تقودان البشرية نحو مستقبل خطير جدا.
وذكرت كريستين بيير، رئيسة تحرير صحيفة ((التضامن الجديد)) الفرنسية، أن مبادرة الأمن العالمي التي طرحتها الصين تسمح للناس بالوصول إلى الأسباب الجذرية للاضطرابات والصراعات الكبيرة في العالم.
وأضافت أن مبادرة الأمن العالمي التي طرحتها الصين ووثيقة موقفها يمكن أن يكون لهما دور إيجابي للغاية في الصراع الأوكراني.