بكين 27 فبراير 2023 (شينخوا) أصدرت الصين يوم الجمعة وثيقة توضح خلالها موقفها من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، في الوقت الذي يوافق مرور عام على التصعيد الكامل للأزمة.
وفي الوثيقة، تقترح الصين حلا للأزمة يعالج كلا من الأعراض والأسباب الجذرية، مؤكدة أن الحوار والتفاوض هما الحل الوحيد القابل للتطبيق إزاء الأزمة الأوكرانية.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إن وثيقة الصين تقدم "مساهمة مهمة".
ويعتقد مراقبون أن خطة السلام تخدم مصالح طرفي الصراع وتستجيب للشواغل المشتركة للمجتمع الدولي، ما يدل على التزام الصين بالموضوعية والنزاهة وكذلك الدور الذي تلعبه، كونها دولة رئيسية مسؤولة، في أوقات التحديات العالمية الخطيرة.
ــ صياغة السلام في لحظة حرجة
وفي حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا))، قال ماركوس كورديرو بيريس، الأستاذ بجامعة ساو باولو البرازيلية، "في مواجهة لهيب الحرب، كل ما تحتاجه هو صب الماء، وليس الزيت".
وبعد مرور عام على الأزمة الأوكرانية، يبدو أن الصراع لم ينته بعد، فوراء الصراع الطويل والمتضخم، هناك مساعدة عسكرية مستمرة من الغرب لأوكرانيا وعقوبات مفروضة على روسيا. وحاليا، تؤثر تداعيات الأزمة على العالم: زيادة تكلفة المعيشة وتدفق أعداد هائلة من المهاجرين، وغيرها من التداعيات.
ولفت بيريس إلى أن الصين تحث في وثيقتها على استئناف محادثات السلام وتجنب المزيد من تصعيد الصراع، وتعارض استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها، وهو أمر حاسم للأمن العالمي والتنمية المستدامة للبشرية.
وقال المحلل السياسي الكرواتي دراجو هورفات إن أزمة أوكرانيا تظهر أنه في عالم اليوم، من المستحيل الفوز بالسلاح، ناهيك عن تحقيق السلام باستخدام السلاح.
وأوضح زولتان كيزيلي، مدير مركز التحليلات السياسية في معهد ساسادفيغ المجري، إن الوثيقة التي أعدتها الصين بشأن أزمة أوكرانيا تعد مساهمة مهمة للغاية في منع ظهور حقبة حرب باردة عالمية جديدة.
وأشار رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو إلى أن الوثيقة مثال على سعي الصين لسياسة خارجية سلمية بالإضافة إلى كونها "إجراء جديدا ومبتكرا" سيكون له أهمية بعيدة المدى.
ولفت نائب رئيس الوزراء الكرواتي السابق أنتي سيمونيك إلى أن الوثيقة التي أصدرتها الصين لها أهمية كبيرة ليس فقط لروسيا وأوكرانيا، بل للمجتمع الدولي كذلك.
وقال علي الحفني، الأمين العام للمجلس المصري للشؤون الخارجية وسفير مصر سابقا لدى الصين، إن الوثيقة تعكس سياسة ورؤية واضحة للعلاقات الدولية لطالما تبنتها الصين على مدار تاريخها.
وفي الوقت نفسه، أعرب كثيرون عن تقديرهم لدور الصين البنّاء في الدفع باتجاه تسوية سلمية للأزمة منذ البداية، معتقدين أن الوثيقة التي أصدرتها الصين توضح المسار الصحيح وتدعو المجتمع الدولي إلى الاهتمام باقتراح الصين وبذل جهود مشتركة لتعزيز محادثات السلام.
وقال الحفني "الوثيقة بالتأكيد تعد مساهمة مهمة".
وأوضح هورفات أن الوثيقة الصينية حل جيد للغاية للأزمة، معربا عن أمله في أن يضع المجتمع الدولي خطة السلام الصينية على جدول الأعمال في أقرب وقت ممكن.
