باريس 22 فبراير 2023 (شينخوا) بعد مرور عام على بدء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، تجد فرنسا وبقية أوروبا نفسها في موقف حساس، حيث تترنح تحت تأثير التضخم، وأزمة الطاقة، وتباطؤ النمو الاقتصادي.
-- التضخم وأزمة الطاقة
أدى الصراع الروسي الأوكراني إلى ارتفاع التضخم في فرنسا. ووصل ارتفاع الأسعار إلى مستوى قياسي في البلاد منذ فبراير من العام الماضي.
وتظهر بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية أن معدل التضخم السنوي في فرنسا بلغ 5.2 في المائة لعام 2022، بعد تسجيله 1.6 في المائة في عام 2021 و0.5 في المائة في عام 2020.
وارتفعت أسعار الطاقة وحدها بنسبة 23.1 في المائة سنويا، تليها 6.8 في المائة للأغذية و3 في المائة للسلع والخدمات المصنعة.
وصلت أسعار الطاقة في البلاد إلى مستوى قياسي مرتفع في عام 2022، حيث تم تداول الغاز الطبيعي عند 340 يورو (364 دولارا أمريكيا) لكل ميغاوات ساعي في 26 أغسطس من العام الماضي، مقابل أقل من 30 يورو (32 دولارا) لكل ميغاوات ساعي في ذات الفترة من عام 2021.
وفي مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، تم تمديد العمل بدرع التعريفة الجمركية الذي استحدثته الحكومة الفرنسية في عام 2021، خاصة للشركات الصغيرة. وتم الكشف رسميا عن خطة رصانة الطاقة في 6 أكتوبر 2022، والتي تهدف لتقليل الاستهلاك الإجمالي للطاقة في البلاد بنسبة 10 في المائة خلال العامين المقبلين وبنسبة 40 في المائة بحلول عام 2050.
وقالت وزيرة تحول الطاقة أغنيس بانييه-روناشر إن خطة فرنسا للرصانة في مجال الطاقة ستحقق وفرا قدره 800 مليون يورو (785 مليون دولار) للبلاد.
ويتم تشغيل الإضاءة العامة في الشوارع لوقت أقصر وبشكل أقل كثافة، ويجب على الشركات الالتزام بإطفاء الأنوار في المباني غير المأهولة، ويتم تشجيع العمل من المنزل في الإدارات العامة.
وتتطلب الخطة أيضا خفض التدفئة في المكاتب وحمامات السباحة والصالات الرياضية، ويجب تقليل استخدام الماء الساخن في المكاتب.
-- الأثر على المعيشة
الرغيف الفرنسي، المعروف باسم "باغيت"، الذي يعد أساسيا بالنسبة للفرنسيين، هو مؤشر على تكلفة المعيشة في فرنسا. وفي عام 2022، ارتفع سعره عدة مرات، متجاوزا عتبة 1 يورو (1.07 دولار) للرغيف الواحد في العديد من المخابز.
وفي الوقت نفسه، تذبذب سعر القمح ليرتفع من 180 يورو (193 دولارا) إلى 460 يورو (492 دولارا) للطن الواحد مع بداية الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ليستقر أخيرا عند حوالي 360 يورو (385 دولارا) للطن. وأثر هذا الارتفاع في الأسعار بشكل مباشر على محافظ المستهلكين.
وقالت امرأة تدعى هيلين لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه "في السابق، لم أكن أهتم كثيرا بالأسعار عندما كنت أتسوق، ولكن مع التضخم، أراقب بعناية أكبر".
واختار العديد من الفرنسيين خفض درجة حرارة منازلهم لتقليل النفقات. قامت دافني، التي تعيش في منزل قديم يغطي مساحة 130 مترا مربعا، بخفض درجة الحرارة في منزلها بشكل كبير خوفا من ارتفاع فاتورة الطاقة.
