نيويورك 26 فبراير 2023 (شينخوا) إن الحادث الكارثي السام الذي شهد خروج قطار عن مساره في أوهايو نبه الأمريكيين إلى مسألة سلامة البنية التحتية للنقل في بلادهم، حيث طُرحت تساؤلات متكررة على وسائل التواصل الاجتماعي عن سبب امتلاك الحكومة الأموال للحروب حول العالم ولكن ليس لخدمة السكك الحديدية في الداخل.
ففي مقابلة إعلامية أُجريت معه مؤخرا، قال ترينت كونواي، عمدة شرق فلسطين، عندما كان ينتقد الرئيس جو بايدن لزيارته المفاجئة لأوكرانيا "لقد كانت هذه أكبر صفعة على الوجه".
وذكر كونواي أنه غضب كثيرا عندما اكتشف أن الرئيس بايدن كان في أوكرانيا يتبرع بملايين الدولارات الأمريكية للناس هناك بدلا من مساعدة ضحايا خروج القطار عن مساره. وتذمر قائلا "هذا يقول لكم الآن أنه لا يهتم بنا".
فقد خرج قطار يحمل مواد كيميائية سامة عن مساره يوم 3 فبراير في شرق فلسطين بولاية أوهايو. وانفجرت المواد الكيميائية المتسربة واحترقت وأفرغت ملوثات سامة في الهواء والماء والتربة.
حاولت الأطراف ذات الصلة في البداية إخفاء خطورة الحادث، حتى أن مراسلا اُحتجز عندما حاول إعداد تقرير عن القضية. ولم يُعرف على نطاق واسع إلا بعد أسبوعين عندما تم نُشرت مقاطع فيديو لمشاهد كارثية لسحابة عيش غراب وأسماك نافقة وحيوانات مريضة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعقب هذه المأساة المزيد من حوادث خروج القطارات عن مسارها في ميشيغان وتكساس ونبراسكا. وتسببت حوادث القطارات المتسلسلة في قلق الناس من سوء أحوال السكك الحديدية في البلاد. وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يُظهر قطارا "يرقص" على خطوط سكك حديدية ملتوية بشكل خطير وتربط بين أوهايو وإنديانا، وقال بعض التابعين إن السكك الحديدية في مسقط رأسهم ليست أفضل حالا من ذلك.
وفي ظل صدمتهم من مقاطع الفيديو التي تُظهر تدهور أوضاع السكك الحديدية، كتب العديد من المتابعين أن الولايات المتحدة بحاجة إلى تجديد مرافق البنية التحتية بدلا من شن الحروب. وسخر البعض من الحكومة بقولهم إن البلاد بحاجة إلى إعادة تصميم عجلات سككها الحديدية لتتناسب مع المسارات الملتوية.
بسبب السكك الحديدية البالية، أصبحت حوادث القطارات شائعة جدا لدرجة أن وسائل الإعلام الوطنية لا تنشر تقارير عنها إلا إذا كانت هناك وفيات. وتشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة النقل الأمريكية أنه في الفترة من عام 1990 إلى عام 2021، وقعت 54539 حادثة خروج قطارات عن مسارها، بمعدل 1704 حادثة سنويا.
من الغريب أن هناك أموالا للحروب ولكن ليس للسكك الحديدية، وهذا ما يراه الأمريكيون. في عام 2023، بلغت ميزانية الدفاع الأمريكية مستوى قياسيا وقدره 858 مليار دولار، بزيادة 8 في المائة عن عام 2022. فالولايات المتحدة تنفق على الدفاع الوطني أكثر مما تنفقه الدول التسع التالية لها مجتمعة، كما خصصت من الناحية التاريخية حصة أكبر من اقتصادها للإنفاق العسكري مقارنة بأغلب دول العالم، بما في ذلك حلفاؤها الرئيسيون.
وقدر معهد واتسون بجامعة براون في تقرير له بعنوان ((تكاليف الحرب)) أن واشنطن أنفقت أكثر من 8 تريليون دولار على الحروب ما بعد 11 سبتمبر وذلك حتى عام 2022. ورغم أن الولايات المتحدة دفعت ثمن الحروب السابقة عن طريق زيادة الضرائب وبيع سندات الحرب، إلا أن ثمن الحروب الحالية يُدفع بالكامل تقريبا بأموال مقترضة، ولابد من دفع الفوائد عليها.
وقال التقرير "حتى لو توقف الإنفاق الحربي على الفور، بحيث تصل نفقات عمليات الطوارئ في الخارج والميزانية الأساسية للبنتاغون إلى الصفر، فإن الإنفاق على الفوائد سيستمر في التراكم، ليصل إلى عدة تريليونات من الدولارات على الأقل خلال العقود القليلة المقبلة".
وهذا يتناقض بشكل حاد مع استثمار البلاد في البنية التحتية المحلية. فصناع القرار على المستوى الفيدرالي يستمون بقدر عظيم من السخاء في الإنفاق العسكري بينما يبخلون في الإنفاق المدني.
وتشير الجمعية الأمريكية للهندسة المدنية في تقريرها لعام 2021 عن البنية التحتية إلى أن التمويل الحكومي سوف يحتاج إلى ما يقرب من 2.59 تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة لمعالجة الفجوات في البنية التحتية. وإن استمرار نقص الاستثمار في البنية التحتية سيكلف الولايات المتحدة في نهاية المطاف 10 تريليونات دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من 3 ملايين وظيفة، و2.4 تريليون دولار من الصادرات بحلول عام 2039.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مشروع قانون البنية التحتية الذي اقترحه بايدن كان مصيره مشؤوما حيث ابتُـلي بارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم، والذي أدى بدوره إلى خفض المليارات من الدولارات من قيمته. وقد أدت التكلفة المتضخمة إلى تأجيل مشاريع البناء أو حتى إلغائها.
وتحتاج الولايات المتحدة أيضا إلى المال لحل العديد من المشكلات الأخرى في الداخل. فقد تجمع المئات من المتظاهرين في واشنطن العاصمة يوم الأحد للقيام بمظاهرة بعنوان "مسيرة ضد آلة الحرب"، مطالبين الحكومة الأمريكية بإنهاء أعمالها العسكرية في الخارج وخفض ميزانية البنتاغون لمعالجة القضايا المحلية.
وفي خطابها دعت جيل شتاين المرشحة الرئاسية السابقة عن حزب الخضر إلى خفض ميزانية وزارة الدفاع الهائلة للمساعدة في تخفيف حدة العديد من المشكلات الداخلية.
وأشارت إلى عدد من هذه المشكلات ومنها وجود: 70 ألف شخص يموتون سنويا بسبب الافتقار إلى التأمين الصحي؛ ونصف مليون مشرد في أي ليلة من الليالي في الشوارع؛ و33 مليون يرزحون تحت وطأة الديون الطلابية؛ و100 مليون يرزحون تحت وطأة الديون الطبية؛ و22 مليون طفل فقير.
وقال عمدة كليفلاند السابق دينيس كوسينيتش وهو ينتقد المجمع الصناعي العسكري في البلاد "الآن نحن نقود العالم في صنع الأعداء، والخلط بين الدفاع والهجوم. نسلح أنفسنا حتى النخاع، وننفق تريليونات الدولارات للنهوض بإمبراطورية عدوانية من خلال الترويج للحرب".