وقالت ربيعة أختار، مديرة مركز الأمن والاستراتيجيات وبحوث السياسات بجامعة لاهور في باكستان، إن الصين، بصفتها عضوا دائما مسؤولا في مجلس الأمن الدولي، أصدرت وثيقة تعطي الأولوية للدفاع عن السلام العالمي.
وحثت أختار العالم على الاستجابة لنداء الصين وتوحيد الجهود لجلب جميع أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات.
ــ موقف محايد وموضوعي
استعرض داي بينغ، القائم بأعمال بعثة الصين الدائمة لدى الأمم المتحدة، في كلمة ألقاها خلال جلسة إحاطة رفيعة المستوى لمجلس الأمن بشأن أوكرانيا، موقف بلاده من تلك الأزمة، قائلا إن الصين لطالما تبنت موقفا موضوعيا ومحايدا يستند إلى سمات القضية، وإنها مستعدة للعب دور مسؤول وبناء في حل الأزمة الأوكرانية.
ونصت الوثيقة على المبدأ الأساسي الذي مفاده أنه "يجب الالتزام الصارم بالقانون الدولي المعترف به عالميا، بما في ذلك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وأنه يجب التمسك بسيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي جميع الدول" عند التعامل مع الأزمة.
ويرى فيليب بورتو، الباحث في المرصد البرازيلي المختص بشؤون السياسة الخارجية، أن تلك الوثيقة تعكس الموقف الموضوعي الثابت للصين في التعامل مع الأزمة الأوكرانية.
ويتفق محمد رضا منافي، رئيس تحرير مكتب أخبار آسيا-الباسيفيك بوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إيرنا)، على أن وثيقة الصين شاملة وكاملة، إذ أنها تحترم تماما مبدأ الأمم المتحدة بشأن السيادة الوطنية، لا سيما سيادة ووحدة وسلامة أراضي طرفي الصراع.
ويوضح منافي أن الصين لا تنحاز إلى أي طرف في هذا الصراع، ولكنها تسعى بنشاط وإخلاص إلى حل سلمي للأزمة.
وأصدرت وزارة الخارجية القازاقية يوم السبت بيانا أعربت فيه عن ترحيبها بموقف الصين بشأن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، قائلة إن تلك الوثيقة تستحق الدعم باعتبارها تساهم في وقف إراقة الدماء على أساس سيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي جميع الدول وفقا للمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة.
كما أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بيانا يوم الأحد، أعربت فيه عن دعمها لموقف الصين، قائلة إنها "تعتقد بأن العناصر الواردة في هذه الوثيقة كافية لبدء مفاوضات بشأن وضع إطار متفق عليه بشكل متبادل لإنهاء الأنشطة العسكرية في أوكرانيا ووقف الإجراءات أحادية الجانب واستعادة الوضع طبقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
وأوضحت وزارة الخارجية الإيرانية في بيانها أن استمرار الصراع هو نتيجة اشتداد حدة التناقضات المتراكمة منذ فترة طويلة بشأن الأمن الإقليمي، مشيرة إلى أن وثيقة الصين أعادت التأكيد على أنه يتعين على جميع الأطراف المساعدة في تشكيل هيكل أمني أوروبي متوازن وفعال ومستدام، انطلاقا من اتباعها رؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، ومراعاتها السلام والاستقرار على المدى الطويل في العالم.
كما شددت وزارة الخارجية الإيرانية على إلى أنه يتعين على جميع الأطراف معارضة السعي لتحقيق الأمن الخاص على حساب أمن الآخرين، ومنع المواجهة بين الكتل، والعمل معا من أجل تحقيق السلام والاستقرار في القارة الأوراسية.
وقال المعلق السياسي البريطاني، كارلوس مارتينيز، في مقابلة مكتوبة مع وكالة أنباء ((شينخوا))، إن وثيقة الصين تعد مساهمة قوية في مشروع بناء السلام في أوروبا، مضيفا أن تلك الوثيقة المحايدة تسلط الضوء على العوامل الحاسمة المطلوب توافرها لإنهاء تلك الأزمة الرهيبة.