وقالت "أشعر بالبرد، لذا كانت تضحية، ولكن في النهاية، أدركت أننا بخير في منزل مع 18 درجة مئوية، كل ما تحتاجه هو زجاجة ماء ساخن ليلا".
كما تضررت الشركات الفرنسية بشدة من ارتفاع أسعار الطاقة.
في أكتوبر الماضي، نبهت أكثر من 300 شركة الحكومة الفرنسية إلى التأثير السلبي لارتفاع أسعار الطاقة.
وأشارت أكثر من واحدة من كل شركتين صناعيتين فرنسيتين إلى أنها عانت من عواقب أزمة الطاقة، مبينة أن اختناقات الإنتاج أثرت على ربحية الأعمال.
وأظهر استطلاع أجري في أكتوبر من العام الماضي أن 80 في المائة من الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد قلقة بشأن استمرارها.
ويستمر هذا الاتجاه، إذ وفقا لدراسة حول إعسار الشركات، فإن الارتداد في حالات الإفلاس الذي بدأ في عام 2022 لم ينته بعد وتواجه الشركات تهديدا ثلاثيا يتمثل في ضعف النمو وانخفاض الهوامش وتدهور ظروف التمويل في عام 2023.
-- الآثار التبعية
توقعت المفوضية الأوروبية أن ينمو الاقتصاد الفرنسي بنسبة 0.6 بالمائة و1.4 بالمائة على التوالي لعامي 2023 و2024، وأن ينمو الاقتصاد الألماني بنسبة 0.2 بالمائة و1.3 بالمائة على التوالي.
في الربع الرابع من 2022، أظهرت ست من دول منطقة اليورو نموا اقتصاديا سلبيا، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا، اللتين انخفض نموهما بنسبة 0.2 بالمائة و0.1 بالمائة على التوالي.
وكان البلدان هما الأكثر تضررا من الأزمة الأوكرانية، حيث أن كلاهما لديه اقتصاد يعتمد على التصدير ويعتمدان بشكل كبير على الغاز الطبيعي من روسيا، الذي تعطل بعد العقوبات المفروضة على روسيا.
ومع تزايد صعوبة الوصول إلى الغاز الروسي نتيجة للأزمة، اضطرت الدول الأوروبية إلى التحول إلى الغاز الطبيعي المسال الأمريكي باهظ الثمن.
غير أن الولايات المتحدة تبيع الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا "بأربعة أضعاف" السعر الذي تبيعه للموردين الأمريكيين، كما صرح وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لو مير في العام الماضي، الذي أبدى خشيته من استفادة الولايات المتحدة من الوضع على حساب المصالح الأوروبية.
وأصر على ضرورة بناء "علاقات اقتصادية أكثر توازنا بشأن قضية الطاقة بين حلفائنا الأمريكيين والقارة الأوروبية".
وجاءت تصريحات لو مير بعد أيام فقط من إعراب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن استيائه حيال الغاز الطبيعي المسال المستورد من الولايات المتحدة والنرويج.
وقال "سنقول بروح الصداقة لأصدقائنا الأمريكيين وأصدقائنا النرويجيين، 'أنتم رائعون تزودوننا بالغاز'، لكن هناك شيء لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة جدا، وهو أننا لا نستطيع دفع ثمن الغاز الذي هو أغلى بأربعة أضعاف".
ووفقا لشركة البيانات والتحليلات "كبلر"، استورد الاتحاد الأوروبي ما مجموعه 94.73 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال في عام 2022، حيث أرسلت الولايات المتحدة نحو 41 في المائة من هذه الواردات، لتصبح بذلك أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في الاتحاد الأوروبي.
إلى جانب ذلك، فإن عواقب قانون خفض التضخم، وهي خطة أمريكية ضخمة بقيمة 369 مليار دولار من الإعانات الصناعية التي أُعلن عنها في صيف 2022، تشكل تهديدا تجاريا جديدا لأوروبا.