ــ إظهار المسؤولية من جانب دولة كبرى
أثرت تلك الأزمة التي طال أمدها على قضية السلام والتنمية في العالم. ورغم أن الصين ليست طرفا في الأزمة، إلا أنها، باعتبارها دولة كبرى مسؤولة، لم تقف مكتوفة الأيدي، بل لعبت دورا مسؤولا وبناء في تخفيف حدة الوضع ونزع فتيل الأزمة.
وترى الباحثة الباكستانية أختار أن وثيقة الصين تغطي جميع جوانب الصراع، إذ أنها لا تؤكد فقط على المبدأين الأساسيين المتمثلين في معارضة استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها، ووقف إساءة استخدام العقوبات الأحادية و"الولاية القضائية طويلة الذراع" ضد البلدان الأخرى، بل تطرح أيضا حلولا محددة لأزمة الغذاء العالمية والأزمة الإنسانية العالمية.
وأشارت أختار إلى أن هذه الوثيقة الشاملة تحث جميع أطراف النزاع على إعادة التفكير في مواقفها والتوجه نحو البحث عن حل دبلوماسي.
ولاحظ العديد من المراقبين الوضع الخاص للصين كدولة غير طرف في الأزمة الأوكرانية، مؤكدين على أن الحل الصيني "الأكثر عملية" و"الأكثر حيادا" يقدم مسارا جديدا يختلف عن الغرب.
ويرى زولتان كيزيلي، مدير مركز التحليلات السياسية في معهد ساسادفيغ المجري، أن معظم المناطق والدول في العالم ليست منخرطة في صراعات وتظل محايدة، مشيرا إلى أن اقتراح الصين، بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن واقتصادا مهما في العالم، خطة بناءة تضع السلام كهدف، يمثل تقدما إيجابيا للغاية، ويعبر عن صوت غالبية مناطق وبلدان العالم.
ويوضح المحلل كيزيلي أن بناء عالم أكثر أمنا هو ما تتطلع إليه جميع الشعوب بكل قوة وتسعي إليه الصين بشكل دؤوب، مشيرا إلى أنه في 21 فبراير، أصدرت الصين ورقة مفاهيم مبادرة الأمن العالمي، إلى جانب تلك الوثيقة بشأن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، وهما توضحان مسؤولية الصين في العمل مع المجتمع الدولي لحماية الأمن العالمي واقتراح تدابير أكثر جدوى لحل المعضلة الأمنية الحالية.
ويرى كوون كي سيك، رئيس جمعية الصداقة لمدن كوريا الجنوبية والصين، أن الوثيقتين عبارة عن مبادرات وأفكار عملية طرحتها الصين لحماية السلام والأمن العالميين، ما يساعد على ضخ المزيد من الاستقرار في المجتمع الدولي الذي ابتُلي بالنزاعات المختلفة، ولذلك تحظى الوثيقتان بدعم واسع من الشعوب المحبة للسلام في جميع أنحاء العالم.
ويوضح الخبير البريطاني مارتينيز أن الوثيقتين تعكسان رغبة عميقة في تحقيق السلام والازدهار العالميين، وتظهران فهما واضحا بأن السلام والازدهار يتطلبان إعادة توجيه العلاقات الدولية نحو التعددية والتعاون وعدم التدخل في شؤون الآخرين واحترام السيادة والتنوع.
ويشير مارتينيز إلى أنه في مواجهة التحديات العالمية الناشئة، أصبح المجتمع الدولي أكثر وعيًا بأن البشر يعيشون في القرية العالمية نفسها، وينتمون إلى مجتمع مصير مشترك.
ويؤمن الباحث البرازيلي بورتو بأن رؤية بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وكذا مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ووثيقة الموقف بشأن التسوية السياسية للنزاع في أوكرانيا، التي تعد جميعها مظاهر ملموسة لهذه الرؤية، هي بمثابة مساهمات كبيرة تقدمها الدبلوماسية الصينية للعالم.
ويشير بورتو إلى أن الرؤية والمبادرتين ووثيقة الموقف تقدم جميعها حلولا صينية للقضايا العالمية، وتظهر للشعوب أنه يجب ضمان الأمن من خلال التنمية وضمان التنمية من خلال الأمن، ولا يمكن ضمان الأمن أو التنمية من خلال الحرب أو الهيمنة.